الاغتيالات السياسية.. هل انفتح صندوق باندورا؟! تقرير: محمد المختار رصاصات تطلق بعناية لتستقر فى القلب معلنة عن عملية "اغتيال"، تتناقلها عاجلا وكالات الأنباء وتتلغفها وسائل الإعلام المختلفة تحليلا وبحثا عن الأيادي التى ضغطت على الزناد، بالإضافة الى صور لحظة وقوع الحدث، لتصبح حديث الساعة الذى يشغل الرأى العام، هكذا يمكن أن يكون السيناريو المرسوم الذى أشارت له تصريحات قيادات المؤتمر الوطني وهى تحذر من أن عمليات اغتيال وتصفيات ستطال الكثيرين من القيادات السياسية لم يفصح عنهم، مشيراً لتلقيه معلومات أمنية في وقت سابق حذرت من وجود خلايا نائمة فى عدد من المناطق، ومن وصفتهم الأجهزة الأمنية ب (النفعيين) الذين يسعون لاستغلال الاحتجاجات التى انتظمت عدداً من المدن السودانية لتنفيذ عمليات تصفية بحق عدد من الساسة والوطنيين. تحذير المؤتمر الوطني الذى جاء على لسان نائب رئيس الجمهورية، رئيس القطاع السياسى للمؤتمر الوطني د. الحاج آدم يوسف بالإضافة الى الناطق باسم الحزب بروفيسور بدر الدين أحمد والذى قال إن عملية اغتيال رئيس المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان إبراهيم بلندية تؤكد تحذيرات الأجهزة الأمنية، مشيراً في تصريحات صحفية بمقر حزبه أمس إلى تخوفات أطلقتها الأجهزة بشأن إمكانية استغلال ما أسماه بالمظاهرات العشوائية من قبل أطراف لديها ارتباطات خارجية. أزمة سياسية ويرى البعض أن حديث المؤتمر الوطني عن الاغتيالات والتصفيات فى ظل الأزمات التى تعاني منها الحكومة ما هو إلا هروب الى الأمام، واستغلال الأمر لتحجيم المعارضين لها، فضلا عن استغلال ذلك إعلاميا فى ظل الاحتجاجات التى ترفض الأوضاع الاقتصادية وحزمة المعالجات التى قامت بها الحكومة مؤخرا، إلا أن مقتل رئيس المجلس التشريعى لولاية جنوب كردفان ابراهيم بلندية وكل من امين التخطيط الاستراتيجي بالولاية د.فيصل بشير ومعتمد الرئاسة السابق في حكومة شمال كردفان علي خضر وعدد من مرافقيه يوم الجمعة الماضي في كمين أشارت أصابع اتهام الحكومة الى الجيش الشعبي، قد يعزز من التحذيرات التى أطلقها كل من نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم يوسف، والناطق باسم المؤتمر الوطني البروفيسور بدر الدين أحمد، وينفي نائب الامين السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم عبد السخي عباس، أن يكون المؤتمر الوطني بهذه التصريحات الأخيرة يحاول خلق أزمة، وأضاف فى تصريحه ل(السوداني): لا أتفق أن المؤتمر الوطني يحاول خلق أزمة لاستغلالها سياسيا"، وأضاف أن الحركة الشعبية لن تقدم على نفس الحماقات التى ارتكبتها فى جنوب كردفان، مشيرا الى أن اغتيال ابراهيم بلندية تم فى منطقة فيها مشاكل أمنية، وقلل عبد السخي من حدوث ذلك فى الخرطوم مهما كان من معلومات لصعوبة تنفيذها فى الخرطوم، ويصعب للخلايا أن تقوم بأي عمل، بعكس ما تم فى جنوب كردفان لجهة أن المنطقة خلوية ومكشوفة وبها توترات أمنية وانتشار للسلاح. مؤكدا على مقدرة الأجهزة الأمنية ويقظتها للتعامل مع أي طارئ. عملية مستمرة قاموس السياسية السودانية فى ماضيها وحاضرها لم تدخله كلمة اغتيال بعكس العديد من دول المنطقة العربية والافريقية التى تترجم مفردة الاغتيال عمليا فى واقعها السياسى، ويقول الخبير الأمنى الفريق الفاتح الجيلي مصباح، إن الاغتيالات فى السودان لم تكن معروفة، وما درج السودانيون يوما التخلص من الخصوم السياسيين بأسلوب الاغتيالات، وأضاف أن التجربة السياسية فى ماضيها برغم العداوات لم يكن الاغتيال وسيلة لتصفية الخصوم، ويشير الى أن هذا الأسلوب إذا بدأ يمكن أن يكون مسلسل ومن الصعوبة إيقافه ويصبح مثل الثأر يبدأ من طرف ويرد الطرف الآخر، ويعتبرها من الأشياء التى يجب ألا يدخل الناس فى تجربتها، ويمضي مصباح فى حديث سابق ل (السودانى)، قائلا إن الاغتيال عادة ما يحصل نتيجة محاولة للتخلص من خصم يكون شرسا أو لديه عداوة شديدة مع الخصم الثاني ولم يجد وسيلة إلا بالتخلص منه بالتصفية الجسدية، وهى عملية ليس لديها حد ويمكن أن تستمر لسنين من خلال الفعل ورد الفعل، ويؤكد على أنه حتى الآن ليس هناك اغتيالات فى السودان بهذا المفهوم، فيما يتعلق بالكيفية التى تتم بها الاغتيالات وطرق التنفيذ، يقول الفريق الجيلى إن وسائل الاغتيال كثيرة جداً وعادة ما تحدث إما بالسلاح النارى، أو بالتسميم، او بالسلاح الأبيض، او بأمراض وجراثيم كما حدث للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باستعمال نوع محدد من سائل التسميم، ويضيف: او يمكن أن ينفذ الاغتيال بحادث حركة فى الشارع ولكن هذا النوع فيه بعض المحاذير، ويقول: "أساليب الاغتيالات لا يمكن تحديدها وكل يوم يخرج شخص بطريقة جديدة"، ويشير الى أن الاغتيال يمكن أن يحدث فى بيت عرس بأن يبشر أحدهم بسلاح ناري ليصيب به شخص بعينه. طرق الحماية ويرى عبد السخي عباس أن الظروف الأمنية لن تسمح بهذه الفوضى نسبة للقدرات الأمنية والوعي الكبير بين المواطنين، وقال لدينا وجود للمؤتمر الوطني فى كل المناطق بالإضافة الى الوجود الأمني وأي تحركات تهدد الأمن تكون مكشوفة ومعروفة، وأضاف ليس بالإمكان تكرار ما حدث فى جنوب كردفان، وأشار الى أن حركة العدل والمساواة دخلت أم درمان بأكثر من 350 سيارة ولم تستطع أن تغتال أي شخص من القيادات السياسية، وحول كيفية تأمين الشخصيات السياسية التى عادة ما تكون عرضة لعمليات الاغتيال، يقول الجيلي إن من الأشياء البديهية أن الاغتيال لا يمكن منعه بصورة نهائية، ويصعب تشكيل حماية كاملة إذا استهدفت شخصية من خلال شخص آخر يعيش معها فى نفس البلد، وكل ما يمكن القيام به تشكيل حماية لتضييق الفرص او تعويق عملية الاغتيال وهذه عادة ما تعمل لحماية الشخصيات الهامة، ويؤكد الجيلي على أن الاغتيالات لا يمكن منعها بصورة كاملة، ولكن يمكن التضييق على الشخص المنفذ واستبعاده من المسرح والقبض عليه، حتى إذا بدأت العملية لا تصل المحاولة لغرضها ويتم ذلك من خلال أتيام الحماية وتأمين المناسبات، ويضيف عادة ما تحدث محاولات اغتيال لكن هناك طرق للحماية الشخصية والتضييق وإمكانية اعتقال المحاول، وزاد: "لكن التحدث عن المنع بنسبة 100% لا يمكن، وفى السودان نجد حركة السودانيين والمناسبات الاجتماعية"، وأضاف: "إنها عملية ذات حدين إذا بدأت لن تتوقف". وبالنظر للحديث السابق فإن أي عملية اغتيال سياسي ستقود لفتح صندوق باندورا المحمل بكل الشرور وفقا للأسطورة الاغريقية المعروفة.