وبعد عشرين شهراً عدت للفاشر .. للوقوف على تكوين اتحاد فرعي للصحافيين بولاية شمال كردفان فقفزت على شاشة الذاكرة .. صورة الفاشر قبل الأزمة وبعد الأزمة .. صورتها قبل الازمة كمدينة شاهية متربة وكالحة.. صورة لمدينة تحمل آثار وحضارة وتاريخ وعز قديم .. كانت يومها كعجوز تجاعيدها تُخفي جمالاً بدده الاهمال.. وصوره للفاشر في أيام المحنة.. حيث التوجس والخوف يمشي على طرقاتها .. والصور تتعدد.. كلما حللت لهذه المدينة.. مدينة السلاطين .. لأجد في كل مرة .. إنها تقلع الاثواب البالية وتجدد انسجتها .. تطور عمراني مدهش .. طرقات مسفلتة عمائر شاهقة .. وخدمات تتدفق .. وأمن ينتشر وينحسر الوجود الاجنبي.. القوافل الاعلامية الاجنبية.. تنقطع ارجلها .. وتسكت.. معسكر ابوشوك يتحول الى حي سكني من احياء المدينة.. فتختفي الخيام .. ويعود النازحون الى قراهم بعد أن حلَّ الأمن وأناخ الاستقرار بعيره في كل أرجاء الولاية.. فما قام به والي شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر .. كان أكبر من الأزمة .. فقد ألجم الذين من هم وراء الفتنة حجراً خشناً.. فبحكمة حكماء دارفور .. هزم شواطين الفتنة .. رتق الثوب .. واصلح النعل .. بعقلية السياسي وحصافة الانسان المستنير.. «فوت» الفرصة على الذين يطمعون في دارفور .. التقى بعدد مقدر منهم .. فبالحجة والمنطق .. فشل مخططهم ليس هو وحده .. بل معه المخلصين من أبناء الولاية .. أبناء دارفور العارفين ببواطن الأمور .. لا أولئك الذين أرادوا من دارفور .. سلعة للمضاربات والسمسرة .. فبذات الحكمة .. استطاع أن يحتوي «شكلة».. في كبكباية .. حاول أصحاب الأجندة والأغراض أن يجعلوا منها ثغرة .. لأزمة جديدة .. ولكن الأيام علمت كبر وعلمت أهل شمال دارفور.. فالمؤمن لا يلدغ من الحجر مرتين .. «الشكلة» بسبب تخطيط .. سوق يُحدث حراكاً تجارياً بمواصفات علمية .. الطابور الخامس التابع الى المتمرد عبدالواحد .. بالمدينة .. اشاع للمواطنين أن الحكومة تريد نزع منازلهم .. وللأسف أن هناك «أحدهم» ومن قاده حزب المؤتمر الوطني .. شهوة الحكم والغرض .. ومعه «قلة» كان وراء هذه «الشكلة».. التقت اغراضه الشخصية .. مع طابور عبدالواحد والمصائب يجمعن المصابين .. والطيور على أشكالها تقع .. وبسفالة التمرد .. وقع الاعتداء على الشرطة وشنو حرباً على المعتمد .. الذي كان بقدر المسؤولية بل ذهبوا الى الاعتداء على قوات .. «اليونميد» .. التي حسب صناع الفتنة.. إنها ستحملهم الى عرش «كرزاي» لكن الوالي الذي علمته الشدائد .. الخروج من الشبكات .. عبر لجنة تهدئة الخواطر .. ولجنة تحقيق .. وأخيراً محطة القضاء .. انتزع الفتيل .. ولأن الجروح يطهرها «الكي» تحت «راكوبة» بمنزله .. اجتمع الوالي مع العقلاء واهل الرأي من أهل كبكابية .. لردم الثغرة وإبطال مفعول اللغم .. فهكذا حكمة أهل دارفور في النزاعات واصلاح ذات البين .. وكما قالوا «ألبل بسوقوها بهاديها ما بسوقوها بجمل الشيطان».. فعودتي لفاشر السلطان كانت بغرض تكوين الاتحاد الفرعي .. الرسالة القوية للذين استمرئوا زراعة الفتن .. من أولئك الذين يريدون ادخال الفتنة لدارفور من بوابة «هجيليج» .. فما الشغب الذي وقع في كبكابية إلا مؤشر لتآمرهم والرسالة كانت لشرذمة «دبنقا» الهولندية .. فقد ابطلت قبيلة الصحفيين بشمال دارفور مفعول اللغم الهولندي .. فأهل الجلد والرأس المرتبطين بأرض دارفور .. هم المكتوبين بالجمرة لا أولئك الذين تخاطفتهم المنظمات العميلة واختاروا المنافي بديلاً لتراب دارفور .. الطاهر المطهر .. فالاتحاد الوليد .. قام بإرادة واختيار وطوع الصحفيين .. بعيداً عن السلطة .. لأنه شأن يهم الصحفيين .. لا لمصلحة سلطة ولا خصماً عليها .. كيان لمصلحة الصحفيين ولمصلحة دارفور العليا .. أعود للفاشر لأجدها تنمو وتشمخ نمو يتجلى في كسب عيش إنسانها .. زراعة .. تجارة رعي .. وأرض تخرج من باطنها رزقاً لهم.. ذهب وما خفي في باطنها أعظم .. فما في الباطن هو السر الذي دفع الاشرار الطغاة لاشعال الفتنة.. ولكن كيدهم رُدَّ في نحورهم .. وبأوا بالخسران .. والدوحه أنهت كل الفتن .. وفتحت أبوابها ونوافذها الى التنمية ولسلام دارفور الشامل .. فما التنسيق والانسجام بين د. السيسي والوالي عثمان كبر .. إلا الى أن الدوحة .. نهاية المطاف فمن أراد الدوحة .. فليقبل .. ومن لا يريدها .. فلا مكانة له في دارفور.. فالدوحة شجرة وارفة الظلال تسع كل أبناء درفور .. إلا من أبى .. فمخطئ من ظن أن مسلسل الحرب لا ينتهي .. فالحرب قد انتهت ومسيرة التنمية قد انطلقت.. وشعب دارفور انتظم وامتطى ظهر المسيرة .. فقد ولى زمان المتاجرة بالقبيلة والجهوية .. فحكماء دارفور قد عدلوا «الرحل» .. وصنعوا السلام بنفسهم سلام شامل .. لم تصنعه «الايقاد» ولا مجلس الكنائس .. وحتى يمكن تحصين هذا السلام .. وحمايته هناك «ثغرة» يمكن أن ينفذ منها الشيطان.. هناك طريق الانقاذ .. الطريق الاستراتيجي والضامن لسلام دارفور .. فالطريق الذي قطع العمل فيه شوطاً كبيراً .. فالقطاعات التي تقوم بها الشركة الصينية .. تسير سيراً حسناً .. لكن القطاعات المسؤولة عنها الشركة الوطنية .. أي الشركات التي تعمل في طريقي أم كدادة ونيالا الفاشر .. شركات سلحفائية .. لا تصلح للعمل في هذه الطرق الاستراتيجية.. لذا أرى أن تستبدل هذه الشركات .. بالشركة الصينية .. لأن هذه الطرق شرايين مهمة لاستقرار دارفور .. فالوقت لا يمسح بالانتظار.. فالوقت قد أزف .. ورفعت الأقلام وجفت الصحف.. آمل إذا بقي في العمر مدة .. أن أعود للفاشر عبر طريق الانقاذ لا عبر مطارها والله الموفق لما فيه خير البلاد والعباد ..