عدم الواقعية والجمود العقائدي في الفكر الاشتراكي تسبب في سقوط الأنظمة الاشتراكية.. فالفكر الاشتراكي الذي مبني على نظرة شمولية لواقع الحياة السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان يُمني معتنقية بمجتمع عادل.. يدعو للقضاء على الطبقات ومن ثم إشاعة العدل في المجتمع الذي يسود فيه التآخي والمساواة.. الى آخر المصطلحات الانشائية.. فالفكرة كانت فكرة مثالية من الناحية النظرية.. إذ تجاهلت الطبيعة الإنسانية، هذه النظرية الاشتراكية المستندة على الفكر الماركسي في القرن الماضي.. جذبت واستقطبت قطاعاً كبيراً من حركات التحرر في العالم الثالث.. لكن ما لبث هذا الزخم الكبير إلا أن يتراجع ثم انهار تماماً.. في مقابل تقدم النظام الرأسمالي الذي يكاد أن يكون هو النظام الوحيد.. فغياب الحرية وحرية التفكير والتعبير تسبب في الجمود العقائدي.. فتوقف التطور الفكري ومن ثم التطور السياسي.. فتحولت الدولة الى نظام قمعي بوليسي.. وتعاملت مع الاصلاح السياسي على أنه انحراف وخيانة للمبادئ.. فلو أنها أفسحت حرية الفكر والتعبير وأطلقت الحريات .. لأقامت علاقة بينها وبين المواطنين.. فقد دلت شواهد التاريخ أن سقوط الانظمة مرده ضعف وفتور العلاقة بين الدولة وشعبها.. والثورات العربية في تونس وليبيا ومصر واليمن أنموذج لجدلية الحرية.. فالحريات أطاحت بهذه الانظمة القمعية.. وفشلت كل ادواتها من حمايتها.. لتنداح الحرية لتحل محل الشمولية.. فتدعو الدول التي كانت تنتهج الشمولية كنظام الى عمل إصلاحات سياسية لتحمي نفسها من الاعصار.. الى أن تتقدم الى نظام ديمقراطي يسلك طريق صناديق الاقتراع الانتخابي.. وإشراك الشعب في الحكم.. أي أن الدولة تتواضع الى الحرية وتحاول أن تنأى عن القمع الفكري وتتقدم (مجبرة) الى احترام حقوق الانسان.. الحقوق التي تكفل للإنسان حرية التفكير وحرية التعبير وحرية المعتقد.. أي أن تبني هليكلها على نظام سياسي يقوم على التعددية الحزبية واحترام حقوق الانسان والحريات العامة والتداول السلمي للسلطة.. فالحرية هنا هي إذاً وقود النظام التعددي الحزبي.. أما الحرية في النظام الرأسمالي فهي حرية مطلقة تجاوزت سقوفها فأصبحت وبالاً على إنسان الدولة.. فاسقطت مبادئ وقيم إنسانية.. أصبحت منظومتها الفكرية قائمة على الفكرة أو الهدف الواحد الذي يحقق على الفعل.. فتحول كل شيء سواء أن كان مادياً أو ثقافياً الى سلعة.. فالقوة الاقتصادية اضحت تتحكم في القرار السياسي.. فسقط منطق الفكر والقيم والمبادئ.. بمنطق الربح والخسارة وبلغة الأرقام غاب البعد الانساني.. فظهرت ديكتاتورية رأس المال فتراجعت القيم الإنسانية.. فالحرية فقدت غاياتها.. والدولة تحولت تحت مظلة الحريات المطلقة أداة قمع وفقدت العلاقة بينها وبين شعبها.. فالحربة في كل الاحوال هي الضامن الوحيد لبقاء الدولة كنظام إجتماعي وغيابها يؤدي بلاشك الى انهيار الدولة.. فالمراهنة على الاجهزة القمعية ضرب من الخيال.. فلا توجد أجهزة قمعية قادرة على حماية نظام مهما امتلك من قوة فإنه لا محالة ساقط.. والاتحاد السوفيتي ومنظومة دول المعسكر الشرقي خير مثال.. فالدولة المستبدة مهما سيطرت على الثروة والسلاح فإنها هالكة.. فغياب الحرية يقابله التسلط والقهر الذي يفقد الانسان معاني الانسانية.. فالانسان مفطور على الحرية.. فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً أو كما قال.؟؟