عندما«هاجر» المك نمر من شندي في طريقه إلى أثيوبيا كان فاراً من العقوبات والحملة التأديبية الانتقامية التي جاء يقودها الدفتردار بيك مبعوث محمد علي باشا. وكان المك نمر في وقت سابق قد اختلف مع إدارة الاستعمار ممثلة في إسماعيل باشا وهو من ابناء محمد علي باشا الحاكم التركي الذي كان يغزو السودان آنذاك لكي يحصل على المال والرجال.. وكان يجد المال في الجبال والأراضي السودانية في الشرق والوسط.. أما الرجال فهذه يمكن أن يسأل منها ناس باقان أموم لأن أهله كان بعضهم يعمل وكيلا ويقومون ببيع العبيد من أهلهم لتجار الرقيق من الأوربيين والاتراك.. وجدنا المك نمر عندما احتد الخلاف بينه وبين اسماعيل بسب طلب الضرائب الباهظة واستفزاز اسماعيل للمك نمر بقذفه بالكدوس «إن صحت الرواية» قام بالتحرش بالباشا وكاد أن يستل سيفه ويقتله ولكن يقال إن «عبدالله ود سعد» كان قد تحدث معه بصوت خفيض وبلغة أهلنا«الهدندوة » أن يتريث إلى حين ولا ينفعل.. وخرج المك والشيخ عبدالله من مجلس الباشا واستقر الرأي على اتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة تختص بإعدام الباشا والتخلص منه بقتله حرقاً ومعه كل جنوده.. وفعلاً تمت الترتيبات اللازمة لإقامة وليمة كبيرة جمعت بين الباشا ومعاونيه وكل جيشه من الخواجات ومن الأتراك.. وتم تقديم الأكل والشرب بأنواعه المحلية والمستوردة والمسكرة والبلدية. ولعبت الخمر برؤوس الباشا ومرافقيه وكانت الفرصة سانحة ليقوم الجعليون بجمع الحطب وبقايا القش ويضرموا النيران حول جلسة الوليمة ويقفوا من الخارج لمنع اي«خواجة» من الخروج.. وبالطبع احترق كل المستعمرين وانشرطوا من النيران وتحولوا إلى رماد ودماء ودهون روت منطقة شندي. وحدث ما حدث من أمر ارسال الحملة الانتقامية من تركيا بقيادة الدفتردار ومرت على كل أهلنا في شمال السودان ابتداءً من حلفا ومروراً بالضناقلة والشوايقة والرباطاب ولكنها ركزت تماماً على ابادة كل الجعليين في المنطقة الواقعة بين بربر والجيلي. وأدوا الى تشريدهم وتفريقهم في أراضي السودان المختلفة وكان البعض قد غرقوا في النيل وفي الآبار نساءً ورجالات.. وكان جدنا المك نمر قد نصح بالهجرة أو «الفرار» الى الحبشة.. وفي طريقهم إلى هناك مر على قبيلة من القبائل أضطر أن يقضي بها الليل ويقوم فجراً ولكنه سمع جلبة وضوضاءً في منتصف الليل واعتقد أن حملة الدفتردار تتابعه وهب لكي يقاتل ويستشهد ولكنه علم أن الجلبة والضوضاء كانت بسبب أو سبق الحمير.. وعند ذلك قال قولته المشهورة «الناس في شنو والجماعة ديل في شنو؟» وينطبق هذا المثل على ما يفعله بعض من«ناسنا» هذه الأيام ففي الوقت الذي تغزونا فيه دولة الجنوب وتدمر منشآتنا وتهدم مصانعنا وتحتل أراضينا.. في هذا الوقت يقوم البعض بإقامة حفلات غنائية للفنانة شيرين عدوة الثورة المصرية وربيبة حسني مبارك.. ويتغالط أعضاء المجلس الوطني في البرلمان شيرين تجي ولا ما تجي.. والحفلة تقوم ولا ما تقوم.. يا جماعة انتو ما نصيحين ..الناس في شنو وناس شيرين في شنو.. يا جماعة نحن في حالة حرب مع عدو يعرف كل أسرارنا وكان كل شعبه يحوم وسطنا وكانوا جيشاً في جيشنا وكانوا عيوناً واستخبارات ضدنا.. ولازال كل الجنوبيين الباقون في السودان عبارة عن عيون واستخبارات ومخابرات للجنوب وللحركة الشعبية ولهذا فهم يستطيعون أن يفاجئونا لأنهم يعرفون كيف نفكر ومتي نسترخي ومتي نستعد.. يا جماعة علينا الآن إيقاف كل العبث وكل الطرب والرقص ومظاهر المياعة التي تنتابنا وأن نتحول الى قوات اسناد تساعد القوات المسلحة والنظامية على محاصرة الجنوب الغازي ودحره وإبطال مفعول أعضائه المندسين بيننا تحت ستار العالقين أو المنتمين إلى ما يعرف بقطاع الشمال في الحركة الشعبية من ذوي الميول والهوى الجنوبي ومن هواة العمالة والارتزاق.. يا جماعة الناس في شنو وانتو في شنو؟!