ومن غير وعد وقبيل عيد الاضحى .. وفي مدينة الكاملين صدفة إلتقيت .. صديقي الشاعر المبدع الدكتور كمال شرف.. فسألته ما عندك من الجديد؟ فما كان منه إلا أن أخرج من خزانته ديوان جديد.. بطبعة أنيقة.. يحمل اسم «دموع على الطريق !!.. ديوان شعر جديد للشاعر الكسلاوي كمال شرف ينضم الى مجموعته الشعرية.. تموت الاشجار واقفة .. ولا اعترف .. فالديوان الجديد .. كتب مقدمته الشاعر المبدع .. اسحق الحلنقي والدكتور الاديب الزين عوض صالح.. وافترقنا هو في طريقه الى الخرطوم .. وأنا الى مدني.. فدفنت رأسي في فضاءاته وسوحه .. فحملني الدكتور المبدع الى عوالم أخيلته المترعة بالجمال.. فأحسست بخدر لذيذ أطربني.. وأنا أتذوق كل مفردة من قصائده .. بذات أدواته الطروبة .. عشت معه وأنا أذوب طرباً مع ترانيمه المموسقة .. قصائد عشق .. مليئة بالشجن .. سالت أدمعاً من يراعه.. «ابكيتني عند الفراق.. وعند لحظات الفراق.. وتركتني وحدى باشواقي وصبري في إلتياع».. مجموعة من قصائد العشق الإنساني .. حملها الديوان . حنين وخوف .. لوحة حب .. أحزان الدهر .. قصائد غنائية فائقة المعنى .. راسخة المبنى في الكلمة والصورة .. وما استوقفني حضور كسلا.. المدينة التي أمسكت تلابيبه.. فجذبته بعنف الى عشقها .. فحط فيها بعد هجرة ليست بالقصيرة في المغرب والسعودية.. فجاءت كلماته في كسلا .. كنبع خفي متدفق .. لا يرى منه سوى هدير مكتوم .. بعرق عشاق كسلا .. من لدن الحلنقي ومروراً بكجراي وروضة الحاج.. حتى توفيق صالح جبريل .. فما بين كسلا وشرف عشق ابدي .. يتعذر الفصل بينهما .. كما يتعذر فصل الوردة عن عطرها .. «الشمس تشرق من هنا .. والبدر يولد هاهنا .. والقاش مجراه الذي .. يجري به من أرضنا .. توتيل تروي كل ضيف حل يوماً بيننا .. والتاكا تشمخ بالجلال وترتقي فو السنا» .. ويذرف الدكتور العائد دمعاً سخيناً على كسلا .. «يا منعة النفس العليلة أقدمي .. وتجاوزي حسرات حزن مضرم .. ماذا دهاك وأنت أجمل لوحة .. تشفي جراح العاشق المتظلم».. الى أن يقول «يازهرة الشرق الجميل الباسم .. أين الشذى الفواح عند المقدم.. أين السواقي والرياحين التي .. كانت تحلق في خيال الحالم .. فالشاعر المملوء بشجن الابداع .. كغيره من طيور كسلا المهاجرة .. عاد قبل أن تجف الدمعة في رمال القاش.. فحتى لا ترحل الصور الجميلة .. عند «القيف» ابتني عشاً .. للابداع .. في غرب القاش .. فندق افواج للضيافة .. عنده يجتمع كل الجمال .. الشعر والابداع والتمتع بجمال كسلا ابنة القاش .. سياحة شاملة .. جسدها الدكتور المتخصص في السياحة شعراً وإبداعاً.. ومنتدى للمبدعين .. فالأمكنة عنده ليس حيزاً وأسماء بل هي فضاءات مليئة بالإبداع .. صوّر لونها بفرشاة الإبداع .. مدن تعلق بها .. فضخ في شرايينها غناءً شجياً.. وسكب دموعاً على رموزها التي أرتحلت وفارقتها الى دار الفناء .. فكان بكاءً مراً على ملك المغرب الحسن الثاني الذي كان له تواصل مع شاعرنا «الدهر يحمل للاحزان والعلل .. فكيف اكتب من القلب بلا عقل .. وكيف أسكت عن حزن يمزقني .. أنا المعذب في جمر وفي وحل».. الى أن يقول «من يعرف البدر لا يجهل مكانته .. فكيف منك إذا ما البدر في خجل.. علمتُ فقدك حين الشمس قد رحلت .. بكى الهلال من الاجهاد والذهل.. واذا السحاب بلون الحزن مفترشاً .. ثواب السواد فصار الصبح كالليل .. وبدمع جرى من عيون يراعه .. بكى الحاج حسين شرفي عميد أسرة آل شرفي بناوا .. « مالي إذا ضحك الزمان أهللُ .. وإذا بكى دمعي كغيث يهطلُ.. ويبكى شهيد الصحافة علي حسين جابر .. الذي اغتالته كتائب القذافي .. والصحفي طارق أيوب مراسل قناة الجزيرة بالعراق.. وله حروف باكيات على غزة التي كانت عاراً على جبين الحكام العرب..« كم من شهيد تطلبون حتى نقول بأنكم قد تثأرون الى متى يا أيها الحكام .. انتم خائفون .. مترددون وترددون حديث ما لا تفعلون .. لا نفط لا مال .. ولا حتى الارادة تملكون .. النار تحرق «غزة» وترابها وشبابها وانتم تشعرون .. النار تلتحف المساجد .. والمعابد والقصور وانتم لا تتوجعون.. فالكلمات التي نبعت من وجدان شاعرنا المرهف.. يتجلى فيها صدق الاحساس وصدق التعبير.. فحروفها النابعة من الأعماق.. جاءت مسلوبة ومتينة البناء .. فكان المنتوج عمل فني رائع .. أخذ طريقه الى سوح الإبداع .. إضافة الى المكتبة الشعرية السودانية .. وأخيراً المبدع لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد..