العالم العلامة والمفكر الإنسان والكاتب الواسع الإطلاع د. حسن أبشر الطيب في ذمة الله ü على طريقته الخاصة التي تقوم على الحسم في اتخاذ ما يتوصل إليه من قرار وبموروث أسلافه الأرابيب أهل الحجى، وفي مقدمتهم والده المرحوم خليفة خلفاء السيد علي الميرغني الخليفة أبشر الطيب الذي ظل يعرف تماماً كخليفة مبجل وهو في تلك المكانة الرفيعة من قوس الزمان، مولانا السيد علي. متى يتحدث ومتى يصمت ومتى يغادر، بل متى يكون حضوراً فاعلاً. ü وكانت الإرادة بأن يرحل عن دنيانا هذه العالم العلامة الأديب المتمكن والمثقف المنتمي لوطنه، الواسع الاطلاع، أستاذ الإدارة الكاتب النابغة الدكتور حسن أبشر الطيب، الذي افتقدناه بالأمس في أرض الكنانة، حيث ذهب إلى هناك لمقابلة أحد أطباء العيون، فإذا به يلقى ربه في شقته الأنيقة بحي المعادي ضاحية القاهرة، دون أدنى مقدمات. ü نعم.. الموت حق، وهو سنة الأولين والآخرين. ولكن الدكتور حسن أبشر الطيب - وهو ليس بكثير على الله - كنا نريده معنا على مستوى الوطن الذي كان حسن أبشر أحد عشاقه الأوفياء. كما لاحظنا ذلك في مقالاته الشهيرة التي نشرتها صحيفة (الخرطوم) وهي تصدر بقاهرة المعز تحت عنوان «إطلالة في عشق الوطن»، لنجد ذات الصحيفة التي خصَّها الفقيد الكبير بالاهتمام والرعاية وهي تعيش بالمهجر، كانت تتطلع إليه اليوم إلى أن تُزيِّن صفحاتها بالدكتور حسن أبشر في إطلالتها الجديدة، وقد تحدَّد لصدورها الأول من فبراير. ü ولكن القدر كان هو الأسرع ونحن بالطبع نؤمن بالله وبالقدر خيره وشره، ولا نملك إلا أن نقول وبإيمان عميق لا حول ولا قوة إلا بالله «إنا لله وإنا إليه راجعون» لله ما أعطى ولله ما أخذ. ü لقد شاركنا بالحديث في التأبين الخطابي الذي أعد بمناسبة «رفع الفُراش» كما يُقال عندنا في السودان، واستمعنا إلى العديد من الخطباء - في أمسية الجمعة - وقد كان على رأسهم زميل دراسته وصديق طفولته الأستاذ أحمد عبد الرحمن رئيس مجلس الصداقة، والأستاذ حسن تاج السر صديق الفقيد الذي ظل يلازمه في السنوات الأخيرة مع الروائي العالمي السوداني الطيب طالح - عليه رحمة الله وبركاته - كما تحدث كاتب هذه السطور وآخرين لتتبلور من خلال هذه الكلمات لوحة حية ومعبِّرة عن حياة الدكتور الكاتب الإنسان والفنان الأستاذ حسن أبشر الطيب - عليه شآبيب الرحمة - فيها الكثير من معاني الوفاء والعطاء الثر الذي عُرف به الراحل المقيم، وفيها أيضاً الكثير من معاني العزة والكرامة الوطنية والاعتداد بالهوية السودانية، وهو ما ظل يُعرف به الراحل العزيز. ü كان الدكتور حسن أبشر - عليه رحمة الله - متنوع المعرفة ومواكب لفنون علم الإدارة والشأن العام.. محب لأصدقائه بصورة حقيقية.. وهو ما جعل بابه الأسبوعي والذي خصَّ به صحيفة الخرطوم منبراً جامعاً لرفاقه الذين ارتبط بهم في سنوات دراسته أو عمله على امتداد العالم العربي في مسقط، الكويت وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدةالأمريكية، حيث عمل في سفارتنا هناك لينقل الوجه الحضاري الراقي عن بلاده. فكان من الذين بادلوه الكتابة في اطلالته الخالدة التي جمعها بعد ذلك في كتاب رائع، العالم الدكتور عبد الواحد الذي كان يعمل مستشاراً لوزير التعليم بمملكة البحرين والبروفيسور الساخر الشوش والأستاذ محمد الحسن أحمد - عليه رحمة الله - وعدد من رموز المهجر مع مداخلات مستمرة كان يقوم بها حبيب الجميع وصديقهم الأستاذ الطيب صالح. ü كان مشهداً رائعاً أن تجد هؤلاء الكُتَّاب في إحدى مقاهي القاهرة يتسامرون في لغة وأدب رفيع، عن هموم الوطن بعد أن حالت ظروف بعضهم دون زيارته وكانوا يفرقون بذلك الأسلوب الراقي بين السودان وقضايا الحكم فيه والتي كانوا يحملون فيها آراءً متباينة ولكنها تتسم بقدر كبير من التقويم السياسي والموضوعي وعدم الحدة المشوب بحرص شديد على ثوابت الوطن من الدين والهوية. وكان الفقيد الكبير حسن أبشر هو واسطة عقدهم، يمدهم بآخر أنباء الوطن عن الثقافة والأدب، وهم يجترون ذكريات رائعة عن السودان بريفه وحضره وإنسانه النبيل ومعالم حياته البسيطة السمحة والأصيلة والتي نجح كلٌ من الطيب صالح والبروفيسور الشوش في طرح نماذج خالدة عن الحياة في شمال بلادنا تلك الإطلالة الجميلة في عشق السودان. ü وهكذا قدم الراحل المقيم الدكتور حسن أبشر الطيب أنموذجاً متميزاً في الممارسة الواقعية للفكر الإنساني والوطني، البعيد عن الطموح المشوب بالمغامرة والارتماء في أحضان الغير، مثلما نجد اليوم فيما يُمارس من حراك بعض الساسة المحسوبين على بلادنا من أداء يبلغ مجازاً مرحلة »العهر السياسي« الذي يستبيح كل شيء في سبيل الوصول إلى موقع أو مقعد في سلطة، قال عنها الإمام علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - لو دامت لغيرك لما آلت إليك . ü رحم الله الدكتور حسن أبشر الطيب بقدر ما قدم لأمته وشعبه من عطاء. فقد أدى دوره الفكري والوطني بأحسن ما يكون وكان - عليه رحمة الله - وطنياً بحق قدم الكثير لبلاده ولأمته، وذهب إلى رحاب ربه راضياً مرضياً. فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً. آخر العمود: أغفر دائماً لأعدائك، فلا شيء يضايقهم أكثر من ذلك. - أوسكار وايلد ?