قلت للذي يحاورني إن الجزيرة قد تجاوزت القبلية منذ آلاف السنين.. وتخلصت من بقايا ونتن القبلية منذ أكثر من مائة.. تاريخ تأسيس المشروع الزراعي الذي إستقبل كل قبائل السودان.. وبطونها لتصبح العلاقة بين الناس علاقة إقتصادية علاقة تبادل منافع.. لا علاقه قبلية.. والناس بالناس.. وإن لم يشعروا خدم.. كما قال أبو العلاء المعري.. ومعلوم أن المجتمعات الزراعية أكثر إستقراراً.. والإستقرار يعني (الحضر) أي التحضر التي جاءت منها الحضارة.. (فالحضر) عكس البداوة والترحال.. فهذا الإستقرار خلق مجتمع الجزيرة المتحضر المستقر.. فقامت مدن وقرى (حاضرة) عاشت فيها كل القبائل وحتى القبائل التي هاجرت من بعض دول الجوار أصبحت جزءاً من مكونات مجتمع الجزيرة.. لذا حين تسأل أحداً من الجزيرة من أين أنت؟؟ يجيبك (أنا من الجزيرة).. ولا يجيبك بأنه دنقلاوي أو فوراوي أو بجاوي.. أو جعلي أو شايقي أو كاهلي.. حتى وإن كانت جذوره تنتمي لأي من هذه القبائل أو تلك.. لن يذكر لك القبيلة إنما يذكرالجزيرة.. لمكان أو جهة ولا يزعل حين تمازحه.. انه من ناس العوض.. لأنه يدري أن (العوض) عنده هو الترعة والحواشة.. والديوان الكبير والقدح والمطمورة.. إذن الجزيرة هي قبيلة سودانية تجتمع مجموعة إثنيات زائبة.. وعناصر ودماء مختلطة وممزوجة.. يجمعها تعايش سلمي ووجدان واحد.. وثقافة مفتوحة وسلوك غير معقد.. وتصالح مع الآخرين.. فهذا المكون الإجتماعي لهذه القبيلة السودانية (الوسطية) فكراً و(الوسطية) موقعاً جغرافياً.. جعل هذه القبيلة بقدر ما وقع عليها من جحود وإهمال.. تتحمل ظلم ذوي القربى.. قلت في نفسي ليت قبائل أخرى تكونت في سوداننا على شكل وملامح قبيلة الجزيرة.. ذات الأكثر من 4 ملايين نسمة والأكثر من ألف قرية.. والأكثر من مائة مدينة.. قبيلة الكردفانية قبائل زائبة في القبيلة الأم.. ولا تكون هناك حمر ولا بديرية ولا ركابية.. ولا معاليا ولا جوامعة ولا دار حامد.. وكبابيش وهواوير.. وكاجا ونوبة ومسبعات وحوازمة.. وبني حميد قبيلة واحدة تسمى قبيلة (الكرادفة).. وقبيلة بكل ثقافاتها تحمل في مركبها الكبير.. وداخل خيمتها الواسعة قبيلة دارفور.. ويذوب الكل في الجميع.. والقبيلة الشمالية لا سكوت ولا محس ولا دناقلة.. ولا شايقية (شمالية) بأشياءها لا حواكير ولا حدود جغرافية لقبيلة.. وهكذا (السواكنية) في البحر الأحمر.. وتحت المظلة كل الثقافات دون أسماء قبائل وعصبية.. وحدود جغرافية كما مجتمع بورتسودانالمدينة الذي إستطاع أن يحد من القبيلة والعصبية ومجتمع كسلا.. وهنا تكون القبيلة الكسلاوية.. ليجيب أدروب أنا كسلاوي وكذلك إبن الهوسا والشايقي.. وإبن البني عامر والحلفاوي وإبن الحباب أنا كسلاوي وبس - ومروراً بقبيلة القضارفة والقبيلة السنارية.. وقبيلة (النيلين) و(الأبيضاب) أهل بحر أبيض - (والخرطوم) - خرطوم.. وفي الهيكل التنظيمي للنظام القبلي أن القبيلة عند العرب قديما تبدأ من الفخذ إلى العشيرة.. ثم القبيلة وينتهي سقفها عند (الخميس).. والخميس لغة هو(الجيش) فهذه القبائل السودانية من قبائل الجزيرة.. والكرادفة والكسلاوية والشمالية والقضارفة والسنارية.. تنهي هيكلها التنظيمي عند الخيمة الكبيرة جداً والواسعة جداً (الخميس) الذي يجمع كل تلك القبائل.. ألا وهو (خميس) السودان.. القبيلة الجامعة لكل هذه القبائل.. ليت حلمي هذا يتحقق.. حتى ننتهي من هذه القبلية النتنة التي نهانا عنها نبينا صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق