أهلنا في منطقة الجعليين لديهم حكمة تكاد تكون قانوناً وهي تقول: (النمل يتلمّ محل تريان) وكلمة (تريان) معناها مبلول وغني ووافر الغذاء. وأصل الكلمة (ثريان) وقد تعودت العرب أن تقلب الثاء إلى تاء مثل قولهم أتنين بدلاً عن اثنين أو تلاتة بدلاً من ثلاثة.. والترى هو الثرى. والخلاصة تقول إن النمل يجتمع فقط في الموقع الذي يوجد فيه الغذاء.. والحكمة تظل تنطبق على العوالم الأخرى ولا تقتصر على عالم النمل. واليوم نريد أن نناقش كيف أن المنظمات الدولية قد يجتمع حولها لفيف من (الحرامية) وتنبني حولها وبجوارها ومن أجلها الكثير من المؤسسات والشركات التي تستفيد وتشفط الأموال لتذهب إلى جيوب مجموعات من المنظمات التي تطلق على نفسها أسماءً تجعلك تكاد أن تذرف الدمع السخين و(تجعر) متضامناً مع تلك المنظمات مثل منظمة إزالة الفقر ومنظمة الجوع الكافر ومنظمة «نبكي مع الفقراء». مثلاً هناك إهتمام من الأممالمتحدة بالأيتام والأطفال المشردين وهناك أموال طائلة مخصصة لهذا القطاع وبالطبع تتسرب المعلومات عن حجم الأموال المتاحة وعن رغبة (المانحين) في التعامل على أساس (بارك الله فيمن نفّع واستنفع) ويقوم الخواجات وتوابعهم بتجهيز (المواعين) ليتلقوا الإغاثات والإعانات، وهذه المواعين عبارة عن منظمات تتكون من شوية خواجات زائد شوية مواطنين محليين.. وهاك يا لبع.. مثلاً تقوم منظمة (س) الخيرية بالحصول على عشرين مليون دولار لتقديم خدمات لإطعام وكساء مليون يتيم بواقع عشرين دولاراً لليتيم الواحد. وما يحدث أن المنظمة ستأكل تسعة عشر مليون دولار بواقع تسعة عشر دولار من كل يتيم وبالطبع هناك مبدأ (أبو القاسم) لأنها تتقاسم الربحية مع كل المسؤولين والوسطاء الذي (عملوا الشغلانة). مثال آخر أن بعض المنظمات ربما تهتم بمكافحة العادات الضارة في البلدان الإسلامية أو الأفريقية مثل الختان الفرعوني أو النفاس بالحبل فيتم إنشاء مؤسسات موازية لكي تشفط الأموال شفطاً تحت ستار إقامة ندوات وحلقات وسهرات ومحاضرات حول أهمية (طهارة البنات) أو تدريب الدايات وبالطبع ربما تذهب الفاتورة وهي منفوخة وربما تصل تكاليف إقامة ندوات (الطهارة والنفاس) في أفريقيا إلى مليار دولار وتذهب تسعمائة وتسعة وتسعون مليون وتسعمائة وتسعة وتسعون ألف دولار في جيوب الجماعة أصحاب المنظمات الدولية والمؤسسات الطرفية المنبثقة عنها بينما يتم صرف ألف دولار فقط لا غير على موضوع الختان والنفاس في محاضرتين أو ثلاث وترسل القصاصات التي نشرتها الصحف والصور المأخوذة لبنات الطهور لإثبات أن المنظمة بتاعة (الطهارة) أدت واجبها تماماً. وربما أن هناك منظمات تخصصت في شفط أموال الإغاثات الناتجة عن برامج الأممالمتحدة وإعلان المجاعة.. وفي كل دول العالم تقريباً هناك وكلاء محليون وهناك منظمات لها قواعد ومكاتب تقوم بتوزيع الإغاثة والطعام وتقديم الخدمات الطبية للجائعين.. هذه المنظمات في معظمها أنشئت (لتأكل) كل الأموال المتاحة بواسطة المانحين ويتم العمل بطريقة ممنهجة جداً بحيث إنه وقبل وقت مبكر تبدأ الإعلانات عن توقع فجوة غذائية في (المكان الفلاني) وربما يقوم بعض زعماء المعارضة بمساعدة المنظمات بعد أن (يأخذوا حقهم) بإعلان المجاعة في بلادهم كيةً في الحكومة.. وتقوم المنظمات بأخذ هذا التصريح وتجري به لكي تقوم بترتيب أمر الإغاثة عبر الجهات المختصة بالعون الإنساني ويقوم أهل المنظمات بتجهيز أنفسهم لتحريك مواعين (الشفط) محلياً ودولياً. وهذه الأيام وفي يناير وفبراير ومع بداية العام الجديد للأمم المتحدة وبدء تحديد الإحتياجات وتخصيص الغنائم تبدأ (الكواريك) حول الإعلان عن الفجوات الغذائية في تناغم تام بين المنظمات الدولية وعملائها من المحليين والأجانب.. وبالطبع سيكون السودان وبعض الدول الأفريقية من البلدان التي يجب أن تحدث بها المجاعة والفجوة الغذائية ليتمكن المنظمات وعملائها من لهف تسعة وتسعين في المائة من حجم الإغاثة والإعانة.