الوثيقة الأمريكية التي أعدتها مجموعة من المؤسسات الأكاديمية والشخصيات الأمريكية من بينها المبعوث الأمريكي لدى السودان برنستون ليمان تحت عنوان (الطريق إلى الحوار الوطني في السودان) آثار العديد من الجدل وسط الأوساط السياسية السودانية، فأبرز ما تضمنته الوثيقة أن شملت مقترح الحوار الاسلامي وتدعو إلى تأجيل الانتخابات الرئاسة والبرلمانية المنتظرة في 2015 لضمان مشاركة كافة القوى السياسية وافترضت الوثيقة انه في حالة الحوار بنحاح فان ذلك سينتج عنه حكومة ديمقراطية ذات قاعدة عريضة ايضاً تعرضت إلى الحرب في دارفور وحنوب كردفان والنيل الازرق. إن تأجيل الانتخابات بحجة إجراء اصلاحات سياسية وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة لتحقيق المصالح في السودان تضم كل الفرقاء كما جاء في الوثيقة. الوثيقة تعتبر تحصيل حاصل فالسودان الآن قد حدد مساره لتنظيم حياته السياسية، فالحكومة بجمعها للصف الوطني تكون بذلك قد أقدمت على خطوة استباقية فليس هناك من داعي، فالوثيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، فالقضايا الوطنية في السودان لا تحتاج إلى مشورة وقضايا السودان لن يحلها سوى أهل السودان فإذا مانظرنا إلى حصيلة ما قام به مباعيث السلام في السودان نجد أن الحصيلة صفر كذلك فان دولة قطر أبدت مساعي جيدة في توحيد الصف بين الاسلاميين وبين البشير والترابي وبنظرة فاحصة للواقع السوداني نرى أن الحوار ما بين الوطني والشعبي قد أخذ منحى آخر خاصة بعد التصريحات التي أطلقها الشعبي مؤخراً، ففي السابق كان رافضاً مبدأ الحوار مع الوطني مع تكرار الدعوة من حزب المؤتمر الوطني والآن يبدو أن حزب المؤتمر الشعبي قد تراجع عن موقفه وتلك الخطوة تمثل باباً جديداً للحوار بين الحزبين ومجمل كل ذلك يجعل من الوثيقة الامريكية لا قيمة لها. لقد خاطبت وثيقة الاصلاح المرامي والمقاصد بعيداً عن الاحادية الضيقة وهي تصحيح لمسار سابق بعيداً عن الرتوش بخيث نظرت إلى القضايا في مجمل جوهرها وعرفت الداء فشخصت الدواء. فالمطلوب الآن طرح رؤية من الاحزاب تهتم بالعموميات وتترك التفاصيل للبرامج والسياسات.. إن التحاور مع أصحاب المبادرات في اطار اللجان المشتركة واللقاءات العميقة وصولا للغايات التي هدفت إليها وثيقة الاصلاح. إذا كان الرئيس قد دعا إلى السلام والحوار مع كل القوى السياسية والقوى الاجتماعية والمجتمع المدني والحركات المسلحة التي تحمل السلاح وجعل الحوار السلمي هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين السودانيين فان هذه الدعوة يجب أن تلتقطها كل القوى السياسية. إن مشكلة السودان هي عدم قراءة النخب للواقع السوداني جيداً لذلك المطلوب الآن معالجة تشوهات بيئة الدولة ويقيني أن العبقرية السودانية التي صنعت المعجزات في لحظات الاجماع الوطني قادرة على إيجاد صيغة يتراضى عليها الجميع من خلال خارطة سلام سودانية تؤمن السلام والاستقرار في السودان وتفتح الطريق لمعالجة كافة القضايا الداخلية التي تؤجج الصراع وتعمل على رأب الصدع وإزالة حالة الانشطار والتشظي والاحتقان الآن بعد فتح باب الحوار مع الحركات المسلحة فان المشكلات ستبدأ في التضييق رويداً رويداً ولكي ما تضيق أكثر يجب توفر الثقة وتقارب الأفكار والرؤى التي تقود إلى جمع الصف. السودان الآن بعد وثيقة الاصلاح يعيش بوادر انفراج سياسي واقتصادي كبير نتيجة للخطوات الجارية الآن لامتصاص كل السلبيات وايجاد الحلول لكل مشاكل البلاد حتى يتم الخروج من عنق الزجاجة. إن انسان السودان بطبعه يتفاعل لذلك يجب عدم اقصاءه واشراكه في كل كبيرة وصغيرة حتى يتم ذلك بشكل صحيح وصحي والارتداد نحو بوتقة الذات بشكل صحي ايضاً يحب الاستماع إلى مشاكله وفتح باب الحوار معه كخيار بديل للعمل العسكري حتى تتولد مواقف ايجابية تؤمن للسلام والاستقرار، وتؤكد جدية الحكومة نحو التحول الديمقراطي وامام الحكومة الآن أن تتفاعل مع رغبات الشعب، فالتغيرات الفكرية تبقى أملا داخل كل سوداني غيور على مصلحة الوطن.