تشهد العاصمة القومية هذه الأيام إنطلاقة فعاليات معرض الزهور السنوي رقم «47» بالحديقة النباتية والذي درجت جمعية فلاحة البساتين السودانية القيام بأمره مع بعض الجهات من ذوي الشأن والإختصاص والإهتمام، ويصادف هذا شهر مارس في كل عام يقابله «آذار» وهو من الشهور السريانية ويُعد شهر الربيع، وتفتق الأشجار وتتفتح الأزهار والذي أنشد فيه الشاعر مُستبشراً بقدومه وإطلالته: آذار أقبل فقم بنا يا صاح حي الربيع حديقة الأرواحِ وقد عبَّر عنه البحتري بهذه المقاطع أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبه النيروز في غسق الدجى أوائل ورد كُن بالأمس نوما تعتبر الزهور والورود من النباتات الراقية نتلمس فيها الرقة والنعومة والدفء والجمال وطيب النشر وعرف الرائحة، فقد تعشقتها النفس البشرية على الدوام وارتبطت بها لما لها من قدرة عالية على إمتصاص ما عُلق بها من أكدار وأحزان فتوقظ فيها المشاعر والأحاسيس وتثير فيها كوامن الفرح والسعادة والإبتهاج، والزهور بمختلف الوانها وأشكالها وأجناسها مدعاة للتفكر والتبصر والتأمل في عظمة الله وبديع صنعه والذي أتقن كل شىء خلقه وصنعه أنظروا معي هذه الأبيات والتي تعتبر لوحة جمالية فخيمة تعج بالمناظر الخلابة والجذابة: غصون مايسة وزهور ناعسة وزهور خجلانة مُحمرة ورود باسمة وفروع جاثمة ميادين خضرة منتشرة حصون مانعة وثمار يانعة تجلت حكمته الصانعة ومن هنا ندرك أن لقبيلة الشعر والفنون والآداب أثر فاعل في إبراز مفاتن الطبيعة وسحرها وتراثها وعطائها الذي يضوع بالشذى والعبير فتفاعلوا معها شعراً وقولاً وفناً وإبداعاً .. إستمعوا معي إلى هذا الشاعر الذي تأرّج وتصوّع بعطرها وعبقها: الورد في سرد الغصون مفتح متقابل يثني على الفتاح ضاحي المواكب في الرياض مميز دون الزهور بشوكة وسلاح مرّ النسيم على صفحتيه مقبلاً مر الشفاه على حدود ملاح ومن أشهر أقوال «لامارتين» شاعر فرنسا المعروف في هذا المعنى والحب وردة ذات أشواك وكلما كانت الوردة جميلة كثرت حولها الأشواك. وقد حظيت الزهور بمكانة رفيعة عند بعض الشعوب فقد جعلت لها مواسم وأعياد ومهرجانات بل تفوقت على ذلك وصارت لها مكانتها الدينية والإجتماعية والسياسية، ففي مصر كانت زهرة «اللوتس» تعلو تيجان الملوك والرؤساء أيام الفراعنة وأيضاً إستخدمت كرموز ونقوش على آثارهم ومعابدهم.. وللزهور أسماء ودلالات فمثلاً زهرة «السوسن» عند تفتحها يدل هذا على مقبل الربيع وهي جنس نباتات من الفصيلة «السوسنية» ترتفع من الأرض ألى أكثر من خمسين سم.. وتنتهي بزهرة أو عدة زهور جذابة تخرج كل منها من غُلف حرشفية يختلف لونها بإختلاف النوع فمنه الأبيض والأزرق والأصفر والأحمر.. وهي نباتات معمرة تنبت في أوروبا وبلاد البحر الأبيض المتوسط وتعرف بعض أصنافها بجذور الطيب. أما زهرة «الآلام» فهي من الزهور البيضاء أو الأرجوانية.. والأرجوان شجر له زهر شديد الحمرة حسن المنظر ليست له رائحة فواحة.. وتعتبر أمريكا الجنوبية موطنها الأصلي.. وأشجار النيم تزهر «الزونيا» وهي ذات رائحة نفاذة خاصة في ليالي الصيف الساخنة وعند الإشراق.. اما الجلنار فهي زهرة الرمان حمراء اللواء.. يقول الشاعر كأن الدموع على خدها بقية ظل على جلنار ولأشجار الطلح وهو «الأكاشيا» زهور فواحة تسمى «البرم».. اما النرجس فهو من الزهور الجميلة المنظر جاءت على لسان أحد الشعراء يصف جمال «عيون» محبوبته.. وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد والأقحوان من نباتات الربيع طيب الرائحة أبيض اللون في وسطه دائرة صغيرة صفراء.. وأوراقه صغيرة مفلجة يشبهون بها الأسنان.. واحدتها أقحوانة وتجمع على أقاح وأقاص.. الرياض مبتهجة ضاحك أقحوانا والزهور فرحانة تستقبل أوانا رائعة يانعة وزاهية في ثوب أرجوانا وشاعر آخر أفتتن بهذه «الأقحوانة» وأقحوان كاللجين المحض ونرجس زاكي النسيم بغي مثل العيون رُتقت للغمص ترنو فيغشاها الكرى فتفضي أما «الأُيُهقان» فهو نبات عشبي له أوراق عريضة وأزهار ندية كزهرة الكرنب.. والورود والزهور والرياحين بالإضافة إلى حسنها وروائها وبهائها تستخلص منها المواد العطرية التي تستعمل في صناعة العطور.. وايضاً لأغراض طبية وربما تدخل في صناعة بعض الأطعمة كنوع من المتبلات والمشهيات.. وإذا كان الربيع هو فصل الحياة.. فإن الزهور تبعث في النفس الحيوية والإشراق والنشاط والأمل والتفاؤل والحب والجمال.. لذلك فإن معارض الزهور في السنوات الأخيرة صارت ثقافة «خضراء» ومصدر جذب وإهتمام لكثير من المواطنين يقبلون عليها بشغف وشوق وترغب.. وهذا مؤشر له دلالاته الإيجابية وقيمته الجمالية.. لذلك نرجو من المسؤولين زيادة المساحات والبراحات الخضراء حتى تصبح مراتعاً ومواقعاً للترقية والترويج واللهو البريء وأيضاً الإهتمام بالأشجار والأزهار التي تزرع على جانبي الطريق وتعهدهم لها بالرعاية والسقاية حتى لا تجدب وتجف وتيبس أوراقها ويعتريها الذبول والفناء والإنقراض.. وهذا يذكرني بالمطرب الكبير عبد العزيز محمد داؤود والشاعر مكي السيد وقصيدته المغناة «مصرع زهرة» أينعت في الروض زهرة واكتست سحراً ونضرة وبدت تزهر جمالاً فاح منه الطيب نشراً فهي للنفس أمان وهي للإلهام سحرا أينعت لكن أراها ذبلت في ناظريا أينعت لكن أراها ساقها الموت فتيا ذبلت في الروض زهرة