سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جمال عنقرة يكتب ل«الوطن»: شكراً أخي وابن أخي.. يوسف سيد أحمد
أعجبني مصطلح «تقرير المصير» و«المشهد الآن» لن تكون استثناء من الصحف التي انهارت شراكاتها
علاقاتي ب«الوطن» وسيد أحمد خليفة وأولاده ليست علاقات زمالة ولا وظيفة ولا صداقة..
لم أشأ أن اكتب عن التطورات التي حدثت في صحيفة «المشهد الآن» رغم مارشح عنها في بعض الصحف من إشارات لم تكن مباشرة، إلا أن ما تناوله الأخ يوسف سيد أحمد في عموده اليومي بهذه الصحيفة الوطن «ضل النيمة» يوم الخميس الماضي.. أفلح في أن يكسر جدار الصمت عندي، ويحرك القلم لاسيما وأن«أبو أحمد» لمس بعض المناطق الحساسة، وهو يعلم مكامن ضعفي. ومما أعجبني في مداعبات يوسف أنه تناول أحداث«المشهد الآن» بغير متبلات، ولا إضافات، وبدون «توم وشمار».. وأعجبني أكثر المصطلح الذي اتخذه تعبيراً لدعوتي للخروج من الشراكة بقوله :«تقرير مصير».. ولعله في ذلك استدعى ماجرى في شأن جنوب السودان، واستحضر أن شريكنا وصديقنا عثمان الطويل، قسمة بين السودان والجنوب وبين خنادقة أم دوم ودينكا أويل، وما يجري في صحيفة «المشهد الآن» هو الأقرب شبهاً لما توصلت إليه الحكومة مع الحركة الشعبية في حوار سلام نيفاشا.. الذي أجاز حق تقرير المصير، ليكون الانفصال السلمي ،بديلاً للتعايش إذا عجز عنه الطرفان. صحيح أنني أسست صحيفة «المشهد الآن» وحدي تقريباً، بوقوف مجموعة من الزملاء الصحافيين من بعد توفيق الله تعالى، ولكنني ومنذ أن كانت فكرة، طرحتها لمشاركات واسعة، وكان الرأي عندي أن تتوزع أسهمها على مجموعة كبيرة من المساهمين ،بحيث لاتكون السيطرة لأحد دون الآخرين، وكان الأخ عثمان الطويل من أوائل الذين استجابوا لنداء المشاركة، ولم يقع بيننا خلاف في شيء، سوى مسألة توزيع الأسهم، فكان هو يحرص على أن تكون له غلبة، وكنت أري غير ذلك، فلما لم أجد من هو في مثل جديته في المشاركة، ولايوجد بيننا خلاف في شيء آخر يحول دون قيام الشراكة بهذا الفهم، وافقت على ذلك فدخل شريكاً ومعه شريكته مها البشرى، وتقاسمنا المناصب القيادية في الشركة والصحيفة، فمنحته رئاسة مجلس الإدارة، وتنازلت لشريكته عن منصب المدير العام، واحتظفت برئاسة التحرير. وبرغم أن كل المعطيات كانت في صالح أن تقوم مؤسسة صحفية عملاقة إلا أننا اصطدمنا بمجموعة من العقبات منذ أول الطريق، وكانت أكبر هذه العقبات الثقافة السودانية تجاه فقه الشراكة.. فالسودانيون حظهم في ذلك ضعيف جداً، ولم يسجل التاريخ شراكات ناجحة في كل المجالات، وفي مجال الصحافة المسألة واضحة جداً.. فلما حاولت حكومة الانقاذ قيادة مبادرة لبناء مؤسسات صحفية راسخة ،وفرضت لصدورالصحف تأسيس شركات اصطدمت بالثقافة السودانية في هذا المجال، فبعض الناس أسسوا شركات وهمية للالتفاف على القرار، والبعض سعى للتكيف معه بتأسيس شركات حقيقية ،ولكن هذه كلها تقريباً انهارت شراكاتها.. ولتقريب المسألة للفهم نذكر بعض الأمثلة: فصحيفة (الرأي العام) التي أُعيد إصدارها بشراكة بين مؤسسها المرحوم إسماعيل العتباني عبر ابنه«على» وصديقنا الأستاذ محجوب عروة، لم يعد فيها مكان الآن لعلي العتباني ولامحجوب عروة.. وصحيفة (أخبار اليوم) لم تنطلق إلا بعد أن صفت للأخ الأستاذ أحمد البلال الطيب بخروج مجموعة«ايكو» الشيخ خضر وشركاؤه .وصحيفة (الصحافة) التي قامت على شراكة ذكية بين مجموعة مقدرة من أصحاب الصحف الأخرى منهم :محجوب عروة، وعادل الباز، وخالد التجاني، ومحمد محجوب هارون ،وعبدالرحمن اسحق، وطه علي البشير، وآخرين لم يبق من بين هؤلاء غير طه علي البشير ومحمد محجوب هارون، وحاز رجل الأعمال صديق ودعة على أكثر أسهمها، وصحيفة (آخر لحظة) أسسها الأخوان الحاج عطا المنان والمرحوم الأستاذ حسن ساتي والزملاء الأصدقاء مصطفى أبو العزائم ،والهندي عز الدين.. فخرج الهندي ودخل في شراكة أخرى مع عبدالله دفع الله ومزمل أبو القاسم، ثم خرج من هؤلاء وأسس صحيفة (المجهر السياسي) ثم لحق به مزمل أبو القاسم وأسس صحيفة (اليوم التالي).. ومما يذكر في هذا المجال أيضا تجربة الزملاء أستاذنا إدريس حسن ،الذي شارك الأخ محمد لطيف لجمع تجربة الوحدة والأخبار، فصدرت (الأخبار) لوقت محدود انهارت بعد شراكاتهما، ثم آلت الصحيفة بعد ذلك أيضا لرجل الأعمال صديق ودعة.. الصحف الفردية ظلت وحدها بعيداً عن عواصف الشراكات.. وصمدت أمام كل التحديات الأخرى ومن هذه صحف «الوطن» لمؤسسها الراحل المقيم الأستاذ سيد أحمد خليفة، و(ألوان) صديقنا حسين خوجلي، و(الوفاق) التي أنشاها صديقنا الشهيد محمد طه محمد أحمد، وفاتنا أن نذكر إن ما عانته صحيفة «التيار» من خلافات الشركاء أكبر مما واجهته من بعض أجهزة الدولة.. لمواقفها وسياساتها. قد يقول البعض إن كل هذه التجارب التي ذكرتها استمرت فترات طويلة قبل أن تنهار شراكاتها.. فلماذا نعجل بطلب تقرير مصير«المشهد الآن».. وأقول لهؤلاء: حاولت أن أتأسى بحكمة «إن العاقل يتعظ بغيره، والجاهل يتعظ بنفسه».. فرغم أني مؤمن يقيناً بأن الشراكة هي أصل كل الأعمال، وأن الوحدانية لله وحده، إلا أن غياب الأرضية يجوز الاستثناء، ثم أننا في «المشهد الآن» بُلينا بمن لم يحسن الحساب، وتوقع أنه يمكن أن يصطاد في المياه العكرة.. فسعى إلى تعكير الماء، فلم يعد بالنسبة لي صالحاً لأي شيء، وصدق السودانيون بوصفهم لأمثال هؤلاء بأنهم«لاخير فيهم».. ووجدت أن استمرار الشراكة في ظل هذه التوترات والمناكفات يمكن أن يفقدنا كثيراً.. مما يجمعنا مع شركائنا، وأنا رجل ضعيف أمام علاقاتي الاجتماعية ،وأرى أن الإنسان هو الأقيم في كل معادلة.. فإذا ما وجدت نفسي في مفاضلة بين علاقة إنسانية وبين أي شيء آخر، فإن العلاقة الإنسانية عندي تتقدم على غيرها.. لذلك رأيت أن أضحي بالصحيفة التي أسستها، واحتفظ بعلاقاتي ،فدعوت إلى «تقرير المصير» ورضيت بأن تؤول الصحيفة إلى الشركاء ،واكتفي بثمن أسهمي واستحقاقاتي وانجازاتي في «المشهد الآن»، وسأهتدي في هذا الحوار بقوله- صلى الله عليه وسلم- :«رحم الله رجلاً سمحاً، إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى». ودعوة «أبو أحمد» اللطيفة.. «وطنك حلوة.. ارجع ليها» كان يمكن ألا أعلق عليها.. لما ألحقه بها من عبارات تفسيرية.. فلقد ذكر بعده «وجمال عنقرة لم ينقطع من «الوطن» ومن منزلنا ،لأنه موصى علينا» فكما ذكر يوسف ،فأنني لم ولن انقطع من«الوطن» ولا من آل خليفة، وليس ذلك لأنني كما قال«موصي عليهم».. فالمسألة بالنسبة لي أكبر من ذلك، فالوصية في مثل هذه الحالات قد لاتكون ملزمة، ولكنني«مدان» لسيد أحمد خليفة بما لايسدده عطاء العمر كله، وكثيرا ما كتبت عن ذلك وعن قصة علاقتي مع سيد أحمد، وهي علاقة نذكر ما يعجب عادل سيد أحمد فيها، أنها بدأت منذ أن كان عادل طالباً في المدرسة الوسطي، وفضلاً عن مواقف سيدأحمد خليفة تجاهي، والتي حملتني هذه الديون الثقيلة، فإن دينه على المهنة، وعلى الوطن كله نحمل منه الكثير، ونحمد لأهل السودان أنهم يحملون معنا هذا الدين، ولقد تجلى ذلك في مواقف عظيمة.. أظهرها هذا الشعب حين وفاة هذا الرجل العظيم. وأبى أبناء سيدأحمد: يوسف وعادل وأمير إلا أن يزيدوا على دين والدهم ،وكأنهم عملوا بالمثل السوداني«الكوم زيدوه ردوم» فرموا على كاهلي أثقال أخرى، بوضعي في مكان لا يقل عن الذي كانوا يضعون فيه والدهم، تقديراً واحتراماً، ويتعاملون مع آرائي وأشيائي بذات ما كانوا يتعاملون مع ما يأتيهم من «أبو السيد» عليه الرحمة.. وهذا دين جديد. أما ماذا أود أن أفعل بعد«المشهد الآن» فبرغم أن الخيارات أمامي مفتوحة.. إلا أن حسم موضوع «المشهد الآن» سابق لأي اختيار آخر، وكل الذي استطيع أن أقوله الآن أنني سألتزم النهج الذي ظللت ألتزم به طوال حياتي، وادعو له وهو عندي مدرسة في العمل وتقوم فلسفته على التحرك في الأماكن غير المشغولة، فدائما ما أقول للناس« تحركوا محل فاضي» والغريب أن أكثر الناس في السودان يحبون المزاحمة على المحلات المشغولة.