قال الصحفي المصري الراحل مصطفى أمين «أعلم أيها الصحفي إن مستقبلك هو مستقبل الصحافة في بلادك والصحفي لا تطول قامتها في عصر الحرية والديمقراطية، أما في عصر الإستبداد فالصحفي يتضاءل ويصغر ويقل شأنه حتى تدوسه الأقدام وأعلم يا بني إن الصحافة مهنة عظيمة لأن رجالاً صمدوا للمحن وقاوموا الطغيان وصمدوا أمام الحراب والسهام» كلمات بليغة ومضيئة وحرة لا الأمواج تُثقلها إذا تهادت ولا الأصفاد توهيها فكم بكيت على حرية الصحافة وحاضرها وكم حنوت على بلادي في عصرها الذهبي الماضي، ففي هذه الأيام يعيش العالم بأسره اليوم العالمي لحرية الصحافة فالمستقريء للأحداث التي تجري في العالم العربي يشاهد من بين ضحايا الحروب والتراكمات الدموية العديد من الصحفيين وقد أصبحوا في ذمة الله أولاً ثم في ذمة المجهول ثانياً، فالذين في ذمة المجهول من المخطوفين أصبح مصيرهم مجهولاً رهائن لا حول لهم ولا قوة بل ولا ذنب لهم سواء اللهم أنهم يقومون لتغطية الأحداث التي تدور في العالم العربي وخاصةً سوريا المنكوبة فإما إغتالوهم بواسطة القناصة، وإما إختطفوهم بواسطة الشبيحة هذا في سوريا، أما في القارة الأفريقية فحدث ولا حرج كم من الصحفيين إغتالوهم وكم منهم المختطف وهكذا هو حال الصحفيين في المواقع المشتعلة بالحروب الأهلية وكل أنواع الحروب، ففي عام 0891م في بيروت إغتالت الأيدي الآثمة الصحفي العملاق سليم اللوزي وصاحب مجلة «الحوادث» جاء من لندن ليتلقى العزاء في وفاة والدته فتلقى الناس العزاء فيه عذبوه ثم إغتالوه في خسةٍ ونزالة في بيروت والقوا بجثته عند أحد المزارع واكتشف جثته صبي راعي الأغنام فيا سليم اللوزي إن كان جسمك في التراب مغيباً فجميل ذكرك في القلوب أقاما.. وفي بلادنا إستشهد الصحفي الأستاذ محمد مكي صاحب صحيفة (الناس) عام 9691م إختطفوه من بيروت وإغتالوه في الخرطوم في ظل النظام المايوي المندحر، فحرية الصحافة ما كانت منحة أو هبة من قبل الأنظمة إنما هي حق شرعي ودستوري ودولي.. لكن الأنظمة الشمولية لا تعترف بذلك لذلك نشاهد أن الصحافة عامةً تتعرض لأهوال كثيرة في ظل الأنظمة الشمولية فاليوم العالمي لحرية الصحافة يعني إحترام حُرية الصحافة واطلاق القيود عنها بل رفع القيود عنها وإزالة السدود والحواجز والموانع عن شارع الصحافة حتى تستطيع الصحافة أن تؤدي دورها الوطني بعيداً عن أي نوع من أنواع الرقابة، فالدول المتحضرة دائماً صحافتها تتمتع بكامل حريتها لذلك الصحافة تزدهر وتنتعش الكلمة الحرة في ظل الأنظمة الديمقراطية فقد رُزئت الصحافة في العديد من دول العالم رزئت بالنكبات ولكنها رغم ذلك ظلت صامدة في وجه الطغيان والإستبداد.. إن عاطفة حرية الصحافة هي شىء مغروس في عامة الناس وفي نفوس الصحفيين والكُتاب وحملة الأقلام خاصة فكلما تأتي ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة كان يجب لكل الدول أن تفتح المزيد من طرق حرية الصحافة أمامها حتى تسير وهي مرفوعة الجبين لا أن تضع أمام شارعها المتاريس التي تعيق تقدمها نحو حرية الكلمة وحرية الرأي والتغيير وحرية النشر وحرية المنابر.. فهناك العديد من الصحف توقفت عن الإصدار سواء لأسباب تتعلق بالصحيفة ذاتها سواء أسباب مادية أو غيرها.. وهناك صحف حجبوها من عيون القراء فهذا في حد ذاته أسلوب غير حضاري ولا يواكب هذا العصر بل هو أسلوب عقيم لا يخدم أبداً الصحافة عامة ولا يخدم البلاد.. ففي مصر في عهد الرئيس سعد زغلول عندما كان رئيساً للوزراء جاء لمقابلته الوزير عبد الخالق ثروت بينما جاء في نفس الوقت أحد الصحفيين لمقابلته كذلك فأمر مدير مكتبه أن يدخل عليه أولاً الصحفي قبل الوزير وعندما دخل عليه الصحفي قال للزعيم سعد ولماذا أدخلتني قبل الوزير فابتسم وقال له «أنت أيها الصحفي صاحب جلالة أما الوزير صاحب معالي، فصاحب الجلالة يدخل قبل صاحب المعالي».. وهذا دليل وبرهان التاريخ على إصطفاء الصحفيين من قبل رئيس الوزراء وإحترامه للصحافة والصحفيين أوليس أحد الصحفيين كان سبباً رئيسياً في إستقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد تيكسون في الفضيحة السياسية الشهيرة التي إكتشفها احد الصحفيين، إن حرية الصحافة هي رئة الصحافة تتنفس الكلمة الحرة عبر هذه الرئة والتي هي حريتها فإذا حرمت الصحافة من حريتها تختنق الكلمة وتموت.. فصحافة بلا حرية كواحة بلا ماء وكلمة بلا حرية لا معنى لها ولا أصل لها فحرية الصحافة هي من صميم العمل الصحفي.. فالصحافة أصبحت «مِحنة» قبل أن تكون مهنة وهذا هو حال الصحافة في العالم كله فكان الله في عون الصحافة والصحفيين وحملة الأقلام وهم يصولون ويجولون بأقلامهم في الساحة الصحفية في بلادنا، فحرية الصحافة هي حق مشروع كفله الدستور ولا يمكن ضياعه.. فما ضاع حق لم ينم عنه أهله ولا ناله في العالمين مُقصر