سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحداث كان لها ما بعدها حل الحزب الشيوعي لماذا وقف مجلس السيادة موقف الحياد؟ (2-2)
إستقالة رئيس القضاء ... وظهوره فى طاقم مجلس قيادة ثورة مايو من يفك اللغز؟
الحزب الشيوعي يثأر لموقف «حله» ويستولى على السلطة عبر تنظيم الضباط الأحرار
فى الحلقة الماضية تناولنا حادثة حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965م من خلال ندوة معهد المعلمين العالى التى علق فيها أحد الطلاب على حديث الافك بما مس بيت النبى «صلى الله عليه وسلم» ثم تناولنا ردود الفعل الغاضبة حيث نادت قطاعات شعبية واسعة فى العاصمة والاقاليم بحل الحزب الشيوعي السودانى، ثم كيف التقطت الجمعية التأسيسية « البرلمان» القفاز حيث قامت بتعديل الدستور لتتمكن من حل الحزب الشيوعي واى منظمات أخرى تنادى بالالحاد ثم التطورات اللاحقة حيث اصدرت الجمعية التأسيسية قانون حل الحزب الشيوعي، بعدها تقدم الدكتور بثلاث قضايا دستورية وبعدها أصدرت المحكمة الدستورية قرارها الذى أبطل قرارات تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي السوداني وبدورها رفضت السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية قرار السلطة القضائية مما أدخل البلاد فى ماعُرف بالمشكلة الدستورية. وفى هذه الحلقة نحاول الإجابة على بعض الاسئلة المهمة والمتمثلة فى الآتي: مجلس السيادة والموقف المحايد: أعلن مجلس السيادة فى 31 ديسمبر 1966م أن وجهات نظر جميع السلطات قد أكتملت لديه وأنه يقوم باتصالات تمهيدية بين الاطراف المعنية لايجاد حل للخروج من الأزمة، وقد فسر المحللون هذه الخطوة الحيادية من قبل مجلس السيادة بأعتبار أنه يمثل رأس الدولة ويشرف عل السلطات الثلاث « التشريعية – القضائية – التنفيذية» التى ادخلتها قضية تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعى السودانى فى الازمة الدستورية. وبالفعل وفى اول يناير 1967م وفى مناسبة الذكرى الحادية عشر لاستقلال السودان ذكر رئيس مجلس السيادة فى خطابه بهذه المناسبة « ان موقفنا من الأزمة الدستورية التى نشبت أخيراً بين السلطات الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية هو موقف الحياد التام وان ثقتنا المطلقة وإيماننا العميق بان كل المسؤولين فى هذه الاجهزة الثلاثة التى تمثل دعائم دولتنا الحديثة يتحلون بأرفع قدر من المسؤولية واعظم درجة من الوطنية واحترام الدستور والقانون والنظام وكذلك انهم جميعاً يدركون ان هذه السلطات انما تعمل متعاونة مع بعضها البعض على تنسيق وثقة وايمان وطمأن رئيس مجلس السيادة فى ختام خطابه المواطنين بان هذه المسألة سوف تسوى على اساس انها مسألة دستورية وسياسية وانها تستلزم بعض الدراسة وان المجلس سوف يعمل على ايجاد حل لها. إستقالة رئيس القضاء ولكن: فى خضم المسألة الدستورية وبعد ان رفضت السلطتين التنفيذية والتشريعية قرار السلطة القضائية القاضى ببطلان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعى السودانى، تقدم مولانا بابكر عوض الله رئيس القضاء باستقالته نتيجة تفاقم الأزمة الدستورية مما اربك اطراف الأزمة وادخل السلطتين التنفيذية والتشريعية فى موقف حرج ومضطرب وقد مهد رئيس القضاء استقالته بتوقيعه بعد ان قدم مبررات قانونية قوية يعتبرها المحللون القانونيون أنها – أى مبررات الاستقالة- تمثل اضاءات مهمة فى مبدأ الفصل بين السلطات الذى يمثل واحداً من أهم مقومات الحكم الرشيد، كما ان ثنايا الاستقالة مثلت دفاعاً مستميتاً عن مبدأ سيادة حكم القانون واستقلال القضاء السودانى... ولكن برغم هذه الاستقالة ومبرراتها التى وجدت الاحترام والتقدير من المنصفين الا ان ظهور رئيس القضاء المستقيل ضمن طاقم مجلس قيادة ثورة مايو بعد قرابة العامين من الاستقالة كان لغزاً محيراً من الناحيتين الشكلية والموضوعية، فمن الناحية الشكلية فان رئيس القضاء المستقيل هو المدنى الوحيد فى مجلس قيادة ثورة مايو اذ ان كل بقية أعضائه عسكريون ينتمون لتنظيم الضباط الأحرار، ومن الناحية الموضوعية ظهور رئيس القضاء المستقيل ضمن طاقم مجلس قيادة الثورة الذى أنهى الديمقراطية الثانية يعنى عدم قناعته بمبررات استقالته الداعية لسيادة حكم القانون واستقلال القضاء وارساء مبادئ الحكم الديمقراطى فكيف يستقيم ذلك مع موقفه الجديد المتمثل فى تبنى الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية ودخول مجلس قيادة الانقلاب. الصادق المهدى استخفاف بالقرار ولكن: السيد الصادق المهدى رئيس الوزراء استخف بقرار السلطة القضائية القاضى ببطلان قرار تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان وقال انه حكم تقريرى وغير ملزم للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وبرغم هذا الاستخفاف بالقرار الا انه ومن سخرية القدر ان السيد الصادق المهدى قد إحتاج للسلطة القضائية التى استخف بقرارها بعد اقل من عام لحسم صراعه ونزاعه مع عمه المرحوم الامام الهادى المهدى فى القضية السياسية الشهيرة التى نشبت بينهما!!! الترابي ومحمود مواجهة فكرية: من آثار الأزمة الدستورية فى النصف الثانى من عقد ستينات القرن الماضى التى نشبت بسبب تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعى السودانى وطرد نوابه من البرلمان نشوب مواجهات فكرية وسياسية فى المنتديات العامة والخاصة والصحف والوسائط الثقافية، وقد أصدر الدكتور حسن عبدالله الترابى استاذ القانون بجامعة الخرطوم وقتها والامين العام لجبهة الميثاق الاسلامى كتاباً عن الازمة الدستورية وكان عنوانه... أضواء على المشكلة الدستورية – بحث مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعى» حيث صدر الكتاب من المطبعة الحكومية بعد شهر من قرار المحكمة العليا الخاص ببطلان التعديلات الدستورية وحل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان وتقوم الفكرة المركزية لكتاب الدكتور الترابى على ان الجمعية التاسيسية هى الجهة المناط بها ممارسة السلطات الدستورية العليا وهى مظهر السيادة التى تبثها الدساتير للامة من بعد الله، وبما ان السلطة التأسيسية هى التى تمتلك السيادة المطلقة فان فصل السلطات الى تشريعية وتنفيذية وقضائية تأتى فى المرتبة الثانية بالنسبة للسلطة التأسيسية تأتى فى مقام الفرع من الأصل. وقد أثار هذا الكتاب تساؤلات كثيرة لم تجد الاجابة المقنعة حتى الان من قبل فقهاء القانون الدستورى فى السودان. وقد تصدى الاستاذ الراحل محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهورى لكتاب دكتور الترابى بكتاب أسماه « زعيم جبهة الميثاق الاسلامى فى ميزان الثقافة الغربية - الاسلام – أضواء على المشكلة الدستورية حيث قال « ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر لأنه متهافت ولانه سطحى ولأنه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطرى... وبعد صدور الكتابين قامت مناظرات عديدة بين مجموعات من الاخوان المسلمين الموالين لدكتور الترابى والاخوان الجمهوريين الموالين للاستاذ محمود محمد طه. ردة فعل الحزب الشيوعي: يقول الدكتور محمد سعيد القدال فى كتابه « معالم فى تاريخ الحزب الشيوعى السودانى» عن ردة فعل الحزب الشيوعى حول هذه الازمة « أدت الأزمة الى آثار سلبية بالنسبة لنشاطه السياسى العام وبالنسبة لوضعه الداخلى فقد لجمت اندفاعه السياسى واعادته الى شبه العلنية وأغلقت صحيفته ودوره، وفجرت أزمة داخل الحزب حول جدوى النظام البرلمانى اللبيرالى ولكنها بدأت خافته ولم يشتد ساعدها الا فيما بعد ولعلها كانت من الاسباب التى بدأت تفرخ التفكير الانقلابى، وبرزت فى هذه الفترة الدعوة لتكوين حزب اشتراكى وبدأت التحضيرات العملية لقيامه. ولقد لفتت الأزمة داخل الحزب الى ضرورة التنبه لخطورة خلط الدين بالسياسة فتكونت لجنة للدراسات الاسلامية فى الحزب الشيوعى لكنها إنغمست فى قضايا الصراع ضد الأخوان المسلمين ولم يتم إرتياد افاق النظر المستقل الى الاسلام فاصدر الحزب كتابين الاول بعنوان « الاخوان المسلمون اعداء الله واعداء كتابه» للاستاذ الرشيد نائل والثانى بعنوان « أفكار حول فلسفة الاخوان المسلمين» للاستاذ عبدالخالق محجوب. الشيوعيون وردة الفعل الاعنف: إنقلاب 25 مايو 1969م أدت فكرته قبل بضعة اعوام من قيامه لصراعات وانشقاقات داخل الحزب الشيوعى السودانى وهذه قضية ربما تم التطرق اليها فى وقت آخر ولكن الثابت ان الحزب إنتهى بعض قياداته للثأر من الاحزاب التقليدية التى اسهمت الى حله وطرد نوابه وقد برر ذلك بعدد من المبررات التى دعته للانقلاب وهى: تزايد الاستغلال وانسياب اجزاء من الدخل القومى لمراكز الاستغلال فى الخارج والى هبوط الدخل القومى للفرد. بقاء البلاد سوقاً للسلع الصناعية المستوردة ومنتجة للسلع الاولية المصدرة مما أدى الى هبوط مستمر فى قدرة البلاد على التنمية والى انخفاض مداخيل الجماهير الكادحة. انفتاح الطريق لتوغل الاستعمار الحديث وتسارع البلاد فى طريق التنمية الرأسمالية. بروز ضعف الراسمالية المحلية وفشلها فى الاسهام فى التنمية رغم التسهيلات المقدمة لها. بقاء السودان قطراً يعانى من التخلف ولايدخل فعلاً مرحلة الثورة الاقتصادية فالقطاع التقليدى يحط بثقله على الاقتصاد وينتج اكثر من 50% من الدخل القومى... * * * * بهذه المبررات اصبح الطريق الى الانقلاب سالكاً واستغل الحزب الشيوعى تنظيم الضباط الاحرار فكانت مايو وكان الثأر من الذين حلوا الحزب على النحو المعروف.