تتكامل الأدوار وتتضافر الجهود الرسمية والشعبية وبعض الجهات ذات الصلة من أجل محاربة ومكافحة وإجتثاث ظاهرة العنف ضد المرأة والطفل بكل صنوفه وأشكاله، وهي من الممارسات السالبة التي تتنافى وتتعارض مع الأديان والأعراف والتقاليد والقوانين لما فيها من إستذلال وإساءة وإمتهان لكرامتها وإنسانيتها إضافة الى الأضرار والآثار النفسية والإجتماعية التي تلحق بها.. لذا فقد تمّ إنشاء وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بقرار وزاري 5002م له آلياته وإختصاصاته الممتدة الى الوحدات الأخرى بالولايات والتي تعمل على نشر الوعي في المجتمع بتنظيم الندوات والملتقيات والمنابر الإصلاحية والإرشادية والتفاكرية، وفي سياق متصل كانت حملة «المودة والرحمة» كذراع لهذه الوحدة تقوم بمبادرات وشراكات تهدف لإرساء دعائم المودة والرحمة بين الأفراد والأُسر والجماعات والمجتمعات حتى يسودها الأمن والسلام والتماسك والإستقرار والحب والجمال.. والمودة والرحمة مفردتين مترادفتين تحملان الكثير من القيم الروحية والدينية والإنسانية والإجتماعية والجمالية التي تنم عن الخلق العظيم والسلوك القويم والإعتدال والإتزان يقول تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) صدق الله العظيم.. ولعظمة هذه الآية وأهميتها ينبغي أن تكتب بمداد من ذهب داخل كل بيت حتى تشع السعادة والمحبة بين أرجائه وجنباته.. أما الرحمة فقد ذكرت في مواقع ومواضع كثيرة من القرآن الكريم تتباين في معناها ومغزاها.. يقول جل شأنه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وفي آية أُخرى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) صدق الله العظيم.. إذن الرحمة تعني الخير والنعمة والبركة وذلك العطف والشفقة واللطف واللين والرقة وغيره من العبارات التي تهذب النفس وترتقي بالشعور ومن مشتقاتها الرحمن والرحيم وهما من أسماء وصفاته أي أن رحمته وسعت كل شىء.. تظل المودة والرحمة متعلقة ومرتبطة بالإنسان منذ ولادته وحتى كبر سنه وأنقطاع عمره بحيث تنعكس على تصرفاتنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا .. فمثلاً الطفل حين يخرج من «رحم» أمه والرحم مأخوذ من الرحمة ويشكل معها جناس غير تام كما هو في قواعد اللغة العربية.. عند بكائه تقوم الأم «بعصره» وحضنه على صدرها وهدهدته حتى يكف عن البكاء وربما غلبه النوم استشعاراً منه بهذه المودة والرحمة والدفء والحنان والإطمئنان الذي أشبع غريزته وفطرته.. والأبناء متى ما أُحيطوا بالمودة والرحمة وغرس فيهم الصدق والأمانة والصراحة والوضوح شبوا أسوياء أقوياء أشداء فاعلين ومتفاعلين مع أُسرهم ومجتمعهم.. ومن مكارم الأخلاق وأنبلها التي تنبع منها المودة والرحمة كفالة اليتيم والمسح على رأسه كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا ينتابه الإحساس بالقهر والضعف والمسكنة. ومن تعاليم الإسلام أن نوثق عرى المودة والرحمة بين الجيران ومراعاة وحفاظاً على حقوقهم وواجباتهم جاء في المثل «جارك القريب ولا ود أُمك البعيد».... ومن أرفع مقامات المودة والرحمة إحترام الوالدين والبر والإحسان اليهما بأن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة والتي هي من أوجب الواجبات التي أمرنا بها الله حتى ننال عفوه ورضائه في الدنيا والأخرى وبالرغم من هذا إنتشرت في الآونة الأخيرة الدور الإيوائية للعجزة والمساكين فأي غلظة وقسوة أن «يُزج» بالأبوين الى هذه الديار القفر التي لا توفر وتعوض لهم حميمية الأسرة ودفئها ورباطها ولمتها وإمتدادها، وفي هذا الجانب نلاحظ بعض الأبناء يتفوهون بكلمات والفاظ نابية ومستهترة في حق أُمهاتهم وينعونهم بصفات غير لائقة ومهذبة مثل العجوز، المخرف، الكبسة.. وهذا يصب في عقوق الوالدين الذي يعد من الكبائر وقد يُعجل فيه العقاب والجزاء. ومن معاني المودة والرحمة العمل على سعادة الآخرين الذين هم بحوجة الى المساعدة والمساندة والوقوف معهم عند الشدائد والمحن والنائبات فالإسلام هو دين التكافل والتعاون والتعاضد.. وما أن تمسكنا بها إنتشر العدل والصفاء والإخاء وعاش المجتمع في محبة ورفاهية واحترام بعيداً عن العنف والظلم والإجرام والفساد.. هذه بعض مظاهر المودة والرحمة التي ينبغي أن تبنى عليها جسور التواصل بين الأُسر والمجتمعات الأمر الذي تتطلع وترنو وتدعو اليه حملة المودة والرحمة وهي تنطلق بقوة وعنفوان وخطى ثابتة ومتوثبة لما فيه خير وصلاح هذه الأمة العظيمة.. ونحن نحتفي بحلول شهر رمضان الكريم الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار أن يشملهم ببركاته وأفضاله سائلين الله لهم التوفيق في المرمى والمسعى.