لم تكن فكرة رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي الجديدة للإطاحة بحكومة المؤتمر الوطني عبر جمع توقيعات مليونية خلال الأيام السابقة بالفكرة القيمة والرشيدة لتحريك الشارع والإنضمام في جمع التوقيعات، بإعتبار أن عدداً غفيراً من المراقبين السياسيين أجمعوا بدرجات متفاوتة على أن حزب الأمة يعيش معضلة سياسية حقيقية، وإن معضلته لم تسعفه في أن يكون مع الحكومة بشكل صريح ولا مع المعارضة بشكل واضح، ويشيرون إلى أن مواقف الحزب ظلت بإستمرار «بين بين» فهو في نظرهم يعارض الحكومة على طريقته الخاصة، ويختلف مع المعارضة جميعها في طريقتها لمعارضة الحكومة. ويؤكد المراقبون أن موقف حزب الأمة القومي الرسمي من التغيير يحتمي بعبارة المهدي الدارجة «حلاً بالليد أخير من السنون» فضلاً عن تنديده بتوجيهات الجبهة الثورية السودانية التي تدعو لإسقاط حكومة البشير بالقوة. ويذكرون للمهدي رأيه الداعي لإسقاط النظام عبر «الجهاد المدني» لكن المراقبون أنفسهم يشيرون أيضاً إلى إغفال المهدي لوضع إطار تعريفي لماهية «الجهاد المدني» والفرق بينه والتظاهرات المتفرقة التي إنتظمت أغلب مناطق السودان منذ العام الماضي بما فيها مسجد الإمام عبد الرحمن التابع للكيان الديني لحزب الأمة، حتى عاد إليهم المهدي في خطبة عيد الفطر بقوله «وإذا أصر الحكام على الإنفراد والعناد تتحالف كل قوى التغيير للعمل معاً لإقامة النظام الجديد بكل الوسائل ما عدا العنف او الإستعانة بالأجنبي». وعدّد المهدي وسائل قال وقتها إنها فعالة لإسقاط النظام تبدأ عنده بالمذكرات ثم الإعتصامات ثم الإضراب السياسي، وبالطبع ليس من بينها الخروج إلى الشارع. يشير المراقبون إلى أن المهدي يريد اصلاح النظام ويتحالف في ذات الوقت مع أحزاب تسمى بقوة لإسقاطه، ويلمحون إلى ذلك بوصوله متحفزاً في العام الماضي إلى مسجد السيد عبدالرحمن في ود نوباوي ليهدي الآلاف الذين ينون للتظاهر، فقد قال لهم المهدي إن حزبه يتدارس طرح بدائل للنظام وأن موعد النزول إلى الشارع لم يحن بعد بالطبع يمكن أن يضف هذا الأمر إطفاء من المهدي لشموع التغيير وسط الشباب الذين تفرقوا ضاربين كف بكف على رماتهم الخاسر. وفي إستطلاع صغير أجرته «الوطن» مع مجموعة من شباب حزب الأمة نفسه حول مشروع الصادق لجمع التوقيعات المليونية إتفق أكثر من شاب على توجيه اللوم إلى رئيس الحزب لكونه يتخذ مواقفاً سياسية حيال الثورة وغيرها من القضايا تصنف عندهم «مواقف ضبابية» تخدم النظام وتتماشى معه، أكثر من كونها مواقف سياسية تخدم المصلحة العامة للبلاد. تأتي آراء الشباب هكذا مليئة باللوم وتخرج كما لو أنها تمنح المهدي فرصته الأخيرة لتحديد موقفه من قيام التغيير في السودان لكن المهدي لم يفعل ذلك في إحدى خطاباته المنتظرة بل حدد العنف في ماهو دون الخروج إلى الشارع وحصر لهم أدوات النضال في استخدام «القوة الناعمة» والتعبئة الجماهيرية والإعتصامات وتنظيم اللقاءات الجماهيرية المفتوحة. وفي ندوة بصحيفة الإهرام المصرية قبل عام قال المهدي «نحن في حزب الأمة نتكلم عن خيار ثالث للتغيير، لا يعتمد على الضربة القاضية بل على التسوية مثلما حدث في جنوب أفريقيا الكوديسا ونعتبرها الأفضل ولكن هذه التجربة بالطبع لا يمكن أن تحدث تلقائياً وإنما تحتاج إلى نضال وعمل حزبي كبيرين». ويضيف المهدي «على كل حال التغيير صار حتمياً في السودان، وإذا لم يحدث بهذا الإجراء الإستباقي فسيحدث بواحدة من الطرق الأخرى وهي طرق لها تداعيات وتبعيات نعمل على تجنبها بقبول مشروع الكوديسا الإستباقي لإحداث التغيير». ويرى المحللون أن المهدي بهذا يخشى هبوب رياح ثورة التغيير على الأقل في مثل هذا التوقيت الزماني والسياسي بإعتبار أن جميع المؤشرات تقصيه من شرف أن يكون بديلاً قادماً، لذلك يفضل على ما يبدو المحافظة على علاقة ما مع الحكومة وصولاً إلى نقطة تلاقي تلبي جزء من مشروعاته ومبادراته التي لا تحصى كما انه يحاول الحفاظ على الشدة متصلة مع المعارضة عسى أن يحتفظ لنفسه ولحزبه بمقعد يسعفه في تنفيذ عشرات المقترحات التي يرى فيها مخرجاً من أزمة السودان في حال حدوث التغيير من جانب المعارضة. يقول المهدي في كلمة ألقاها في فبراير من العام 2002م بمعهد أبحاث الدفاع التابع للإدارة الأمريكية ضمنها كتابة «أصم أم يسمع العام سام؟:« إن حزبي اليوم متصل بكل القوى السياسية السودانية خاصة النظام الحاكم نعمل بالتفاوض والتعبئة على أساس نبذ العنف ونبذ الشمولية والإتفاق على أجندة وطنية تحقق السلام العادل وتضع برنامجاً للتحول الديمقراطي بجانب تكوين حكومة قومية إنتقالية ملتزمة ببرنامج سياسي قومي. ٭ حوارات الإمام ويبدو المهدي في حواراته المتصلة مع الحكومات كشخص أدمن الاتصال على هاتف معطل فقد سبق أن تفاوض مع نظام الرئيس الراحل جعفر نميري دون أن يحقق ذلك التفاوض نتائج ملموسة للسودان أو لحزبه بقدر ما انه طبقاً للمراقبين مكن النظام الديكتاتوري من أخذ أنفاسه في حلقة السباق الطويلة، وكانت مصالحة المهدي للنميري قد بدأت في لندن بين العامين«7791 8791م» وانتهت في مدينة بورتسودان بإجتماع سري بين المهدي ونميري أفضى إلى مشاركة حزب الأمة والأخوان المسلمين في المؤسسات الحكومية والمكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي ومجالس الشعب التي يديرها النميري. اما في العامين الماضيين وشهورهما التي سبقت جدل إعلان حكومة المؤتمر الوطني العريضة، دخل الصادق المهدي في حوار محموم مع رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إنتهى هو الآخر إلى اللا شىء، ولم يخرج بسوى عبارة المهدي الملتبسة«إتفقت مع البشير على أن نعارض معارضة رشيدة» لكن يبدو أن رشد معارضة المهدي لحكومة البشير هي التي انتهت بإشراك نجله عبدالرحمن الصادق في الحكومة وتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية رغم معارضة الحزب لذلك التعيين مما جعل المهدي في موقف لا يستطيع فيه الدفاع عن موقف نجله ولا يستطيع أن يجاهر بالمعارضة الصريحة للإنقاذ بالرغم من خروج عدة مظاهرات من مسجد عبدالرحمن من النشطاء في أن يقودهم حزب الأمة للإطاحة بالنظام على قرار ماحدث في عدة دول عربية. مهما إتفق من أمر فإن مواقف حزب الأمة باتت غير واضحة في جميع القضايا التي طرحت في الفترة الأخيرة، وأصرت الساحة السياسية إضطراباً وتوهاناً على إضطرابها مابين الميل إلى الحكومة ومصالحتها لاصلاحها من الداخل أو تبني الخط المعارض بالكامل لإسقاطها والمجيء ببديل من قوى يتحالف معها حزب الأمة القومي. وقد أثبت الواقع إجادة الحزب اللعب على الجدلين بإحترافية عالية تجد بينها مواقف الصادق المهدي وتصريحاته من القضايا الساخنة بدءاً من أزمة دارفور والمحكمة الجنائية وليس نهاية بالموقف من إسقاط النظام، فيما يشير المراقبون إلى ضلوع الامام الصادق المهدي مباشرة في هذا الغموض بسبب محاولته الجمع بين موقف المعارض من جهة وموقف المتفرج من الجهة الأخرى، ويشيرون إلى أن المهدي لليس نافع على حكومة الإنقاذ بقدر ما انه غير راضٍ عن المعارضة مما يمهد له الطريق لاتخاذ طريقا ثالثاً يدعو من خلاله إلى إصلاح الوضع بإشراك الجميع في مؤتمر دستوري ظل يروج له منذ أن عاد إلى الداخل بإتفاقية نداء الوطن من جيبوتي عام 9991م وبعدها بروتكول التراضي الولائي قبل خمس سنوات من الآن. وبحديث مقتضب مع أم كوادر حزب الأمة القومي فضل حجب اسمه فإن المستفيد الوحيد من مواقف حزب الأمة القومي بزعامة المهدي ومواقفه الشخصية هو المؤتمر الوطني لأنه يتمكن بهذه الطريقة من ضمان ابتعاد المهدي عن قيادة المعارضة لأن الوطني يدرك أن المهدي هو أنسب من يلتف حول الجميع ولا يدري سبب من التزام الحزب بالعمل على إسقاط النظام بكل السبل السلمية وبالتضامن والتعرضد مع كل القوى الشبابية صاحبة المصلحة في التغيير، ويشدد على حاجة الحزب إلى مراجعة خطة السياسي وبلورة خط سياسي واضح وقاطع في أسرع وقت ممكن.