مهما تعددت الوسائط الإعلامية والإذاعية بكافة تخصصاتها تظل إذاعة «هنا أم درمان» هي الأكثر جذباً والأوسع انتشاراً فمنذ نشأتها في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي انداحت برامجها الدينية والثقافية والرياضية وبرامج المنوعات التي أثرت وجدان المستمع وخلدت في ذاكرته ومع تطورها الرسالي والأدائي نجحت في ترسيخ وحدة السودان وانصهاره في بوتقة واحدة رغم تباين ثقافاته ولهجاته وذلك بنسج خيوط التواصل والتلاقي مع مستمعيها على مدى البقاع والأصقاع وبمواكبتها للأحداث والقضايا العالمية واحدة من أكبر الإذاعات المسموعة تعاقب على إدارتها كوكبة من الأساتذة الأجلاء كانت لهم بصماتهم الواضحة في ترقية الأداء وتجويده ويجدر أن نذكر أن الأستاذ حسين طه زكي كان أول مدير لها أما مديرها الحالي فهو الأستاذ معتصم فضل عبد القادر «ابنها البار» الذي تدرج في مناصبها فعجم عوده واكتسب منها درعاً وسهاماً من الخبرة والمعرفة والفن والإبداع وفي دوارتها البرامجية السابقة واللاحقة قدمت برامج تحمل القيم والأهداف والمضامين لا سيما برنامج دراسات في القرآن الكريم للبروفيسور عبد الله الطيب وهو من البرامج الذهبية والموسوعية المفعمة بالفكر والأدب والعلوم والمفهوم ومن البرامج الحديثة التي تحظى بالنجاح والاهتمام برنامج «السودان اليوم» الذي يبث يومياً عند الساعة السادسة والنصف حتى التاسعة صباحاً وهو عبارة عن محطات إذاعية متفرقة تلبي حاجة المستمعين وطموحاتهم وتطلعاتهم.. بدءاً بالمفكرة التي تعكس ما يدور في الساحة من أنشطة ثقافية وغيرها ثم حالة الطقس وبرمجة الإذاعة اليومية بالإضافة إلى نشرة أنباء السابعة بكل تقاريرها وتفاصيلها ثم جولة في الولايات للوقوف على خططها ومشاريعها التنموية والاستثمارية وهكذا يحتوي البرنامج على الفقرة الزراعية أو الدليل الزراعي في تقديري أنها من أهم الفقرات وأبرزها من إعداد وتقديم الباشمهندس الزراعي بشرى حبيب الله وتكمن أهميتها في تلك النصائح والإرشادات والتوجيهات التي يخاطب فيها بأسلوب ولهجة مبسطة قطاعات المزارعين والفلاحين في المشاريع والحقول والحواشات والبلدات والغيط والوديان حتى نكاد نشتم منها رائحة التراب والدعاش.. والفقرة تغطي جوانب زراعية عدة تشمل إعداد التربة وتجهيزها وطريقة الري والآليات التي تستعمل في الحصاد ثم التخزين و التسويق ..الخ، ولم تقتصر هذه الخدمة الزراعية الإذاعية على المزارعين فحسب بل امتدت إلى المواطن العادي وربات البيوت اللاتي كان لهن نصيب من هذه الإرشادات وهي تحفزهم وتشجعهم على الاهتمام بالخضرة وغرس الشتول وأشجار الظل ونباتات الزينة وتنسيق الحدائق واستغلال المساحات والبراحات في المنازل حتى نجعل منها متكئات جمالية تمنحنا الحيوية والإشراق والصفاء الذهني والاستقرار النفسي .. بشرى لنا أيُها الحبيب وأنت تلون وتعطر صباحات «هنا أم درمان» بالاخضرار والنضار وتنثر في قلوب المستعمين الحب والجمال والأمل والتفاؤل والسلام وبما أن هذه الفقرة دعوة للخصب والنماء والخير والعطاء نأمل أن تفرد لها مسا حات أكبر وتحاط بالعناية والرعاية والاهتمام خاصة أن الزراعة صارت تقاس عليها حضارة الشعوب ورقيّها.. ومن ناحية أُخرى فنحن نتطلع إلى نهضة زراعية كبرى تساهم في معالجة وتحسين توفيق الأوضاع الاقتصادية التي تمر فيها البلاد الآن.. ويعول عليها مثل هذا الشباب «النضير» الذي يتوثب ويتسلح بالعلم والثقافة «الخضراء» ويحمل البشريات والطموحات لم يسعدني الحظ بالاطلاع أو المتابعة أو الاستماع إلى برامج هذا «الحبيب» سوى هذه الفقرة التي أوجدت في نفسي هذا الحب الخالص للاستزراع وأحسب أن له برنامجا بذات النسق بعنوان «زروع وضروع» يقدم في واحدة من الإذاعات وتقديراً لقيمته وجودة مادته كرمته الإذاعة في حصاد العام 2102م في احتفائية ضخمة درجت الإذاعة على إقامتها سنوياً لمسة وفاء وتقدير وعرفان لأهل العطاء والخلق والإبداع من الإذاعيين والبرامجيين وغيرهم من المنسوبين والعاملين في «دار الإذاعة» وهم جديرون بهذا التكريم الأمنيات أن تعاد لك «الكرة» وتكرم مرات ومرات.. وحتى ذلك الحين أتمثلُ قولك وعبارتك الجاذبة التي تختتم به حديثك دوماً بلدنا أمان وخيرها مصان ونترككم في رضاء الرحمن.