حال المعارضات الديمقراطية فى الوطن العربى اليوم هو حال مأزوم ، كما هو حال الحكام الذين تعارضهم وتكيل لهم السباب ليل نهار هذه المعارضات . فالحال من بعضه بصورة عامة فى كل المعارضات الديمقراطية فى الوطن العربى. ولكنى اركز الحديث اليوم على حال المعارضة الديمقراطية فى بلدى فى السودان ، المأزوم حتى نخاعه العظمى. قد لا يضيف حديثى شيئا جديدا الى ما قد قيل كثيرا من قبل ، ولكنى افعل من باب استدامة التذكير، لأن الذكرى تنفع المؤمنين . تجيز المعارضة الديمقراطية فى السودان لنفسها صفة « قوى الاجماع الوطنى !» فى واحدة من اجرأ المغالطات السياسية ، التى تقارب مغالطات النظام الذى تعارضه حتى عندما يتجلى ويسدر فى مغالطاته المعمدية . اطلاق المعارضة الديمقراطية السودانية على نفسها صفة قوى (الاجماع الوطنى) هو مغالطة جريئة للواقع المعاش الذى يعرفه الشارع السودانى . فالمواطن السودانى قبل غيره يعلم ان المعارضة الديمقراطية فى بلده لم تحقق بعد ربع قرن من وجود النظام الذى تعارضه ، لم تحقق الاجماع الذى تدعيه . فما زال هناك حتى اليوم تباين كبير فى مواقف الاحزاب المعارضة المنتمية الى (قوى الاجماع) المزعومة حول الاسلوب الامثل و الانجع الذى تواجه به ( قوى الاجماع الوطنى ) هذه النظام الذى تسعى الى اسقاطه . بعض الاحزاب المنضوية تحت لواء (قوى الاجماع ) تؤيد العمل العسكرى المفتوح . و تؤمن هذه الاحزاب بمقولة أن ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة . وهناك احزاب تنزع الى اعتماد الاعتصامات والاضرابات . بينما يربك حزب الامة وهو الحزب الاكبر جماهيريا فى المعارضة ، يربك المعارضة والمعارضين بمواقفه و بتغريداته المنفردة خارج سرب المعارضة . ومع ذلك يغالط الجميع بأنه جزء من هذه المعارضة التى يغرد خارج سربها . ويمارس مع النظام حوارات طرشان امتدت حتى الآن الى بضعة سنين و لا اثر لأى تقدم بينه وبين النظام . بل واربك رئيس حزب الأمة المعارضة اكثر حين سمح لأثنين من ابنائه بالانخراط فى صفوف النظام فى موقعين عسكرين سياديين : الأول مساعدا لرئيس الجمهورية فى الامور العسكرية ، والثانى ضابط استخبارات فى جهاز الأمن الوطنى ! بعض الاطراف فى ( قوى الاجماع الوطنى ) ترفض مداورات حزب الأمة المربكة جملة وتفصيلا . وتتهمه صراحة بالعمالة للنظام ، و تطالب بطرده من تجمع ( قوى الاجماع الوطنى ) متهمة اياه باضاعة وقت المعارضة متعمدا عن طريق المداومة على حوارات و مفاوضات عقيمة و غاضا الطرف عن عمد عن سلوكيات النظام فى عدم الالتزام بما يعقد من اتفاقيات مع معارضيه ، و مع حزب الامة تحديدا . ورغم هذه التباينات الواسعة يصر المعارضون الديمقراطيون السودانيون على تسمية الكيان الذى يجسد كل هذه التباينات ، يصرون على تسميته ب( قوى اجماع !) اما مزاعم تنظيم (قوى الاجماع الوطنى) بأنه اصبح البديل الجاهز للنظام بما رتب من برامج وتخطيطات ستطيح النظام الذى ظلت تصفه بالآيل على السقوط منذ سنوات و هو ما زال على قيد الحياة . حقيقة الأمر التى لا مراء و لا جدال فيها تقول أن تنظيم (قوى الاجماع الوطنى) المعارض هو كيمان كثيرة غير متجانسة وغير مجمعة على كثير من الاساسيات . تهديدات هذا التنظيم بقتل نظام الانقاذ السودانى يصدق فيه قول جرير الخالد : زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يامربع واختم بطلب حميم الى (قوى الاجماع الوطنى ) هو أن يتخذ احدى الحسنيين : إما أن يغير ما بنفسه ، او يغير اسمه . قوى الاجماع ، قال !