تؤكد وزارة المالية أن سعر برميل النفط في السوق العالمي يصل إلى المائة دولار أو يزيد، وانها تبيع برميل النفط المحلي بحوالي الخمسين دولاراً، وأنها تعمل على رفع الدعم عن المحروقات لتماثل اسعارها الى مستوى السوق العالمي أو ما يقارب ذلك. وهي كلمة حق اريد بها باطل. إذا كانت الحكومة تستورد سعلة ما من الخارج بسعر أعلى وتبيعها للمستهلك بأقل من سعر شرائها، عندئذ تكون الحكومة تدعم تلك السلعة ويتسبب ذلك في خسارتها بدفع فرق السعر بسبب هذا الدعم. هل تستورد الحكومة النفط من الخارج بسعر أعلى لتبعيه للمستهلك بسعر أقل؟ بالطبع لا. ما يحدث هنا أن الحكومة تبيع انتاجها من النفط بسعر «محلي» أقل من السعر العالمي ومع ذلك فإنها تربح في النهاية. فالبترول موجود في باطن الارض ويتم استخراجه وتكريره وتأخذ الشركات العاملة نصيبها كما تأخذ الحكومة نصيبها بعد خصم التكاليف. فأين هي الخسارة يا وزارة يا مالية؟. لا يمكن للحكومة أن تكيل بمكيالين، فاذا أرادت الحكومة بيع مشتقات النفط حسب سعر السوق العالمي فعليها أن تراجع مستوى دخل المواطنين بالدولة من يعملون عندها فمتوسط أجور العاملين بالدولة لا تزيد عن المائة دولار شهرياً كإعانة شهرية للعاملين عندها، فهل وصلت الحكومة بمرتبات العاملين في الدولة الى مستويات معقولة تتيح لها أن تفرض عليهم شراء مشتقات النفط او غير ذلك من السلع باسعار عالمية؟. إن سياسة رفع الدعم عن السلع الضرورية في ظل سياسات الأجور الحالية يعني التضحية تماماً بفئات العاملين بالدولة وكأن وزارة المالية تشد وثاق هؤلاء العاملين بحبال متينة تقيد بها ارجلهم وايديهم وترمي بهم الى البحر ليعوموا الى الجهة التي تحددها الحكومة. ومن المؤكد أنهم لن يصلوا وسيغرقون في اليم ويموتون من الغرق. ليست وزارة المالية هي الجهة الوحيدة التي تكيل بمكيالين، فكل من يعمل بالسوق او المهن الحرة يرفعون أسعار خدماتهم الى المدى الذي يحفظ لهم حقوقهم بعد خفض سعر الجنيه السوداني فما يجمعه طبيب اختصاصي في عيادته الخاصة من المرضى في فترة لا تزيد عن الساعتين يوازي مرتبه الشهري الذي يتقاضاها من وزارة الصحة. الكل صار يرفع من اسعار خدماته في القطاع المهني او الحرفي وبائعو اللحمة والخضر والفاكهة يرفعون من اسعارهم حتى لا يتعرضوا للخسارة الى ان يعجز الناس عن الشراء فيحدث ركود اقتصادي يتعرض فيه الكل للخسارة وتتوقف فيه عجلة الحياة عن الدوران. من المؤكد أن الحكومة تخسر عندما تقوم بتخفيض عملتها الوطنية ازاء العملات الاجنبية، وانها عندنا ترفع الدعم عن السلع تحيل حياة المواطنين الى الجحيم. نقول للمالية رفقاً بالمواطنين ويكفي الفقر الذي يعيشونه، والامر بات لا يحتمل المزيد من سياسة افقار الناس ومن الافضل للحكومة ان تبحث عن حلول اخرى لمشاكلها بعيداً عن سياسة التضحية بالمواطن وسياسة المزيد من الافقار للمواطنين. يقول الله سبحانه وتعالى: «إنَّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنَّه كان ظلوماً جهولاً». صدق الله العظيم