سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مراجعات متعمقة في أطروحات الدكتور محمد علي الجزولي : تيار الأمة الواحدة مقاصده حميدة.. لكنه يستبطن في داخله «التكفير الدموي»
الدكتورالجزولي استنسخ فكرة الجبهة الإسلامية للجهاد واستصحب فتاويها في استهداف الامريكان
[email protected] ظللت منذ فترة ليست بالقصيرة أتابع بعض الاحاديث المنسوبة للدكتور محمد علي الجزولي التي تتداولها الوسائط الالكترونية أو يتناقلها الناس في منتدياتهم الخاصة، كما ظللت أقرأ له بعض المقالات في بعض الصحف السيارة لاسيما صحيفة (الانتباهة) الغراء. ويبدو أن خطبته قبل جمعتين من الآن التي ألقاها في مسجده بالرياض شرق الخرطوم قد استكمل فيها مشروعه الذي ظلَّ ينادي به في كتاباته وأحاديثه، وقدَّم من خلالها توضيحات مهمة للإطار الفكري لذلك المشروع والذي اختار له مسمى «تيار الأمة الواحدة» والذي يبدو من حيث الشكل مقاصده حميدة لأن اجتماع الجماعات والمجموعات والنحل والتيارات الإسلامية في صعيد أو تيار واحد أمر محمود ومرغوب فيه لأن وحدة المسلمين تمثل واحدة من أسمى الغايات والمقاصد التي نادى بها الإسلام وفصل في اهميتها وخص المسلمين على المضي قدماً في طريقها ... ووحدة الأمة الإسلامية أمل مرتجى ظلَّ الكثير من الدعاة والناشطين في العمل الإسلامي يرجون تحققه.. وقد جرت محاولات كثيرة في هذا العدد لا يسع المجال لذكرها.. ولكن بالطبع فإن فكرة الجامعة الإسلامية التي نادى بها الإمام محمد عبده والإمام جمال الدين الافغاني تمثل واحدة من أهم تلك المحاولات، ولعلَّ حزمة الأفكار التي طرحتها مجلة العروة الوثقى كانت تصب في ذلك بل تمثل زبدة فكرة الرجلين الامامين المفكرين. ٭٭ استبطان التكفير الدموي : يرى الدكتور محمد علي الجزولي في اطروحته أن «تيار الأمة الواحدة» هو خطوة في اتجاه جماعة المسلمين التي لا يحل لمجموعة من المسلمين أن تقيمها أو تدعيها دون المؤمنين ومشورتهم، وأن بلوغ ذلك الهدف يتطلب جهداً دعوياً وفكراً ضخماً يصحح كثيراً من المفاهيم المغلوطة والمنحرفة عن أسس الاجماع ووجو وحدة الأمة ... وهناك تفاصيل كثيرة ذكرها الدكتور الجزولي لأفكار المركزية حول «تيار الأمة الواحدة» في جلها وظاهرها لا نختلف معه فيها كثيراً ... ولكن مشكلة أطروحاته وهذا هو مدخل خلافنا معه أنها تستبطن تكفير الافراد والجماعات التي لا تنخرط في سلك «تيار الأمة الواحدة» وهذا يستكشفه القارئ بفحص ودقة لأطروحات الدكتور الجزولي ويمكن إجمال ذلك في بعض ما قاله :- ٭ مفهوم الأمة الواحدة مفهوم أيدولوجي قيمي وليس جغرافي فهو يشمل كل مسلم بما في ذلك الأقليات المسلمة في دار الكفر الأصلي. ٭ بالرجوع الى نصوص الكتاب والسنة تعظيماً وتسليماً والبحث بتجرد في مسائل الكفر والايمان للتفقه في هذا الباب على نحو صحيح ثم الاعتصام وموالاة كل مسلم لم يتلبس بكفر بين واعمال والاجتهاد للمساهمة تبصيراً أو جهاداً وتنكيلاً لإقامة الخلافة الراشدة والعلم بأن الخلاف واقع وإدارته بطريقة شرعية هو السبيل للتعاطي معه وليس بالاستطاعة رفعه كله. ومشكلة الدكتور الجزولي أنه لم يستوعب المتغيرات الكثيرة التي حدثت في العالم مما يجعل أطروحاته هذه غير منتجة وفي ظني لو أراد الخروج من ذلك عليه أن يجيب على الاسئلة المشروعة التالية: ٭ في عالم اليوم - ومن الناحية الجغرافية البحتة - كيف يتم تحديد مفهوم دار الإسلام ودار الحرب ؟ ٭ في عالم اليوم - ومن الناحية المنطقية البحتة كيف يتم الاتفاق على أمير المسلمين أو إمامهم ذلك إذا سلمنا بجدوى تطبيق دار الاسلام ودار الحرب؟ ٭ هل تمثل الخلافة أصلاً من أصول الإسلام ؟ ٭٭ محاولات للاجابة: بالطبع من الصعوبة بمكان سبر غور الاسئلة الثلاثة المشروعة التي طرحتها لتنفيد دعاوى الدكتور محمد علي الجزولي ولكنها محاولات للاجابة والتي مقصدي منها تنوير القارئ الكريم الحصيف الذي تابع أو قرأ أو وصلت الى مسمعه أفكار وأطروحات الدكتور الجزولي والتي لو تم تحكيم العقل فيها لتم وصفها بأنها مجرد آمال لا سيقان لها لتقف عليها في أرض الواقع المضطرب والذي لولا توقف حركة الاجتهاد ومؤسساته واشخاص لما تطاولت علينا جماعات هنا وهناك تدعي أنها هي الملهمة والمفكرة باسم هذا الدين وتمارس سلطتها في الاجتهاد والفتوى وفي التحليل والتحريم وفق ما ترى بعينها المجردة دون أن تعير التعقل والتدبر والتفكر والتبصر أدني اهتمام برغم أن القرآن الكريم يدعو في عجز الكثير من الآيات الكريمة لممارسة فضائل التعقل والتدبر والتفكر والتصبر وكلها مترادفات فلو استخدمها المسلم العادي دعك من الدعاة والمفكرين لأصبح حال الاسلام والمسلمين غير ما هو عليه الآن والذي حاله يغني عن سؤاله كما يقولون. وللإجابة على السؤال الأول الخاص بتحديد دارالإسلام ودارالكفر فإن الصعوبة تكمن في تحديد الدارين واللتين فرضتهما - كمفهوم - ظروف بدايات الدولة الإسلامية، فقسم المسلمون - من باب التفرقة بين الأماكن التي بها مسلمين والتي بها غير المسلمين على اختلاف مواقفهم من الإسلام.. وحتى مفهوم الجهاد على دار الحرب لم يطبق إلا على الأشخاص الذين أظهروا عداءً بيناَ وواضحاً ضد المسلمين وحاولوا استهداف الاسلام وحربه.. فتطبيق دار الإسلام ودار الحرب بمفهومه السابق يتعذر في عالم اليوم، وذلك لجملة تطورات كثيرة لحقت بمفاهيم النظم السياسية فالآن أصبحت لكل دولة سيادة جغرافية على منطقة محدودة أرضاً وبحراً وجواً ومعترف بها من قبل الاممالمتحدة .. وحتي مفهوم السيادة بمعناه التقليدي هذا بدأ يتلاشى بعد تنامي التطورات التقنية المتوالية والتي حولت العالم كله الى غرفة صغيرة بإمكان من يمتلك أسباب القوة والسيطرة أن يحرك العالم كيف يشاء وهذا بالطبع هو مربط فرس مقاومة الاستفراد الامريكي بالعالم فحرض شبابك للمزيد من الولوج لساحات المعرفة التقنية حتى تتم المجابهة مع امريكا بسلاح العلم والمعرفة فالمعركة الآن معركة «معرفة وكلمة» وبالطبع فإن الاجابة على السؤال الثاني المشروع والخاص بالاتفاق على أمير أو إمام للمسلمين في ظل مفهومية دارالإسلام ودار الحرب يصبح متعذراً لتعذر تطبيق هذه المفهومية في عالمنا المعاصر. ونأتي للاجابة على السؤال الثالث المشروع والمهم والخاص هل تمثل الخلافة أصلاً من أصول الإسلام؟ الثابت أن الخلافة ليست أصلاً من الإسلام وإنما شكل اقتفته مقتضيات مرحلة معينة من مراحل الدولة الاسلامية في بداياتها. وعليه فإن نظام الخلافة بصورته التي طبقت كنمط من انماط الحكم كان هو المناسب للبيئة والظرف الذي لازمه ... لذلك فإن المناداة باستسناخ هذا النمط في عالم اليوم يكون ضرباً من ضروب الاستحالة، ذلك لأن الجمع في فرد واحد بين المؤهلات والمعايير والصفات الدينية والقيمية يصبح متعذراً.. وحتى نظام الخلافة وان استمر حتى أواسط سيدنا عثمان على قدر من الرسوخ فإن رياح المشاكل السياسية الظرفية قد لاحقته على النحو الموضح في التاريخ. بتقديري أن بإمكان أنظمة الحكم في العالم الإسلامي وغيره الاستهداء بمبادئ وإشراقات حكم الخلفاء الراشدين في الحياة السياسية القائمة الآن واستلهام العبر منه ... وحقيقة لا يخالجني أدنى شك بأن مبادئ الحكم الرشيد التي اعتبرتها الأممالمتحدة أساساً ومعياراً للدولة الحديثة قد استمدته من مبادئ وإشراقات حكم الخلفاء الراشدين والدليل على ذلك اعتمادها على مبادئ العدالة والشفافية والمحاسبة والرقابة وهي كلها مبادئ طبقها الخلفاء الراشدون. ٭٭ أصنام القطرية والشعوبية والمواطنة ومن الإشارات التي أطلقها الدكتور محمد علي الجزولي في أطروحات هي عدم اقتناعه بالتقسيمات القطرية والشعوبية وعدم ايمانه بحق المواطنة، واعتقد أن معه حق في ذلك لأن من تقوم مفهومية نظرته لسيادة الدولة على المفهوم التقليدي القائم على دار الإسلام ودار الحرب فإن الطبيعي له الحق في رفض مصطلحات ولدت مع مفهوم الدولة المعاصرة. وفي تقديري أن وصف القطرية الشعوبية والمواطنة بالاصنام يمثل توصيفاً غير دقيق، فالقطرية فرضتها ضرورات تقسيم العالم لدول وأقطار، والشعوبية فرضتها ضرورات الخلق الرباني حيث قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). أما مصطلح المواطنة فقد أرساه دستور المدينة التي وضع وثيقتها الشهيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن بذات الاسم بل بدلالته حين كفلت وثيقة دستور المدينة لغير المسلمين التعايش مع المسلمين طالما ظلوا مسالمين متعاونين معهم غير مظهرين لهم أو لدينهم أية عداءات . ما ينبغي الاشارة اليه هو ان المفهوم المعاصر للدولة في الفكر الاسلامي يصطدم في مقاصده مع مفاهيم وذرائع المجموعات والجماعات التكفيرية والتي تقوم أفكارها المركزية على فقه النهي عن المنكر على النحو الفردي أو الجماعة بحيث يقوم الفرد أو تقوم الجماعة بمباشرة استرداد الحقوق أو توقيع العقوبات والجزاءات بنفسها دون أن تعير أدنى اهتمام لسلطات الدولة القضائية أو الشرطية أوالتنفيذية فمتى ما رأت منكراً أو حقاً مضيعاً قامت بإزالة المنكر بنفسها وقامت باسترداد الحق بذات الطريقة دون مراعاة لايّ آثار تطرأ نتيجة قيامها بإزالة المنكر أو استرداد الحق والذي له مبدأ قانوني راسخ في كل القوانين والشريعية الإسلامية، وهو مبدأ عدم التعسف في استخدام السلطة. ٭٭ التكفير الدموي والتفكير الدموي قلت سابقاً إن «تيار الأمة الواحدة» الذي تبناه الدكتور محمد علي الجزولي مقاصده حميدة لكنه يستبطن الكثير من الأفكار الدموية التي جاءت كنتاج طبيعي للتفكير الدموي لدى هذه الجماعات والتي في ظني من بينها جماعة «تيار الأمة الواحدة» والذي نادى عرابه الدكتور الجزولي بملء فيه باستهداف الامريكان اشخاصاً ومؤسسات في كل أنحاء العالم دون أن يحدد لنا مرجعيته الإسلامية في ذلك برغم قوله إن تيار الأمة الواحدة يعتمد منهج عقيدة أهل السنة والجماعة والتي يعرف القاصي والداني أن مرجعيتها هي الكتاب والسنة وهذا يجعلنا نسأل السؤال المهم والمشروع بل والخطير وهو ما هي المسوغات النصية القطعية الدلالة التي تعتمدها جماعة «تيار الأمة الواحدة» للتنكيل بالامريكان؟ والاجابة من عندي ستكون لا مرجعية نصية لذلك من الكتاب والسنة، وإنما المرجعية هي أن جماعة «تيار الأمة الواحدة» الذي جهر بأهدافه الدكتور الجزولي قد استنسخت فكرة الجبهة الإسلامية للجهاد واستصحبت فتاويها في ضرب الأهداف الامريكية وهذا هو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله من هذه المراجعات المتعمقة في اطروحات الدكتور محمد علي الجزولي.