دفعوا مقابل الموت ما لا يقل عن تسعة آلاف جنيه سوداني لكل فرد، ركبوا متزاحمين في سيارات الدفع الرباعي، اتفقوا مع المهرّب في سوق ليبيا ، انتظروا سيارات المهربين خارج مدينة أمدرمان حتى لا تشعر السلطات الأمنية بانطلاقهم، ركبوا السيارات وكلهم أمل في توديع حياة الفقر والغبن ، ثم تخلى عنهم المهرّبون قبل الوصول إلى الحدود الليبية بالشمال الغربي للسودان، حيث يتعين عليهم الوصول إلى هناك سيراً على الأقدام.. المأساة نفسها بكل مشاهدها التراجيدية تتكرر في مناطق أخرى لسودانيين حاولوا التسلل .. الضحايا هم شباب بعضهم لم يتعد سنه 17 أو 18 سنة ، والصحراء الكبرى تودع يومياً العشرات من الشباب السودانيين وغيرهم.. وربما تحصد أرواح بعضهم الذين يلقون حتفهم عطشاً وجوعاً في تلك الصحراء القاحلة... والذي يحالفه حظه يقع في فخ عصابات الإتجار بالبشر الذين يرابطون على الحدود لإبتزاز أسر المهجرين عبر أبنائهم ، إذ يفرضون عليهم مبالغ مالية ضخمة حتى يتعين عليهم الدخول لليبيا... ذات المشاهد تتكرر في مناطق أخرى وفي ظروف أخرى لكن القاسم المشترك بينهم أنها لسودانيين ينشدون الهجرة إلى بلاد الله الواسعة ، رحلات محفوفة بالمخاطر يخوضونها والموت يحدق بهم.. إما في قلب الصحاري أو في أعالي البحار وسواحلها.. أحد هؤلاء المهجرين قال ل(الوطن) عبر الهاتف بعد وصوله إلى الأراضي الليبية إنه مر بتجربة مريرة مع شبكة الإتجار بالبشر الذين فرضوا عليهم أموالاً طائلة للسماح لهم الدخول ، وذكر أنه مكث ما يقارب الأسبوعين في إنتظار تسليم المبلغ من أسرته التي بذلت ما في وسعها للتحصل عليها.. وحكى آخر عن المعاملة القاسية التي يجدونها من شبكة المهربين ، وقال إنهم بعد أن يتم القبض عليهم يقومون بوضعهم في غرف صغيرة جداً «كرفانات» لا تسع للعشرات من المقبوض عليهم ، مشيراً إلى أنهم بعد ذلك يطلبون منهم الإتصال بأسرهم لتوفير المبلغ مع زيادة قيمته بمتوالية كلما تأخر تسليمه لهم.. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لمنع ومحاربة تلك الظاهرة الإ أنها في بعض الأحايين يحالفها الفشل مقارنة بالأعداد المهولة التي تنجح في العبور ، وقد أعلنت موخراً إدارة الهجرة غير الشرعية في ليبيا عن ترحيل 90 مهاجراً سودانياً إلى الخرطوم عن طريق مدينة الكفرة، مروا بمنفذ السارة والعوينات الحدودي البري، وأشارت إلى غير أنها وجود 700 شخص من جنسيات مختلفة يرغبون بالخروج إلى تشاد والسودان.. وذكر مكتب الإيواء والترحيل بإدارة الهجرة غير الشرعية الكفرة الليبية، أن وحدة الترحيل بالمدينة رحلت 160 مهاجراً غير شرعي إلى دولتي السودان وتشاد ، وقال إن عدد المهاجرين المرحلين بلغ 70 مهاجراً إلى تشاد و 90 مهاجراً سودانياً إلى الخرطوم عن طريق مدينة الكفرة مروا بمنفذ السارة والعوينات الحدودي البري... وفي المقابل تستقبل السواحل الاوروبية ، يومياً المئات من المهاجرين غير الشرعيين من دول افريقية وعربية.. ويتم احتجاز معظمهم في معسكرات لجوء.. ويلقي العشرات حتفهم غرقاً، أو يقعون ضحايا في يد عصابات الاتجار بالبشر. ووثقت منظمات حقوقية، بينها هيومن رايتس ووتش، ضلوع مسؤولي أمن سوادنيين ومصريين في عمليات الاتجار بالبشر وتهريب البشر، ومعاونة المتجرين بالبشر. وأكدت الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون العملياتي في الحدود الخارجية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أن عدد المهاجرين ولاسيما الأفارقة قد زاد خلال الفترة الأخيرة في محاولة للوصول إلى أوروبا، وذلك طبقًا لما ذكرته صحيفة اليوم السابع. وقالت الوكالة حسبما ذكر راديو «فرنسا الدولي» إن عدد المهاجرين ارتفع بنسبة 500% خلال عام. مضيفة أن أكثر من 78 ألف شخص وصلوا عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا وكذلك إلى مالطا وذلك منذ مطلع العام الجاري. وأوضحت أن الطريق بين ليبيا وإيطاليا يبقى الأكثر ازدحامًا.. مشيرة إلى أن هناك تدفقًا للمهاجرين على ليبيا قادمين من سورية وإريتريا والصومال وأيضاً السودان رغبة منهم في الوصول إلى الجزيرة الإيطالية الصغيرة «لامبيدوزا» أو «مالطا» للتوجه إلى فرنسا والمملكة المتحدة. وأفادت بأنه في النصف الأول من العام 2013 حاول12.915 مهاجر تحقيق هذا الهدف.. ملمحة إلى أنه خلال نفس الفترة من العام الحالي بلغ عدد المهاجرين 78.300، حيث يعد هذا الرقم أعلى بالفعل من الرقم الذي تم تسجيله خلال «الربيع العربي» العام 2011م