[email protected] تحدثنا في الحلقة السابقة عن الوالي وقلنا هو الشخص الذي يُعيّنه رئيس الجمهورية حاكماً على ولاية من ولايات الدولة وهو حاكماً عليها ، او ينتخب من شعب الولاية بعد استيفائفه كافة الشروط حسب قانون الانتخابات في السودان. وتطرقنا الي بطانة الحكام ، واليوم وبشئ من التفصيل نتحدث عن اثر هذه البطانة علي عدل الحاكم وظلمه ، إن أحد أسباب تمادي الحكام الظلمة في ظلمهم هم بطانة السوء وإعانة بعض الرعية الظالم على ظلمه. قيل في «أنيس الجليس»(42):» إن السلطان إذا كان صالحاً ؛ ووزراؤه وزراء سوء منعوا خيره، فلا يقدر أحد أن يدنو منه،ومثله في ذلك مثل الماء الطيب الذي فيه التماسيح، لا يقدر أحد أن يتناول منه شربة واحدة وإن كانت له حوجة ماسة وعطش قاتل ، المُلك زينته أن يكون جنوده ووزراؤه ذوي صلاح؛ فيسددون أحوال الناس؛وينظرون في صلاحهم . نجد أن هناك أسباباً كثيرة لفساد الحاكم ، لعل من أهمها بطانة السوء التي تحيط بالرجل فتضيق عليه الخناق، وتزين له ما حرم الله عز وجل، لأن هذه البطانة منحرفة، فتريد أن ينحرف معها هذا المسئول؛ ومن هنا تختل قواعد الأمن والعدل في هذه الحياة، وحينما تختل قواعد العدل تفسد الحياة كلها. هناك اساليب عديدة عبرها تفسد هذه البطانة الفسادة الحاكم حتي اذا جاء الي الحكم وهو رجل عادل ورع يخشي الله ، ومن هذه الاساليب تملُّق البطانة ونفاقها ، وهذا كثيراً ما يدفع الحاكم إلى الغرور والاستبداد برأيه ثم إلى الطُّغيان ومجاوزة الحدود حيث يجد تأييداً مطلقاً من البطانة المنافقة لمواقفه استرضاءً له. تعمل البطانة الفسادة علي تحقيق طلب رضا ذوي السلطان واهله وعشيرته بكل وسيلة ، فبطانة السوء هي التي تتقرب إلى ذوي السُّلطة بما يغضب الله ويرضيهم، كمدحهم بما ليس فيهم، والتذلل لهم لتحقيق هدف نفعي هو في الغالب جمع المال أو إحراز الجاه أو كلاهما، إن الدافعين الأساسيين لهذا النوع هما: الطمع والخوف , أو الرغبة والرهبة. فتزين للحاكم ما يقوم به من أعمال وإن كانت غير صائبة. ومن بين الاساليب ، المدح الكاذب وتقديم القرابين ، يقول العطار: «وأكثر ما تتقرب بطانة السوء إلى الحاكم بالثناء عليه، وتزيين أعماله , وتقديم الهدايا له، لتظفر منه على موافقته على مآرب غير مشروعة، أو تجعله يغض الطرف عن مفاسدهم، واستغلال نفوذهم». فهذا التملُّق والنِّفاق كما سبق قائم ومبني على أساس حب المناصب والثروة. إنّ بطانة السوء تقوم بدور الشيطان وسوسةً وتزييناً للباطل، يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. إنّ بِطانة السوء تمنع الحاكم من رؤية الحقيقة بسبب تزيينهم له الباطل، وتشجع الظالم على الاستمرار في ظلمه وفساده وبغيه، بل وربما زيّنت له توسيع دائرة الظلم والفساد. وإنّ أخطر أنواع البِطانات السيئة هم أولئك الذين يلبسون ثوب الخلق والفكر والدّين ، ويعتبرون أنفسهم الأحرص على مقدرات الأمّة ومستقبلها، والأخطر من ذلك أن يقوموا بعزل الحاكم عن النّاس كي يبقى بعيدا عن الحقيقة؛ ذلك من أجل المحافظة على مراكزهم ومكتسباتهم وشركاتهم ووكالاتهم !. نلتقي في الحلقة القادمة.