«الصورة لا تكذب»، مقولة يبدو أن التكنولوجيا هزمتها بجدارة، من خلال انتشار عدد كبير لصور المشاهير ونجوم المجتمع والسياسة فبركت باحترافية عالية وتحمل اشارات ورسائل لقضية محددة، فالصور التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر) وأردفت بمئات التعليقات والتغريدات لوزير المالية السابق علي محمود إبان تصريحاته عن:»البيتزا واستبدالها بالكسرة»، وجسدته يرتدي (روب طباخ) ويحمل في يده انية بيتزا كانت كافية لهزيمة مقولة(الصورة لا تكذب). على مر التاريخ لم يستثنَ السياسيون ورجال الحكم من الشائعات، وفي الماضي كانت تتناقل شفاهية، ولكن مع التقدم العلمي والتكنولوجي عززت الشائعات بالصور المفبركة، فبعد ساعات من اجراء رئيس الجمهورية عمر البشير لعملية جراحية تناولت الوسائط صورة توضحه بثوب أبيض ويستلقي على سرير بالمستشفى وبقربه طبيب (هندي) الجنسية، وبعد دقائق أيضاً تمكن احد المحترفين من اثبات فبركة الصورة والاتيان بالصورة الحقيقية وكانت لمريض مستلق باحدى المستشفيات خارج البلاد، ثم انتشرت ذات الصورة بعد تزييف وجه المريض ووضع وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مكانه. مقاطع فيديو كثيرة منتشرة وغالباً ما تحمل فضائح، تزيف بوضع صور مشاهير عليها، اضافة الى تزييف الاحداث والوقائع الحية وعادة ما تكون لخدمه اجندات، وأحياناً يقوم بها هواة لاغراض التسلية، فالفيديو الذي تم تداوله بعد ساعات أيضاً من افتتاح معبر (اشكيت) بين مصر والسودان، وحوت مشهداً من انهيار خيمة الاحتفال على رؤوس الحاضرين وخاصة الوزراء المصريين، كذبها شهود عيان كانوا حضوراً للحفل، وجزم احد الحاضرين بأنه آخر من غادر الخيمة لحاقاً بالوفد السياسي والتنفيذي والإعلامي الذي مضى لاكمال الافتتاح في الجانب المصري عابرين الحدود، شاهد العيان أكد أن جزءاً من مؤخرة الخيمة المعدة للاحتفال انهار بعد مغادرة الوفد، وأن ما حواه الفيديو غير صحيح بالمرة، مما أحدث ربكة لغير الحاضرين وقتها ممن شاهدوا مقطع الفيديو المثير للجدل، وباتت الحقيقة غائبة حتى الآن حول صحة ما حدث بالخيمة. (2) الضجة التي خلفها مقطع الفيديو الشهير، والذي عرض حديث لشاب يرتدي ملابس منزلية ويردد عبارات خادشة للحياء ويحمل زجاجات خمر ، كانت كافية لاطلاق شائعات روجت لأن رجل الفيديو هو أحد الوزارء الولائيين نسبة لشبه شديد بين الرجل والوزير المعني، مما دفع الوزير لنفيه نفياً قاطعاً، إضافة الى الصورة التي اتنشرت وتوضح شاب من الجنس الثالث، مرفقة بخبر أن الشاب تم القبض عليه بمدينة الفاشر عاصمة ولايه شمال دارفور في احد محال الشيشة وأودع السجن، وهو بالطبع ما نفته السلطات بالولايه بأن الشاب الذي قبض عليه لا علاقه له بالصورة وانها لشخص آخر. ومن آخر السياسيين ضحية للتزييف التكنولوجي للصور كان بروفسيور مأمون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم، وجاءت بعد تصريحاته الاخيرة المتعلقة بتناول (الضفادع) كوجبة معللاً بأنها غنية بالبروتين، حيث صمم ساخطين على حديث الوزير باعتباره استفزازيا، ووضعوا رأسه على جسد رجل صيني يحمل بيديه ضفدعين من ذوات الحجم الكبير، وكتبوا عليها:»علينا جاي علينا جاي ضفادع بالكيلو»، علق عليها حميدة قائلا:» لا تزعجني، وأى شخص في موقع عام يمكن أن يصور في شكل ضفدعة أو شئ آخر. فأنا أخذتها من مآخذ التسلية، فأنا زوجتي كلما تصبح الصباح تضحك و(توريني) نكتة من النكات، ومرات تقول لي الليلة ما جابوا حاجة، فنحن تعاملنا مع الموضوع من ناحية ضحك وتسلية». (3) في العالم الأول تخصصت شركات ذائعة الصيت في فبركة الصور، عبر استخدام تقنيين ذوي خبرات عالية في الامر، وهو ما أكدته احدى الصحف الامريكية في تحقيق نشرته حول حجم مبيعات الصور المزيفة، وقالت الصحيفة:»حجم مبيعات الصور المزيفة على موقع تويتر لعام 2013 ، بين 40 مليون الى 360 مليون دولار، وحجم مبيعات التزييف على فيسبوك هو 200 مليون دولار، واضافت: من الغريب أن نكتشف أن موقع الحكومة الأمريكية لجأ الى مثل هذا التزييف، وحصل على 400 ألف إعجاب، كما ارتفع عدد متابعيه من 10 آلاف الى مليونين ونصف مليون متابع فجأة على صفحتهم في فيسبوك، حدث هذا خصوصاً في مكتبهم في مصر، وانتقد أحد المفتشين هذه الشعبية التي كلفت 630 ألف دولار من خزينة الدولة، ما يعني أن الموقع سيتوقف عن الانفاق على هذه الخدمة»، ومن الجانب الآخر تخصص عدد من المدونين الالكترونيين في متابعة مثل هذه الصور وكشف التزييف فيها.. وصاروا يطلقون على أنفسهم ( شرطة الفوتوشوب) ، وتجد على مدوناتهم أمثلة كثيرة ومثيرة للصور المحورة بواسطة الفوتوشوب، محاولين ترسيخ حقيقه أن ليس كل صورة ملتقطة حقيقية، بحسب ما نشر بالصحيفة الامريكية. أكد عضو هيئة علماء السودان د.إبراهيم الكاروري في حديثه ل(الوطن) أن قضية تزييف الصور وفبركتها تقع تحت طائلة الكذب والتزوير وإشانة السمعة اذا هي افتراء بالباطل وهو أمر محرم شرعاً، وأردف الكاروري:»حتى وإن كانت من باب السخرية فهي لا تجوز شرعاً لأنه من الممكن أن تتطور القضية وتمضي لأكبر من ذلك». خبيرة علم الاجتماع انتصار بشير أوضحت في حديثها ل(الوطن): أن الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على انتشار صورة مفبركة لاحدهم حتى وان كان من الناشطين في العمل العام أو مسؤول حكومي بالطبع ليست هينة، فمهما حاول الشخص الضحية اظهار اللامبالاه وعدم الاكتراث إلا أنه يتأذى نفسياً منها، وخاصة إن دخلت في اطار اغتيال الشخصية او السخرية، خاصة وأن أخبار المشاهير أكثر وأسرع انتشاراً من الاشخاص العاديين، لذلك عادة ما يخضع السياسيين في الدول الغربية لجلسات تأهيل نفسي بعد مثل هذه الحملات. أشار المصور الشاب أحمد الجيلي في حديثه ل(الوطن) أن مسألة مصداقية الصورة باتت في خطر، وذلك من جانب أن الصورة تمثل صلب الاأدلة القاطعة، ولكنها لم تعد محل ثقة كما كانت عليه في الماضي بعد التطور التكنولوجي الذي أتاح عملية التلاعب بها وتزييفها.