يعتبر الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، هو تجسيد فريد للشخصية السياسية المعاصرة المتكاملة في جميع ابعادها، هذا التكامل هو الميزة التي يتفرد بها عن جميع رموز الاجتهاد والنهضة والاصلاح وهو السياسي الزاهد، وقد استطاع ان يحدث يقظة وصحوة في الفكر السياسي، وان يطلق حركة الحوار نحو الامام ويحررها من كثير من القيود والاغلال التي كانت تكبله، فهو ابو المبادرات الوطنية، لاشك ان مبادرة الحوار الشعبي الشامل التي قادها الشريف زين العابدين الهندي حدث سياسي مهم يستحق دراسات واسعة، فلاول مرة في العصر الحديث يكون هنالك خط سياسي محدد المعالم واضح الاتجاه. قيمة هذا الخط ليس في محتواه الفكري والسياسي والجهادي، وانما في انبثاقه عن عمق الوجدان الشعبي، ومن آلام الامة وآمالها وعذابها وطموحاتها وحضارتها ورسالتها. ولهذا السبب بالذات تبنت جماهير الحزب الاتحادي الديمقراطي خط الشريف بوعي وبصيرة وبكامل ابعاده الفكرية والسياسية والجهادية، ونزل الخط وما يستتبعه من وعي ورؤية سياسية الى الشارع مستفيداً من تجربة الشهيد الشريف حسين الهندي في معارضته للنظام المايوي، فالوعي السياسي في الغالب يخص طبقة ممتازة في المجتمع هي (النخبة الواعية) ويبقى له تأثيره وتحريكه في داخل الامة، وذلك بفعل النخبة، فاذا انتقل الوعي من هذه الطبقة الى الشارع ونزل الوعي والخط السياسي بكل ابعادهما وحدودهما من غير عوج ولا انحراف تحولاً الى قوة محركة هائلة، وقدرة سياسية كبيرة وقلما يكون ذلك..فعندما كانت الانقاذ سلطة قابضة لا تعترف بالآخر وكانت الحرب تدور في جنوب السودان وشرقه والتجمع الوطني وظهور الحركات المسلحة بدارفور وتشديد الحصار الدولي على السودان وظهور خريطة تمزيق السودان لعدد من الدول في اطار نظام الشرق الاوسط الجديد، وفي هذه الاثناء تحركت قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي ممثله حينها في الامين العام للحزب الشريف زين العابدين الهندي الذي اختط الطريق الثالث وهو طريق الحوار الوطني، فالتقى في القاهرة منتصف 96بالرئيس عمر حسن البشير الذي رحب بالحوار الوطني وفتح صدره للمبادرة التي قادها الشريف وهي مبادرة الحوارالشعبي الشامل ، حيث قام الحزب الاتحادي بتكوين اربع لجان للاتصال ومحاورة كافة الاحزاب والتنظيمات السياسية والتي رحبت بها، وجاء وفد المقدمة وبدأت الحريات تنداح رويداً رويداً، ثم جاء دستور 1998م الذي اقر التعددية وحرية التعبير والتنظيم وحرية الصحافة، وارجاع الممتلكات المصادرة للاحزاب السياسية ثم جاء قانون تنظيم الاحزاب الذي بموجبه عادت الحياة السياسية لاحزاب المعارضة، لقد جاءت مبادرة الحوار الشعبي الشامل وهي تتضمن 6مرتكزات اساسية والتي لم يكن فيها مطالب تقسيم سلطة او ثروة، وان ما اعقبها من اتفاقيات كنيفاشا وجيبوتي مع المهدي وجده الاطاري مع الميرغني لم يخرج عن هذه المرتكزات، فبعد 18عاماً تأتي دعوة الرئيس البشير لكافة القوى السياسية والاحزاب والحركات المسلحة للحوار الوطني باعتباره المخرج الوحيد لمشكلات البلاد وهي بمثابة تجديد دعوة لمبادرة الشريف زين العابدين الهندي الذي يمتاز عن اقرانه ببعد النظر والقراءة المتأنية والواقعية لحال ومستقبل السودان لذلك نرجو من كل القوى السياسية حاكمة ومعارضة ابداء حسن النوايا واعلاء قيم الحوار والديمقراطية بهدف اخراج البلاد من المأزق التاريخي الذي وصلت اليه بموجب المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق القيادات السياسية حاكمة ومعارضة من اجل وطن يسع الجميع وفق ممارسة ديمقراطية راشدة.