تعودنا على حال كهذا منذ عهود سابقة، وألفنا هذا التحول السريع وكنا ننتظر ربما قرارات في مجال أرحب لكنها جاءتنا على هامش الانتظار. هذا ليس حكم او اصدار فتوى في شأن القرار الاداري الاخير الذي صدحت به كل الصحف بالامس، والذي افضى لكثير من الثرثرة واسال مداداً اكثر وظننا أن قرارات السموأل الاولى ستكون في شأن الصعوبات المالية والواقع المذري والطارد الذي يعيشه اعلاميو القناة السودانية القومية، وانتظرناه يأتي في القلب فاذا بالقرار يخرج على الوجوه. فقرار منع ارتداء قارئات نشرات الاخبار لملابس السهرة او البدل وعدم استخدام الحناء بالرسم للمتزوجات منهن الذي اصدر امس الاول، استحق منا التوقف عنده لأنه اشارات قد تكون سالبة، ويرى البعض انه شبه اعادة لايام الانقاذ الاولى لتلك الحقبة التي يسميها البعض «ظلامية الشاشة الانقاذية» وايضاً لانه فاجأ الجميع وجاء كما لم يكن متوقعاً وغير متبوعاً باية قرارات اخرى. آراء الرجال داخل القناة القومية وقارئ الاخبار اجتمعت كلها تقريباً او اغلبها في أن القرار اذا تم تنفيذه بالطريقة الصحيحة سيكون في مصلحة العمل لأنه كان من المتفق عليه أن المذيعات تشغلهن الازياء والحناء والاكسسوارات والظهور اجمل طوال اليوم عن الاهتمام بالتقديم، وهو ما قصده بعضهم في اوقات قليلة واعتبره البعض الآخر بشكل دائم وطوال الوقت. الموجهات الاخيرة كما علمنا انها ليست بالجديدة تماماً اذ سبق وتم اصدار موجهات شبيهة لاكثر من خمس او اربع مرات لكنها لم تنزل الى حيز التطبيق مطلقاً وان طبقت فهي لا تدوم سوى ايام قليلة فقط. الموجهات التي اصدرها مدير التلفزيون ومدير الادارة العامة للاخبار والشؤون السياسية نصت على الآتي:- 1/ يمنع منعاً باتاً ارتداء ثياب السهرات ذات الالوان الصاخبة 2/ يمنع ارتداء البدل للمذيعات مهما كانت الظروف 3/ يفضل ارتداء الثياب السودانية ذات الالوان السادة 4/ يفضل استخدام المكياج بصورة مناسبة 5/يفضل الاكتفاء بالحناء فقط للمتزوجات ويمنع استخدام الرسومات وبهذه الموانع والتفضلات ينتظر أن تكون الموجهات قد سرت منذ امس. القضية بطابعها الخاص الزمتنا أن نحاور الطرف الاساسي في هذا الموضوع وهو المذيعات وتحديداً قارئات نشرات الاخبار نازك ابنعوف.. واحدة من نجمات الاخبار السودانية، وتكاد تكون من الاصوات الاقدم في نشرات الشاشة القومية. قالت:«انا لا اعتقد أن القرار فيه ضرر. بالعكس فنحن كنا وبسبب الظرف الاقتصادي لا نرتدي الثياب المرتفعة والازياء غالية الاثمان، بل حتي اننا ننتظر الترحيل ولا نقود سيارتنا الخاصة لأنه لا يوجد مال للوقود. وعلى ما اعتقد لن تواجه اية مذيعة من المذيعات صعوبة في تنفيذ هذه الموجهات والعمل بها. نازك بإفادتها هذه، بينت حقيقة قد تكون تجاهلناها في حديثنا وهي أنهن كمذيعات يعانين من الظرف الاقتصادي الصعب، لذا لا يمكن لهن شراء ثياب فاخرة واكسسورات مرتفعة الاثمان. واضافت «نحن في اوقات كثيرة تكاد تكون دائمة نرتدي ذات الثياب فقط نبدل الطرحة وفي احايين يتم تقطيع الثوب لطرحة ليتم ارتداؤها. اذن.. هذا جانب اوضحته نازك ذات الخبرة في هذا المجال والتي سبق لها العمل تحت قيادة مدراء آخرين. اماني عبدالرحمن ايضاً صوت نسائي اشتهر في مجال قراءة النشرات، قالت «الموجهات التي صدرت ليس لدينا اي اعتراض عليها، ونحن نتقبلها بكل ما جاء فيها، فقط انا ارى أن الحناء هي موروث شعبي سوداني يميز المرأة المتزوجة وانه لم يكن من ضير فيها، وتمنيت لو أن الاخوة في الادارة جلسوا معنا وتناقشنا في وجهات النظر وتبادلناها، اذ سبق وأن اصدر المدير السابق الطيب مصطفى قراراً شبيهاً لكنه قبل انزاله اجتمع بنا واقنعنا بوجهة نظره. إذن.. هذا صوت آخر لم يرَ في الموجهات جديد ولا اي ضير، لكنه أفاد بضرورة مراعاة ظروف العاملين وهو ما قصدته بالشورى. وربما الحقيقة التي لابد من اصطحابها في مثل هذه القرارات، إن الحناء هي موروث سوداني متفرد يميز نساءنا عن سائر نساء العالمين. وفي رأينا إن منع الرسومات بالحنة فيه كثير ضرر لعلمنا إنها سلوك نسائي سوداني موروث ومتعارف ومتفق عليه لا يضير من ظهور المرأة بها في اي مكان. وإن ارتباط المذيعة يجعلها تشارك في كل المناسبات خاصة الافراح التي تستدعي النقوش ورسوم الحناء. وقرار مثل هذا قد يجعل منها طالبة مرحلة اساس التي يتوجب عليها أن تساهر الليل وهي «تحك» يدها خوفاً من طابور الغد في حال إنها كانت لديها مناسبة تسبق ورديتها بيوم او يومين.مع كل ما سبق ذكره، لا يمكن أن نذهب أبعد من هذه القرارات ليست جديدة لكنها حملت بمادتها الاخيرة المتعلقة بمنع الحناء الكثير من الضغوط على المتزوجات من المذيعات وعلى بقيتهن باعتبار أنهن سيدخلن قفص الزوجية يوماً ما. والآن سيكون على إدارة التلفزيون أن تكون أكثر موضوعية في قراراتها، وقبل ذلك في إدارتها لأن ما يبعد الناس عن الشاشة القومية ليس ثياب المذيعات ولا نقوش الحناء، ولكنه مجموعة أسباب اخرى كلنا نعملها. وإن كان القصد هو توفير قارئ نشرات بمواصفات سودانية، فالموجود هو التدقيق في الاداء والنطق والصوت وحل مشكل حرفي الغين والقاف الذي بدا يجتاح اخبارنا بشكل عام. والي حين صدور قرارات مُرضية سنتساءل مع صدور هذا القرار، هل سينخفض سعر كيس الحناء في مقابل زيادة عدد متابعي نشرة الاخبار على القناة القومية؟.