فوجئت "صفاء" بالسرعة التي تجمعت بها حبات الرمل الصغيرة البيضاء على ملابسها وهي ممددة باسترخاء على الأرض لأخذ بعض الراحة على الطريق مع غيرها من ركاب البص الذي كان متجهاً من العاصمة الخرطوم إلى الولاية الشمالية. سرعة الرياح كانت عادية، لكن حبيبات الرمال كانت تزحف بدأب في تلك الأنحاء الرحبة مكونة تلالاً وكثباناً متفرقة، فأحست حينها بالرعب وهي تتخيل أنها قد تُقبر حية لو غفت لساعة أو ساعتين مع هذه السرعة في معدل زحف الرمل. بهذه البساطة صار التصحر أخطر ما يهدد الأراضي الزراعية في السودان، إذ إنه يعد الخطر البيئي الأول. وخسر السودان خلال السنوات الخمس الماضية فقط، ما يتراوح بين 250 ألف 1,3 مليون هكتار من مساحة غاباته الكلية وفقاً لدراسة حديثة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو). ووضعت الدراسة السودان ضمن نطاق مناطق العالم التي تناقصت مساحة الغابات فيها بمعدل يتراوح بين 50 ألف - 250 ألف هكتار سنوياً خلال الفترة الممتدة من 2005- 2010. وعي مبكر " سعاد محمد صالح من قرية البركل تخشى أن تندثر قريتها عما قريب وتصير أطلالاً إذا لم يتوفر حل لهذا الزحف خاصة إن أقدم مدرسة ابتدائية بالقرية حاصرتها الرمال "وبدأ الحديث عن التصحر في السودان منذ الأربعينيات من القرن الماضي، لكن رغم الوعي المبكر، إلا أن التصحر مازال يتفاقم يوماً بعد يوم، مهدداً السكان في زرعهم ورعيهم، حيث تمتد الأراضي القاحلة وشبه القاحلة في مساحة تزيد عن 51% من إجمالي مساحة السودان. ومن داخل هذه الأراضي القاحلة تقول سعاد محمد صالح من قرية البركل على الضفة الشرقية للنيل بالولاية الشمالية، وهي تقتلع قدميها بصعوبة من الرمال الكثيفة: "إن الرمال تجمعت خلف أسوار البيوت في أطراف القرية حتى صارت مع مستوى السقف تماماً.. ويمكنك أن ترى من على الطريق وبسهولة ما بداخل هذه المنازل، إذا ما سرت فوق الكثبان الرملية". وتضيف أنها: "تخشى أن تندثر هذه القرية عما قريب وتصير أطلالاً إذا لم يتوفر حل لهذا الزحف خاصة إن أقدم مدرسة ابتدائية بالقرية حاصرتها الرمال من جميع الجوانب ما استدعى إغلاق جزء كبير منها وإعادة تخطيطها من جديد". تصحر متنامي يقول خبير الجغرافيا والاستشاري بمكتب خدمات البيئة والتنمية بروفيسور محمد عثمان السماني لوكالة الأنباء السودانية إن ثلثي السودان الشمالي متأثر بالتصحر، وتنحصر المناطق المتصحرة في السودان بين خطي العرض 10-18 درجة شمال في مساحة تعادل بالتقريب 51% من مساحة البلاد. ومن الأسباب الهامة التي أدت إلى ظاهرة التصحر إزالة الحشائش والغابات، للاستخدامات المنزلية والصناعة، بجانب الزحف السكاني على مناطق لم يكن يصلها الإنسان من قبل. ويشير عضو هيئة المستشارين - قطاع البيئة بمجلس الوزراء البروفسور تاج السر بشير إلى أن الخطورة الكبرى تتمثل في زحف الكثبان الرملية النشطة بالولاية الشمالية بمتوسط 15 متراً في العام تجاه مجرى النيل، مسببة الهدام. أما القيزان الثابتة والمنتشرة بغرب السودان فتنتقل حبيبات الرمل من سطحها الهش إلى مشروع الجزيرة عبر النيل الأبيض وتغطي مساحات كبيرة لا تقل عن 15% من مساحة المشروع. والحل في رأي خبير الغابات كامل شوقي يكمن في كلمة واحدة هي (الشجرة)، ولكن من يقوم بتمويل تكاليف زراعتها الباهظة؟