السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء أيام كارلوس في الخرطوم.. أسئلة السياسة
نشر في شبكة الشروق يوم 06 - 12 - 2011


بقلم: السر السيد
كاتب وناقد درامي
مدخل:
كثيرة هي الأعمال الأدبية والدرامية التي نهضت على وقائع وأحداث قامت بها المخابرات، ويلاحظ أن معظم هذه الأعمال كانت تأتي في سياق الإشادة وإبراز إنجازات هذه المخابرات أو تلك، وبالمقابل إخفاقاتها وتعسفها.
وهنا يمكن أن نشير إلى التجربة المصرية في دراما التلفزيون وفي السينما ولعل من الأمثلة هنا نذكر مسلسل رأفت الهجان وفيلمي الطريق إلى إيلات والكرنك على أن أهم ما يمكن ملاحظته في التجربة المصرية هي محاولتها الدؤوبة في إبراز قوة المخابرات المصرية وقدراتها الفائقة في اختراق العدو...
اتكاء على هذه التجارب أحاول أن أقدم قراءة حول مسلسل أيام كارلوس في الخرطوم الذي كتبه الصديق عادل الباز ونشر في حلقات يومية في صحيفة "الأحداث" وذلك عبر تساؤل وحيد هو كيف قدم المسلسل المخابرات السودانية؟ وهل قدمها أصلا أم قدم أفراداً منها؟.
هذا التساؤل بالضرورة يستبطن محاولة الكشف عن الهدف أو الأهداف التي سعى المسلسل إلى تحقيقها والتي هي بالضرورة أهداف سياسية بحسبان أن المسلسل ينهض على قضية سياسية في المقام الأول بمعنى هل أراد المسلسل على سبيل المثال أن يبرز قوة المفاوض الفرنسي؟.
وعلى سبيل المثال أيضاً هل أراد المسلسل أن يصنع بطولة لأفراد بعينهم في المخابرات السودانية؟
؛؛؛
عادل الباز قدم له التلفزيون السوداني في فترة التسعينيات عدداً من الأعمال الدرامية القصيرة ميزة تميز بها على غالبية كتاب الدراما التلفزيونية السودانية وهي استناده على نصوص سابقة في القصة أو الرواية
؛؛؛
إشارة أولى:
سبق للأستاذ عادل الباز أن ولج مجال الكتابة الدرامية من قبل، فقد قدم له التلفزيون السوداني في فترة التسعينيات عدداً من الأعمال الدرامية القصيرة كسلسلة (بالله شوف) وسلسلة (قصص)، كما قدم له مسلسلي (قبل الشروق) و(عدو الأصفار) كما أنه كان قد شرع في عمل سيناريو لرواية عرس الزين للطيب صالح.
وما نلاحظه في تجربة عادل الباز في الكتابة الدرامية ميزة تميز بها على غالبية كتاب الدراما التلفزيونية السودانية وهي استناده على نصوص سابقة في القصة أو الرواية أو أي حادثة حدثت بالفعل في الواقع المعيش، فعلى سبيل المثال مسلسل قبل الشروق كان في الأصل قصة لإسحاق فضل الله ومسلسل عدو الأصفار كان في الأصل قصة لعلي يس، لذلك لم يكن غريباً عليه أن يستند في مسلسل أيام كارلوس في الخرطوم على وثائق المخابرات السودانية ذات الصلة ب(كارلوس) منذ اكتشاف وجوده في الخرطوم انتهاءً بتسليمه للمخابرات الفرنسية وكذلك على الكثير مما دون في سيرة كارلوس.
إشارة ثانية:
يقول عادل الباز: "مزجت هذه الرواية الحقيقة بالخيال فأنتج هذا النص" وأسئلتنا هنا هي:
ما هو الخيال وما هي الحقيقة في هذا النص؟
ما هي حدود الخيال وما هي حدود الحقيقة؟
أيهما هيمن على الآخر الحقيقة أم الخيال؟
ثم ما هي مساحة الخيال المشروعة في وقائع تتصل بالأمن القومي السوداني وجهاز استخباراته؟
أما السؤال الأكثر أهمية فهو: ما هي التقنية السردية في المسلسل التي من خلالها تتم إدارة ما هو خيالي وما هو حقيقي؟ بمعنى كيف تم بناء القول الكلي للمسلسل الذي ينتج من بناء الشخصيات وإنتاج أقوالها وبناء الأحداث وترتيبها؟
الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها هو ما سيساعدنا على فك شفرات هذا العمل خاصة أقنعته المستبطنة.
في مسلسل أيام كارلوس في الخرطوم:
الحلقة الأولى: من المشهد رقم (1) الأردن– مطار علياء الدولي– نداء أول للطائرة (عبدالله بركات هو الاسم الذي اختارته المخابرات الأردنية لإليتش كارلوس... اسم من أسمائه العديدة).
من المشهد رقم (2) (... تحرك رجال المخابرات الفرنسية قريباً من كارلوس... في تلك اللحظات كان أفراد المخابرات الأميركية يأخذون ركناً قصياً، مكتفين بمراقبة الجميع...).
من المشهد رقم (3) (... ختم الضابط الجواز بشدة وبسرعة مدهشة سحب جوازاً آخر ليس أردنياً ليضعه تحت الجواز الأردني ويسلمه لكارلوس قائلاً بالسلامة يا رفيق).
من المشهد رقم (5) (... لم يلبث كارلوس إلا لحظات قليلة حتى جلس بجانبه دبلوماسي سوداني ثم بدأ يثرثر عن عمله وحياته وأسرته دون توقف باذلاً معلومات قيمة لعبدالله بركات سيستفيد منها لاحقاً... ما عرفه عبدالله بركات استفاد منه فعلاً من معلومات أن وزير الخارجية السوداني معهم بنفس الطائرة، وهي المعلومة التي أذاعها كارلوس لاحقاً متهماً السلطات السودانية بأنها كانت تعلم بقدومه للسودان).
من المشهد رقم (6) (... ما أن طار وأقلعت الطائرة حتى طار الخبر لباريس واستلم رجل المخابرات الذكي (فيلب راندو) البرقية على عجل.
المشهد رقم (7) (... أطل كارلوس... لقطة ثانية... كانت هذه الصورة هي ما ينتظرها رجال المخابرات الأردنية، أن تصلهم بسرعة الضوء لترسل بذات السرعة إلى باريس... مستر فيلب راندو (انتهت مهمتنا وبدأت مهمتكم بالخرطوم... بالتوفيق).
الحلقة (36) والأخيرة– من المشهد رقم (210) (... قال راندو إن فرنسا ستظل تذكر هذا الموقف لحكومة وشعب السودان وأنهم الآن تأكدوا من صدق وعد الجهات السودانية وأثنى على الكفاءة العالية والذكاء اللذين نفذت بهما العملية دون خسائر... قال راندو لصلاح وحسب الله بعربية فصيحة ذكرتموني بشبابي كنت متحمساً مثلكما.. سيكون لكما شأن... سيكون لكما شأن!!!).
من المشهد (211) (... عاد الضابطان من شرطة الإنتربول الفرنسية بعد أن أوصلا كارلوس للطائرة ليخطرا الجنرال بأن المهمة اكتملت وأن (الجياكال) كما يسمونه بأمان في الطائرة التي تستعد للمغادرة... وقف راندو مودعاً صلاح وحسب الله والمحبوب بحرارة قائلاً... سنلتقي... قد نلتقي ثم مضى).
بين الطائرة التي أقلت كارلوس من الأردن مطروداً إلى السودان وبمعرفة المخابرات الفرنسية والمخابرات الأميركية والطائرة التي أقلته من الخرطوم إلى فرنسا بموافقة المخابرات السودانية وبمساعدة من المخابرات المصرية دارت وقائع مسلسل أيام كارلوس في الخرطوم والذي يقع في عدد (36) حلقة و214 مشهداً تتحرك بين الخرطوم وباريس...
في أندية الخرطوم الأجنبية والوطنية وفي منزل كارلوس وفي بعض أحياء الخرطوم وفي الكافتيريات وفي مبنى جهاز الأمن السوداني من خلال عدد من الشخصيات والأحداث مستخدماً تقنيات السرد المعروفة من الحوار إلى المنولوج إلى الاسترجاع بطريقة أقرب إلى الأسلوب الروائي منه إلى الأسلوب الدرامي وذلك بسبب هيمنة تقنية الراوي فالراوي في هذا المسلسل هو التقنية المهيمنة على الحكي فهو من يشكل جماع الأصوات بسبب أنها تتكلم وتحكي عبره إلا في النذر اليسير.
فعبر هذه التقنية المهيمنة تعرفنا على حياة كارلوس وعلى علاقاته وسلوكياته وزوجاته وتعرفنا على المخابرات المصرية والدور الذي قامت به وتعرفنا على الطريقة التي يفكر بها صلاح سعد وحسب الله أبطال الرواية/ المسلسل والأهم من كل ذلك تعرفنا على العقدة الرئيسة في المسلسل والمتمثلة في الصفقة التي بموجبها سيتم تسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية.
فالمسلسل وهو يحاول أن يدير هذه الصفقة باحثاً عن مبررات لها وفي محاولة منه لمزج الحقيقة بالخيال تحايل تحايلاً قد يكون مشروعاً تماماً في الروايات البوليسية الخيالية، ولكن بالقطع ليس مشروعاً تماماً في رواية تتحدث عن أيام كارلوس في الخرطوم فعندما يعود المسلسل إلى سرد طفولة كارلوس وعملياته ومغامراته النسائية في الخرطوم وفي العالم ليربط كل هذا بشكل خفي مع اكتشاف وجوده في الخرطوم ثم إنكار هذا الوجود ثم الاعتراف به ثم العمل على تسليمه نكون بالفعل أمام مسلسل يحاول أن يصنع من (الفسيخ شربات).
وقد نجح على المستوى الفني فقد استطاع أن يلتف بما للخيال من إمكانات على (أيام كارلوس في الخرطوم) بالتركيز على كارلوس نفسه، وبما تشتمل عليه حياته من ثراء ليصور عملية القبض عليه وكأنها بطولة تعود إلى صلاح سعد الذي وصفه بالذكي وإلى حسب الله وهنا يحق لنا أن نتساءل.. هل كان كارلوس مختفياً؟ وإذا كانت الإجابة نعم، كيف نفسر تقديمه نفسه للحكومة السودانية كما جاء في المسلسل.. أنظر (مشهد 31 ومشهد 32) وكيف نفسر كذلك ظهوره الاجتماعي العلني في الأندية وفي المناسبات وكيف نفسر علاقاته مع بعض رجال الأعمال؟ والسؤال هنا لماذا لم يتم القبض عليه أصلاً بعد اكتشاف أنه كارلوس وأنه دخل البلاد باسم مستعار؟.
أقول إن المسلسل وببراعة تعود إلى المؤلف حاول أن ينسج بطولة تعود لصلاح سعد ولحسب الله، وذلك بتدعيم خط وضعية كارلوس والعلاقة به فهو قد وضع كل خيوط اللعبة المتصلة بكارلوس في يد صلاح وحسب الله وبشكل أدق في يد صلاح، فهو الذي يلتقي بكارلوس وهو الذي ينوّر القيادة السياسية بوضعه وهو الذي يفاوض الفرنسيين بل هو الذي يحدد الأفكار المركزية في التفاوض مع الطرف الفرنسي في موضوع تسليم كارلوس.
وحيث هنا وفي هذا الخط المتعلق بالتسليم أو فلنسمه (الصفقة) يخفت قليلاً مزج الخيال بالحقيقة ويبدأ السجال بين الطرف السوداني والطرف الفرنسي أي تبدأ المفاوضات حول المكاسب التي سينالها السودان في حالة تسليمه كارلوس والخسائر التي ستعود عليه في حالة عدم التسليم والمسلسل هنا يقودنا بوتيرة سريعة نحو خيار التسليم الذي يلعب فيه صلاح سعد وحسب الله، الدور الأكبر، فالضغط الفرنسي والضغط الدولي يتزايد يوماً بعد يوم على السودان وهاجس الدمغ بالإرهاب ودعمه يسيطر على البطلين فبعد أن كان القرار بعدم التسليم لأسباب دينية وسياسية وأمنية توصل المفاوض السوداني كما جاء في مشهد 145 (القرار الذي اتخذ في أجهزتنا المعنية هو مغادرة كارلوس لجهة يتفق عليها بيننا وبينكم ما أمكن ذلك وأننا أخذنا هذا القرار بناءً على حيثيات تتعلق بموافقتنا المبدئية كما تتعلق بمصلحتنا وأمننا القومي)
هذا ما قاله حسب الله أما المحبوب فقد قال وفي نفس المشهد (... ولكن من جانبنا لا نود أن نمثل شرطياً لأي طرف) أما صلاح فقد قال (قلت يا سيد روندو إن أمن فرنسا ومواطنيها يتعلق بقضية كارلوس وهذا من حقكم كما أنه من حقنا مراعاة أمننا وأمن مواطنينا بذات الدرجة... تسليم كارلوس قد يؤثر علي أمننا القومي).
؛؛؛
الباز قال: "مزجت هذه الرواية الحقيقة بالخيال فأنتج هذا النص" وأسئلتنا هنا هي: ما هو الخيال وما هي الحقيقة في هذا النص؟ما هي حدود الخيال وما هي حدود الحقيقة؟
؛؛؛
أما روندو المفاوض الفرنسي الذي حضر معهم الاجتماع، فقد قال رداً على خيارهم وفي نفس المشهد (أرجو وأنتم تفاوضون أياً كان في أي قضية كانت ألاَّ تقصوا خياراً... بإمكانكم ترتيب أولويات الخيارات لأقصى وقت ممكن... تلك نصيحتي لكم) ليستمر التفاوض بين الجانبين ومن ثم تضيق الدائرة على المفاوض السوداني.. علي (صلاح سعد وحسب الله) فهما الأكثر حضوراً في كل حلقات المسلسل وهما من يملكان خيوط اللعبة في الجانب السوداني ليصلا إلى الموافقة على الطلب الفرنسي وهو خيار التسليم كما جاء في الحلقة 35– المشهد رقم (179) (بدأ صلاح وحسب الله في ترتيب سفرهما إلى باريس خلال يومين وحددا ثلاثة محاور:
الأول، يتعلق بإخطار الجانب الفرنسي بقبول السودان مبدأ التسليم ولا داعي للحديث عن قرار سياسي ابتداءً.
الثاني، هو معرفة اتجاهات الفرنسيين حول كيفية مكافأة السودان سياسياً بناءً على تعاونه هذا وتجهيز قائمة طلبات عينية للجانب الفرنسي.
أخيراً، مناقشة السيناريو الذي سيجري وفقه التسليم ودور الأطراف المختلفة.
ومباشرة أقرأ معي
المشهد (181) من نفس الحلقة: (عندما نظر روندو لقائمة الطلبات التي وضعها أمامه الوفد الأمني الذي وصل باريس مبكراً والذي تكوّن من صلاح وحسب الله وآخرين أرخى نظارته وسألهم هل أنتم جادون... كارلوس لا يساوي كل هذا!!! ولكن على العموم، إننا تقدمنا خطوات ونحن الآن نناقش التفاصيل... تعلمون أنه ليس من صلاحياتي الموافقة على مثل تلك الطلبات..
عليّ الرجوع لرؤسائي) تلاحظ في هذا الخط... خط (الصفقة أو خط التفاوض) والذي يمكن أن يمثل بلاغة المسلسل ففيه تبدأ المباراة بين المخابرات الفرنسية والمخابرات السودانية ممثلة في صلاح وحسب الله، مما يعني أنها من لحظات التوتر القصوى في المسلسل بما تحمله من إشارة ذات طابع فكري واستراتيجي، فإذا كانت فرنسا تريد كارلوس فماذا كان يريد السودان؟ وإذا كان كارلوس يمثل لفرنسا مطلباً قانونياً ولفيليب روندو ثأراً شخصياً فماذا كان يمثل كارلوس بالنسبة للمفاوض السوداني؟.
بمعنى هل حرص المفاوض السوداني وهو يملك كرتاً قد يمثل رمزياً بعضاً من شرف فرنسا على رفع مطالبه لأعلى سقف أم رضي بالقليل؟ والإجابة تأتي في المشهد (192) من الحلقة الأخيرة (في الصباح الباكر وصلت أول برقية من الخرطوم لفيليب روندو نقلها له مندوب الجهاز، مؤكداً بأن كل الترتيبات الخاصة بهم تمضي بحسب الاتفاق وأنهم ينتظرون خلال اليوم رداً نهائياً على قائمة المطالب.. كانت تلك محاولة أخيرة من صلاح وحسب الله للخروج من الفرنسيين بشيء... وصل الرد لمكتب الخطيب في ذات اليوم، مؤكداً على حرص فرنسا لإتمام الصفقة وأنها على استعداد لتدريب ضباط مخابرات سودانيين وبعض المطالب المتعلقة بأسلحة خفيفة كما أبدت فرنسا استعدادها لإلغاء جلسة يوم 14 في مجلس الأمن التي يضغط الأميركيون لانعقادها وسيمضي التعاون السياسي لآفاق أرحب)...
وتبقى أسئلة طرحناها في ثنايا مقالنا هذا أغفلها المسلسل ولكنه ساعد في إيجادها وهي: هل كانت عملية تسليم كارلوس موقفاً مبدئياً وأخلاقياً عند الحكومة أم كانت موقفاً سياسياً تكتيكياً لدفع ضرر أو لجلب مصلحة؟ والإجابة عندى ووفقاً لكل قرائن الأحوال أنها كانت موقفاً تكتيكياً سياسياً حيث لا شيء يلزمها بتسليمه والسؤال الثاني هل ما حققه السودان من هذه الصفقة يرقى لما خسره؟ ولماذا ظلت فرنسا تناصب السودان عداءً شواهده كثيرة؟ وبمعنى أدق هل شهدت العلاقات السودانية مع فرنسا تحسناً بعد هذه العملية؟.
والإجابة لا، فالواقع يؤكد عكس ذلك والشواهد على ذلك كثيرة آخرها موقفها من تسليم الرئيس البشير حتى قبل أيام والأسئلة كثيرة فعلى سبيل المثال وبعد هذه الصفقة ماذا فعلت فرنسا في موضوع إعفاء ديون السودان الخارجية باعتبارها من الدول ذات الثُقل الاقتصادي وأحد أهم الدول الدائنة للسودان وهي من تحتضن نادي باريس أحد مؤسسات الديون الخارجية، وهي من تتمتع بعضوية مجموعة الثمانية وتترأس مجموعة العشرين.. إن أي خطوة من فرنسا في هذا الاتجاه كان سيكون لها أثرها الكبير في إعفاء كل أو جزء من ديون السودان الخارجية ولكنها لم تفعل.
وسؤال آخر يعلمه المفاوض السوداني أكثر منا هو هل غيَّرت عملية تسليم كارلوس من موقف الحكومة الفرنسية الداعم لتحالف جمعيات SAFE Darfour الذي تولى تصعيد قضية دارفور، والترويج للإبادة الجماعية في دارفور، وتحريك المحكمة الجنائية الدولية عبر تنظيماته اليهودية الأربعة (الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية، ومنظمة نداء الإغاثة ضد العنصرية، وجمعية أبناء الإلتزام الفرنسية، واتحاد التنظيمات اليهودية الفرنسية)؟
ثم ألم تشكل رسالة الرئيس شيراك حول دارفور التي قرأت على المجتمعين في قاعة لا ميتو بمبادرة من تحالف جمعيات SAFE Darfour مؤشراً للعداء الصريح للسودان؟
أما السؤال الأكثر أهمية والذي لم يكن من ضمن خيارات الوفد المفاوض أو المشرفين على عملية كارلوس وهو ماذا لو تم سجن كارلوس في السودان ورفض السودان تسليمه؟ فهذا وفقاً للمكاسب الضعيفة التي جلبها التسليم كان سيكون الخيار الأفضل، خاصة وأن السودان ليس لديه اتفاقية تسليم المجرمين مع فرنسا على حد علمي.
وتبقى كلمة أخيرة، وهي أن هذا المسلسل الذي ينهض على لغة جميلة وتسلسل للأحداث بديع وهو يمزج الخيال بالحقيقة قد استطاع أن يعرفنا وبشكل حميم بكارلوس الأسطورة العالمية، وأن يعرفنا بقدرات المخابرات الفرنسية أو بالحرى بقدرات فيليب روندو ومعرفته ما يريد وكذلك بحضور المخابرات المصرية في اللحظة الصحيحة وبذكاء المخابرات السورية والأردنية واليمنية التي تخلصت من كارلوس في الوقت المناسب وربما يعود الفضل هنا لنجاح المؤلف في توظيف شخصيتي صلاح سعد وحسب الله (أن كان ما قاما به هو الحقيقة كلها أو بعضها أو من نسج خيال المؤلف).
؛؛؛
ماذا لو تم سجن كارلوس في السودان ورفض السودان تسليمه؟ فهذا وفقاً للمكاسب الضعيفة التي جلبها التسليم كان سيكون الخيار الأفضل
؛؛؛
فبقدر ما لم يحققا شيئاً يذكر من عملية تسليم كارلوس بقدر ما جاءت بطولتهما في المسلسل كحيلة ساعدت كثيراً في كشف شخصية كارلوس وجمالها، وفي كشف قوة وبراعة فيليب روندو ليكون المسلسل في الأخير حكاية عن بطولة المخابرات الفرنسية وبطولة كارلوس التراجيدية وبطولة صلاح سعد وحسب الله الوهمية وخسارة السودان لمكاسب كان من الممكن أن تكون أكبر من هذه التي لم تتجاوز ((تدريب عدد قليل من صغار الضباط وحفنة من أجهزة الكمبيوتر وتبادل الابتسامات وعبارات الإطراء))..
أنظر مشهد 210 مرة أخرى (... قال روندو لصلاح وحسب الله بعربية فصيحة.. ذكرتموني بشبابي.. كنت متحمساً مثلكما.. سيكون لكما شأن.. سيكون لكما شأن) هذا ما كان وما حدث، وهذا كل ما خرج به السودان من هذه الصفقة في ظل عداء فرنسي لم ينجح المفاوض السوداني في كسره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.