يدأب الباحثون في جوبا حاضرة جنوب السودان على تقييم وترتيب الوثائق التي تحوي تاريخ المنطقة في محاولة لإنقاذ "ذاكرة هذه الدولة" التي قرضتها الجذران وتواجه خطر النمل الأبيض والعفونة الشديدة بسبب الرطوبة والسخانة. ويقول أمين المحفوظات يوسف فولغنسيو أونيالا "لا يمكن أن نترك النمل الأبيض والجرذان والمياه تتلف تاريخنا، لابد من أن ننقذ هذه الوثائق". وبعد عامين على انتهاء نحو نصف قرن من الحروب الأهلية بين الانفصاليين الجنوبيين وقوات الخرطوم، كان أونيالا واحداً من الذين اكتشفوا في 2007 القسم الأكبر من هذه الوثائق في الطبقة السفلى لإحدى المدارس. ويضيف أمين المحفوظات "لقد حطمنا النوافذ وتركناها مفتوحة ثلاثة أيام للتهوية"، لكن الرائحة القوية والغبار الكثيف أصابا أعضاء الفريق بتوعك صحي. ويقول "عندما رأيت هذه الوثائق في هذه الحالة، عرفت أن من الضروري أن اعتنى بها وأحميها وأحفظها للمستقبل". حماية الوثائق " كبير مفاوضي جنوب السودان والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان باقان أموم يقول إن هذه الوثائق ستكون مفيدة لدى التحكيم بالمناطق المتنازع عليها مع الشمال "وبعد العثور عليها نقلت هذه الوثائق إلى خيمة كبيرة نصبت في وسط جوبا، وتمت حمايتها من الرطوبة، لكن حمايتها من الحرارة الخانقة والنمل الأبيض لم تتأمن. وتقول نيكي كيندرسلي، الطالبة في قسم التاريخ ببريطانيا، وهي واحدة من ثلاثة أجانب يشاركون في المشروع، "هذا هو التاريخ الوطني بكل ما للكلمة من معنى، من 1903 وحتى التسعينات. 100 عام تقريباً من تاريخ جنوب السودان تعفنت في خيمة". وتضيف "ملأنا حتى الآن 2300 صندوق، وقد نملأ على الأرجح 6000". ومن الكنوز المكتشفة في تضاعيف تلك الوثائق، لوائح أولى الأحزاب السياسية في جنوب السودان، ومحاكمات المشاركين في تمرد عام ،1955 التي كانت العنصر المفجر للحرب الأهلية في جنوب السودان. وتقول كيندرسلي "لم نعثر في السابق أبداً على الأسماء وكل التفاصيل" المتعلقة بهذا الحدث. وكان الهدف الأساسي من هذه العملية برمتها، العثور على خرائط ترقى إلى فترة استقلال السودان في 1956 لتسوية نزاع حدودي مستمر مع الخرطوم منذ الانفصال. ويقول كبير مفاوضي جنوب السودان والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، باقان أموم، إن هذه الوثائق "ستكون مفيدة لدى التحكيم المتعلق بهذه المناطق" المتنازع عليها.