القرار الذي أصدرته المحكمة الرياضية الدولية بلوزان ببراءة رئيس مجلس إدارة نادي الهلال؛ الأمين البرير، من تهمة الاعتداء على الحكم التونسي الحيمودي بين شوطي مباراة الهلال والشلف الجزائري في البطولة الأفريقية للأندية الأبطال، يحتاج للتوقف عنده. فهو يعكس من جانب بعدنا الكامل عن مفهوم الرياضة ومفاصلها، وكل من تابع تفاصيل هذه القضية يمكن أن يقف على ذلك بسهولة، فقد بدأت بخلط واضح في الاختصاصات عندما وجهت أصابع الاتهام للاتحاد العام على أنه متواطئ في القضية لصالح الأمين البرير. واستدل أصحاب الاتهام بعدم توجيه أي شكل من أشكال العقوبات لرئيس مجلس إدارة نادي الهلال، وتعرض الاتحاد لهجوم متواصل في هذا الجانب. الدور الرقابي لدينا معاناة متجذرة في الفصل بين الاختصاصات، والفرق بين التنظيم والإشراف في مثل هذه المنافسات، والمصيبة أنه حتى بعد صدور قرار البراءة ما زال البعض يؤكد أن للاتحاد العام دوراً عقابياً في هذه القضية يجب أن يقوم به، على الرغم من أن الاتحاد نفسه تعرَّض لعقوبة قاسية من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" بتغريمه عشرة آلاف دولار لفشله في حماية الحكم التونسي الحيمودي. ؛؛؛ الاتحاد ينوب عن الاتحاد الأفريقي في تفاصيل تنظيمية مثل تأمين المباراة ودخول وخروج الجماهير، والتأكد من اكتمال ترتيبات المباراة ؛؛؛ وضع الاتحاد العام القانوني في هذه القضية في مراحل التقاضي الأولى أمام لجان الاتحاد الأفريقي "الانضباط والاستئنافات" لا يختلف عن وضع الأمين البرير في شيء، والدليل أنه نال حظه من العقاب مثله مثل البرير، وعلاقته بالمباراة "الهلال والشلف الجزائري" التي شهدت حادثة الاعتداء على الحكم، هي إشرافية وتنظيمية في ذات الوقت. فالاتحاد ينوب عن الاتحاد الأفريقي في تفاصيل تنظيمية مثل تأمين المباراة من ناحية أمنية ودخول الجماهير وخروجها من الملعب، والتأكد من اكتمال ترتيبات المباراة داخل الملعب وخارجه. كل هذه الأشياء لا تعطي الاتحاد صفة المنظم، لأن من يقوم بهذا الدور الجهة المنظمة للبطولة وهو الاتحاد الأفريقي، كما أن تنظيم بطولة يختلف عن تنظيم مباراة، فالجهة المنظمة هي التي تملك كلَّ شيء يتعلق بالبطولة من بداية انطلاقها وحتى نهايتها وعقوباتها وحوافزها وحكامها ومراقبيها وغيرها من الأشياء التي تقوم بها اللجنة المنظمة واللجان المختلفة في الاتحاد الأفريقي. حدود الصلاحيات وهكذا نلحظ أن الاتحاد العام يقوم بذات الدور الذي تقوم به الاتحادات المحلية في الدوري الممتاز بإشرافها على تنظيم المباريات، ولكن لا علاقة لها بالتقارير التي يرفعها المراقبون ولا علاقة لها بدخل المباريات المالي، ما عدا النسبة المخصصة للإستاد الذي تجرى عليه المباراة، ولا علاقة لها بتحديد موعد إنطلاق البطولة ونهايتها، ولا علاقة لها بالعقوبات التي تقع على اللاعبين والأندية. وإذا تعمقنا أكثر في قرار المحكمة الرياضية في لوزان ببراءة رئيس مجلس إدارة نادي الهلال والتدرج القضائي، سنجد أن الاتحاد الأفريقي نفسه -المنظم للبطولة- مثُل أمام أعلى هيئة قضائية رياضية في العالم (المحكمة الرياضية الدولية) ووقف أمامها مثل ما وقف المتضرر من قرار الإدانة كتفاً بكتف مقدماً دفوعاته والأسباب الذي قادته لاتخاذ قرار إدانة الأمين البرير. قرارات الكاف وفي المقابل، قدَّم البرير الدفوعات التي تؤكِّد أنه لم يرتكب الجرم الذي قاد لعقابه من الاتحاد الأفريقي، وبعد الاستماع لكل الأطراف التي تمثل القضية أصدرت المحكمة قرارها ببراءة البرير. ؛؛؛ الاتحاد السوداني تعرَّض لعقوبة قاسية من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" بتغريمه عشرة آلاف دولار لفشله في حماية الحكم التونسي الحيمودي ؛؛؛ لم يتوقف الأمر عند قرار البراءة فقط، ولكن المحكمة عاقبت الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بدفع مبلغ خمسة آلاف فرنك سويسري، عبارة عن أتعاب المحامي الذي دافع عن رئيس مجلس إدارة نادي الهلال وقيمة تذاكر السفر والسكن في سويسرا. قرار المحكمة الرياضية الدولية تأكيد على أنه حتى الاتحاد الأفريقي المنظم للبطولة لا يملك حصانة تحمي قراراته من نقضها أو تحميه كاتحادٍ قاري من العقاب. وهي كلها دروس مهمة للغاية للوقوف على الكيفية التي تدار بها العملية الرياضية في العالم، وأن نفهم أن قوانين الرياضة والقضاء الرياضي هي الجهات الوحيدة التي تملك صلاحية الفصل في الشأن الرياضي وليس أي جسم آخر خارج هذه المنظومة. قابل للتنفيذ ولنا أن نتخيّل في حال تواصل التدخل السياسي في العمل الرياضي من خلال لجنة التحقيق التي كوّنها الوزير خصيصاً لقضية الاعتداء على الحكم الجزائري، والتي خرجت بحيثيات إدانة للأمين البرير وصدر في ذات الوقت قرار المحكمة الرياضية الدولية ببراءة البرير، أي القرارين في هذه الحالة قابل للتنفيذ؟ ؛؛؛ السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتدخل الحكومة ممثلة في وزارة الرياضة دون وجه حق في القضايا الرياضية؟ ؛؛؛ وعلى الرغم من وضوح الإجابة على قرار المحكمة الرياضية الدولية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتدخل الحكومة ممثلة في وزارة الرياضة دون وجه حق في القضايا الرياضية من خلال المفوضيات ولجان التحكيم ولجان التحقيق. في حين أنها تسهم بهذه التدخلات في تصعيد الأزمات واشتعال القضايا الرياضية، رغم أن كل ما يخرج منها يعتبر قانوناً (عدم). لذا أتمنى أن يكون قرار براءة البرير قد وضعنا على الطريق الصحيح لنفهم كيف تدار العملية في العالم.