رغم الزخم الذي أحدثته الزيارة التي قام رئيس الجمهورية إلى جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، وتمثل ذلكم الزخم في الترحيب الواسع الذي حُظيت به، فقد رحبت بها كل القوى السياسية والمؤسسات الدولية ابتداءً من السيد بان كيمون السكرتير العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وعلى الصعيد المحلي رحبت بها القوى السياسية السودانية موالية ومعارضة. ؛؛؛ الزيارة جرت في أجواء تفاؤلية سبقتها إشارات ذكية من الجانب السوداني حيث وجه الرئيس قافلة جوية من المساعدات الإنسانية للمتضررين من السيول فى الجنوب ؛؛؛ إشارات ذكية وجرت الزيارة في أجواء تفاؤلية سبقتها إشارات ذكية من الجانب السوداني حيث وجه الرئيس قافلة جوية من المساعدات الإنسانية للمتضررين من السيول التي اجتاحت المناطق العاصمة الجنوبية، ليقول لأهل الجنوب نحن شركاء في السرَّاء والضرَّاء، كذلك العفو الرئاسي الذي صدر في حق منسوبي حركة العدل والمساواة جناح السلام الموقعة على وثيقة الدوحة، ومن ثم جاء ترحيب الحركة بالزيارة والإشادة بنتائجها. وقد سبقتها زيارة الرئيس سلفاكير ميارديت الشهر الماضي، وقد انحنى بقامته الفارعة لعلم جمهورية السودان في إشارة بالغة الذكاء أنه جاء بقلب مفتوح وقد تجاوز كل المرارات. صحب الرئيس السوداني وفد رفيع من العسكريين والخبراء السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين وأعضاء اللجان المتخصصية، عكس جانب الجدية التي تزمع حكومة السودان التعامل بها هذه المرة، على غير المرات السابقات حيث يسود جو التوجس والاتهام المتبادل وسياسة العصا المرفوعة وأخرى مدفونة. وكان الفشل هو الحليف الدائم لكل محاولات التقارب، ولم يكن الجانب الجنوبي أقل جدية في التعامل مع الزيارة ورفع سقف مخرجاتها. ؛؛؛ القرار الذى قضى بانسياب البترول الجنوبي عبر أراضي الشمال يسهم في حل الضائقة الاقتصادية في الدولتين حيث تعانى كل منهما شح الموارد المالية ؛؛؛ على هامش اللقاء على هامش لقاء الرئيسين اجتمعت اللجان المتخصصة ليتخذ الرئيسان عدداً من القرارات المهمة اشتمل عليها البيان الختامي للزيارة، منها فتح المعابر بين الدولتين. وهذا يعني انسياب البضائع والبشر، فالشريط الحدودي الذي يبلغ طوله أكثر من اثنين ألف كيلومتر ويسكنه على الجانبين أكثر من ثلث السكان قبل الانفصال. وهذا في حد ذاته يكفي ولو لم تصحبه أية إنجازات أخرى إذا ما صدقت النوايا وصدقتها الإرادة والفعل ووضع الأمر موضع التنفيذ، كذلك الشروع في رسم الخط الصفري المنزوع السلاح 20 كيلومتر على طول الحدود، ثم انسياب البترول الجنوبي عبر أراضي الشمال يسهم في حل الضائقة الاقتصادية في الدولتين حيث تعفي كل منهما شح الموارد المالية. أما خطوة إعفاء حملة الجوازات الدبلوماسية والرسمية من تأشيرة الدخول تمهيداً لعملية التنقل بالهوية الشخصية هذا الحلم الذي يراد جميع السودانيين حيث لم يستوعب معظمهم مسألة التنقل بجواز السفر والتأشيرات وإجراءات الإقامة، والتزام الدولتين بوقف العدائيات وعدم مساعدة المعارضة في الجانبين، وإلى غير ذلك من القرارات المهمة والتي تصب إيجاباً في تطبيع العلاقة المتوترة دوماً بين الشمال والجنوب. ؛؛؛ الجنوب الآن دولة ذات سيادة وإرادة بعد أن بسط الفريق سلفاكير سيطرته على مقاليد الأمور، بضبطه للمتنفذين ممن عُرفوا بأولاد قرنق ؛؛؛ سخائم مترسبة أسهمت الزيارة ولو جزئياً في إزالة الكثير من السخائم المترسبة في النفوس والتوجس وعدم الثقة وشبح الجنائية الذي ظل يخيّم فوق الرءوس معطلاً أكثر من زيارة للرئيس في وقت سابق، حيث تصريحات المتفلتين من الجانب الجنوبي والسلوك الحذر من الجانب الشمالي. الظرف والمناخ السياسي الذي جرت فيه الزيارة أعانا على إنجاحها، ففي الجنوب يمكن القول بأن هناك دولة ذات سيادة وإرادة بعد أن بسط الفريق سلفاكير سيطرته على مقاليد الأمور، بضبطه للمتنفذين ممن عُرفوا بأولاد قرنق بمن فيهم باقان أموم ودينج ألور وتحويل بعضهم للتحقيق، ثم عزله نائبه رياك مشار رغم الوزن القبلي لكل منهم. ومعلوم أن المكون القبلي في الجنوب له اعتبار مقدر في عمل الموازنات، وعودة العديد الشخصيات المؤثرة ممن آثروا الابتعاد في المنافي الاختيارية أمثال د. لام أكول يبدو أنهم تلقوا من الضمانات مما يجعلهم مطمئنين للعودة. ؛؛؛ الجنوب الآن أكثر حاجة لدعم الشمال اقتصادياً وأمنياً، والشمال كذلك به وضع أمني مضطرب حروب في الأطراف في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ؛؛؛ نوايا حسنة كل ما تقدم يجعل الجنوب الآن أكثر حاجة لدعم الشمال اقتصادياً وأمنياً، والشمال كذلك به وضع أمني مضطرب حروب في الأطراف في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق من الجبهة الثورية، هذا بالإضافة إلى دارفور الجرح النازف دوماً، ثم تظاهرات في العاصمة والمدن واقتصاد مختل وميزانية معجِّزة، وبهذا يكون الظرف بالغ الدقة، وإذا ما انتفت حاجة أي من الطرفين إلى الآخر وهذا وارد ربما يهدد الأمر برمته، إذا ما اتبرت هذه الانفراجة قائمة على المصلحة الآنية. كل ما تقدم من نجاح واحتفاء يصب في خانة النوايا الحسنة فالعبرة بالتطبيق، والمثل الشائع "الشيطان في التفاصيل" دائماً هناك،وعليه فهناك العديد من الألغام والقنابل الموقوتة. ؛؛؛ القمة بين الرئيسين تفادت الحديث عن أبيي بشكل حاسم حفاظاً على ما تحقق من تقدم، كذلك وضع الجبهة الثورية وارتباطها الحيوي بدولة الجنوب ؛؛؛ قنابل موقوتة أول هذه القنابل قضية أبيي التي لم تحسم والوضع فيها متوتر وينذر بشر مستطير للاستفتاء الأحادي الذي يرتب له دينكا انقوك بقيادة دينج ألور. وتوعُّد المسيرية باجتياح المنطقة في حالة تطبيقه، وقرار قمة جوبا بإنشاء إدارة مشتركة لأبيي إنما هو معالجة تهدئة حيث تفادت القمة الحديث عن أبيي بشكل حاسم حفاظاً على ما تحقق من تقدم، كذلك وضع الجبهة الثورية وارتباطها الحيوي بدولة الجنوب. وقبول السودان بالوساطة يشير إلى أن المشكلة أعقد من أن تُحل في لقاء، وإلى غير ذلك من القضايا الأكثر تعقيداً تحتاج لذات الروح وذات الإرادة، عليه فإن الزيارة لن تكون عصا موسى عليه السلام تضرب الأرض فينبجس الماء أو البحر فينفلق.