قرب محطة الجوازات بشارع الأربعين العريق بمدينة أمدرمان يقبع منزل لا تنقطع حركة الناس فيه، بغية التخلص من آلام كسور العظام والمفاصل عند "بصير" ظل يمارس مهنة "التجبير" لأكثر من خمسة عقود بتجرد ونكران ذات. وبرع الشيخ البدري خوجلي الأمين، أحد ملائكة الرحمة النادرين، في تقديم العون الإنساني وإزالة الآلام والمعاناة عن كاهل الذين يتعرضون لكسور العظام و"فكك" المفاصل. ويقول الشيخ البدري الذي تخصص في علاج ومداواة الكسور، إنه تعلم أسرار المهنة من شيخ دين في "الصعيد" في الأواسط الجنوبية للسودان. ويعتبر البدري ذلك "هبة من عند الله" عندما جالس "الأولياء" في الصعيد قبل نحو خمسين عاماً، حيث خدمه وتشرب مهنة "تجبير" الكسور قبل أن ينتقل شيخه إلى رحمة مولاه، ومن ثم قفل البدري عائداً إلى أهله في أمدرمان وهو يحمل في قلبه وعقله مهنة إزالة الآلام. توريث مهنة ومنزل الشيخ البدري البسيط لا يكاد يخلو من المرضى الذين يؤممون وجوههم شطره ليل نهار بمختلف الأعمار، بل إن يد الشيخ الخبيرة امتدت لجبر كسور غير السودانيين. و"تجبير" الكسور المهنة ذات الأبعاد الإنسانية لم يحتكرها الشيخ لنفسه بل عمد إلى نشر أسرارها وتوريثها إلى أحفاده. ويؤكد مرتضى عوض الطاهر، حفيد الشيخ البدري ذو الأربعين عاماً، أنه قضى منها ثلاثة عقود وهو يعمل في مهنة تجبير الكسور، موضحاً أنه صقل تجربته بالعمل في السلاح الطبي ضمن المركز القومي للأطراف الصناعية. وشرب أحفاد الشيخ البدري مهنة "البصارة" وأكلوا من خباياها وما تجود به من ريع، على الرغم من أنهم، وكما يقولون، لا يتوقفون كثيراً عند المقابل المادي بقدر اهتمامهم بتقديم الخدمة الإنسانية للمحتاجين. بركة و"بصارة" من جانبه، أبلغ معتز عوض الطاهر أحد أحفاد الشيخ قناة الشروق، أنهم يعالجون الكسور ومفاصل "الركب" وآلام الظهر والشلل والجلطات، قائلاً: "كل هذه الأمراض يتم شفاؤها بفضل الله". ويفيد الشيخ البدري أن علاج وشفاء الكسور والآلام لا يتم بدواء يقدمه أو وصفة، بل يتم "بإذن الله". ويضيف أنه يطلب من الذين يفدون إليه التوجه للطب الحديث حال عجزه عن معالجة أي حالة. وفي كل أرجاء الدار العامرة تسمع صراخ الأطفال الذين يطلب ذووهم تجبير الكسور عند الشيخ وأحفاده، بجانب الرجال والنساء، فالكل يرجو محو آلامه وتجبير كسره عند أهل البصيرة. ويبقى شارع الأربعين بأمدرمان التاريخي محتضناً للمعالم والأندية والأحياء والشخصيات التي كان لها إسهام واضح في الحياة السياسية والاجتماعية والرياضية والاقتصادية في السودان.