حالة من التفاؤل تسود الأوساط السياسية السودانية بحدوث انفراج متوقع في علاقة الخرطوم- وشنطن، وذلك عقب مؤشرات تمضي نحو تحسن العلاقات بصورة تدريجية تبنى على فكرة تبادل المصالح المشتركة وتغيير في نهج السياسات من ناحية كل طرف. الولاياتالمتحدة الأميركية من البلدان التي تضع السودان ضمن قائمة الدول المعادية لها من خلال مجموعة من الأسباب التي ترى أنها كفيلة بهذا التوصيف. منذ مجيء نظام (الإنقاذ) في تسعينيات القرن الماضي، الذي يقف وراؤه مجموعة من الإسلاميين، برزت مخاوف الإدارة الأميركية تجاه السودان. وذلك بارتفاع وتيرة مايعرف ب(الفوبيا) الداخلية نحو هؤلاء الأشخاص وما قد يشكلونه من خطر مستقبلي على مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية في المنطقة. خاصة وأن إسلاميي السودان لديهم مشروع مستمد من قواعد ومرجعيات دينية هي الأخرى قد تتسبب في إشعال حرب تقودها جماعات متطرفة وإرهابية تسعى لتنفيذ عمليات تخريبية في مناطق مختلفة من بلدان العالم. الوصاية الدولية حينها ظهرت مجموعة من (اللوبيات) وأصحاب الضغط الأميركي الداعية إلى تحجيم الدور والسياسات السودانية بوضع حكومة الرئيس البشير تحت الرقابة والوصاية الدوليتين حتى العام 1993، عندما أُدرج اسم السودان ضمن الدول الرعاية للإرهاب." مجموعة من (اللوبيات) وأصحاب الضغط الأميركي دعت إلى تحجيم الدور والسياسات السودانية بوضع حكومة الرئيس البشير تحت الرقابة والوصاية الدوليتين " ومن وقتها، يعمل السودان جاهداً في المحافل الدولية كافة لرفع اسمه من القائمة مع التأكيد الدائم والمتكرر بالتعاون مع مجمل برامج مكافحة الإرهاب مع بلدان الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي، من بينها الولاياتالمتحدة الأميركية. وفي العام 1996، ذهبت إدارة الرئيس الأميركي وقتها بيل كلنتون لأبعد من ذلك، عندما قامت باتخاذ قرارات قضت بفرض عقوبات اقتصادية على السودان. ومنع السودان من التمتع بالحقوق الاقتصادية كافة المتاحة لبقية الدول، وتبادل المنافع الاقتصادية بحجة تمويله للجماعات الإرهابية والمتطرفة. عقب مؤتمر لقيادات الحركات الإسلامية في العاصمة الخرطوم وقف على ترتيب أمره حينها الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الراحل دكتور حسن عبدالله الترابي. إضافة إلى فتح أبواب البلاد أمام رجل الأعمال السعودي أسامة بن لادن الذي تحول فيما بعد إلى رجل تنظيم القاعدة الأول والمطلوب لدى الإدارة الأميركية. جميع هذه السياسات جعلت من ترجيح كفة رفع وتيرة الخلافات بين الخرطوم وواشنطن جائزة وحاضرة على مر الوقت. حيث تعاملت الحكومة السودانية هي الأخرى بسلوك رفع شعارات العداء والمقاطعة الدبلوماسية وصولاً إلى مرحلة التمثيل الدبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال ومادون ذلك. وفي سبيل رسم صورة حقيقية لمجمل الادعاءات الأميركية أمام الرأي العام، أقدمت حكومة كلنتون على تنفيذ عملية تفجير مصنع (الشفاء) لإنتاج الدواء بوسط الخرطوم بدعوى تصنيع القنابل والأسلحة لتكتشف مستقبلاً أنها كانت تتلقى معلومات مغلوطة من جهات عديمة الثقة. رمال متحركة هذه السياسات بدورها خلقت بمرور الوقت ضبابية في مواقف الولاياتالمتحدة الأميركية تجاه السودان. خاصة عقب اشتعال الحرب بإقليم دارفور بغرب السودان وما ترتب عليه من سقوط لمئات القتلى والجرحى - حسب إحصائيات المنظمات الأُممية. ما دفع بإدارة الرئيس جورج بوش الذي جاء خلفاً للرئيس كلنتون لأن تمضي هي الأخرى في ذات الطريق. الأمر الذي لم يخلق تفاؤلاً كبيراً لدى السودانيين بصفتيهم الرسمية والشعبية. ولاننسى من قبل أن الإدارة الأميركية تبنت حملة ضد السودان قادتها وزيرة الخارجية السيدة "مادلين أوربرايت" في الأوساط الدولية والإقليمية بقوة دفع رباعية. وقالت بأن السودان دولة ترعى الإرهاب بل وتعمل على تفريخ الكوادر الجهادية من خلال تبني رؤى وسياسات دعم الحركات والتيارات الإسلامية المصنفة سلفاً معادية لها. وبالعودة إلى الوراء قليلاً، نجد أن السودان منذ الوهلة الأولى عند سماع صراخ مولود (الإنقاذ) الذي تسلم زمام السلطة. أعلن مواقف يرى فيها الكثيرون أنها لم تكن صائبة بدءاً من سياسة العداء المعلن لإسرائيل انطلاقاً من معتقدات (آيديولوجية). والعمل من ثم على تعبئة الشارع العام السوداني في ذلك، وصولاً لمرحلة الاحتقان وتبادل الاتهامات والتحذيرات لرعايا الدولة الأميركية بالخرطوم من عدم التحرك، وفرض حراسة وسياج أمني قوي على مقر السفارة بوسط العاصمة الخرطوم. أزمة الجنوب وكان منتصف العام 2002، بداية جديدة، توقع الكل فيها حدوث إنفراج لعلاقة الخرطوم وواشنطن عندما ألقت الولاياتالمتحدة الأميركية بحجر تبني حل أزمة الحرب بجنوب السودان برفقة الاتحاد الأوروبي." الرئيس باراك أوباما.أكد رغبة بلاده في إنهاء أزمة السودان كما فعل مع دولتي كوباوإيران قبيل مغادرته للبيت الأبيض في نوفمبر القادم " فكانت مُباحثات "ميشاوكس" والتي هي الأُخرى لم تمض طويلاً حتى تمترس الطرفان الحكومة السودانية- الحركة الشعبية كلٌّ في مكانه والعودة إلى المربع الأول. وعند العام 2005، انفتحت طاقة أخرى علها تنهي مافات، وهو ماحدث، فقد وقعت الحكومة والحركة الشعبية اتفاق سلام وصف بالتاريخي لتخمد نار الحرب التي امتدت لربع قرن من عمر الزمان حصدت خلالها الأخضر واليابس. ولكن للأسف كما يحلو للمعارضة السياسية بالقول إن الاتفاقية لم تكن سوى طامة كبرى على أهل السودان فقد "انفصل" الجنوب وذهب "أبناء الأبنوس" لحال سبيلهم. ولكن السودان الذي وثق في مجموعة الدول الغربية والولاياتالمتحدة الأميركية بأن التوقيع على اتفاقية السلام سيكون في مقابله رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان فضلاً عن إنزال اسمه من قائمة البلدان الراعية للإرهاب. تحمل من بعدها العبء الكبير من انفصال الجنوب وكان حصاده البقاء في ذات المحطة الدولية من دون تغيير يذكر. بينما كانت الأقدام تتحرك من تحت الجنوبيين عندما اشتعلت الحرب بالمدن الجنوبية معلنة عن تمرد جديد تؤكد فيه الأرقام الإحصائيات الرسمية أنه حصد مايزيد عن 500 ألف شخص من المدنيين العزل منذ العام 2013 وحتى الآن. لكن الإدارة الأميركية الأخيرة إنتهجت سياسة جديدة حسبت لصالح الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما تجاه السودان. والتي بدأت برفع العقوبات الاقتصادية (تكنلوجية) عن السودان في العام 2015 بصفة جزئية، تطبيقاً لمساعٍ أميركية مستحدثة في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. حيث أفضت مباحثات (5+1) التي جمعت كلاً من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة الأميركية من طرف وإيران في الطرف الآخر، إلى توقيع اتفاق أنهى ولو بصورة مؤقتة مخاوف الأوروبيين من إنتاج مفاعل نووي إيراني قد يستخدم للأغراض غير السلمية متى ما وجد. بالمقابل رفعت الولاياتالمتحدة الحظر عن أرصدة مالية تقدر بمليارات الدولارات للحكومة الإيرانية. الأمر الذي بدوره أشاع الخوف عند منظومة بلدان الخليج العربي على رأسها المملكة العربية السعودية التي هي الأخرى أبدت تحفظات على هذه الخطوات. والأخذ في الاعتبار أن إيران التي تخوض ضدها حرباً باردة حينها قد اشتد ساعدها وأصبحت لها قدرة فوق ما ينبغي. ما يتطلب التحوط والحذر حتى جاءت لحظة تفجر الأوضاع بتعرض سفارة المملكة بإيران لاعتداء ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين البلدين للتحول إلى حرب مكشوفة يحصد فيها كل طرف مؤيديه. السودان بدوره، ذهب شرقاً بالدخول في تحالف دول الخليج العربي المكون من: "المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، اليمن، مصر، الأردن". وشارك في حرب إعادة الشرعية باليمن والنظام اليمني برئاسة الرئيس (عبد ربه هادي منصور) وماعُرف ب(عاصفة الحزم). هذه المغيرات كافة جعلت الإدارة الأميركية تنظر بعين الاعتبار من جديد للسودان الذي ظل يؤكد على الدوام أن الحكومة الأميركية مع اختلاف الشخوص فيها على سدة الرئاسة. إلّا أن السياسات تظل ثابتة بدعم المجموعات والحركات المسلحة المناوئة والخارجة عن طوع حكومة الخرطوم، الأمر الذي دفع باستطالة أجل الحرب في دارفور ومن قبل في جنوب السودان. وعقب غليان الجنوب وتطورات المشهد فيه والذي يؤكد أن الإدارة الأميركية بسياستها قد خسرت كثيراً عندما دفعت باتجاه ترجيح كفة الانفصال للجنوبيين والعمل بشكل مشترك مع النخب والساسة الجنوبيية. وبدأت سياسة استبعاد السودان من حسابات اللعبة في التراجع بصورة تدريجية في محاولة لإنقاذ ما تبقى من أرض. والتي يجزم الجميع أنها مجرد أشباه دولة، نسبة للغياب التام لمؤسسات الدولة وسيطرة المجموعات الإثنية والقبلية على زمام الأمر. وخير دليل الحديث الأخير لمستر دونالد بوث مبعوث الرئيس باراك أوباما، والذي شرع في تحركات ماكوكية بين الخرطوم وأديس أبابا وواشنطن لحل الأزمة الداخلية في السودان. وحث أطراف النزاع المسلح بالتوصل لحل، والتأكيد على لعب الحكومة السودانية لدور مهم في إعادة الاستقرار للجنوب. وهذا ما يحتاج من المسؤول السوداني دراسة الأمر بحصافة فائقة دون الوقوع في (الفخ) الأميركي مجدداً كما حدث من قبل خلال العام 2005. بذهاب الوعود أدراج الرياح بدءاً من البحث عن مجمل الضمانات التي من شأنها أن تكون كفيلة لتنفيذ ما تتفوه به حكومة الرئيس باراك أوباما. الذي هو الآخر أكد رغبة بلاده في إنهاء أزمة السودان كما فعل مع دولتي كوباوإيران قبيل مغادرته للبيت الأبيض في نوفمبر القادم.