منذ الأزمة المالية العالمية التي وصلت ذروتها في سبتمبر من العام 2008، لم يستطع الاقتصاد العالمي أن يستعيد عافيته بالكامل ليعود إلى ما كان عليه قبل تفجر أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة الأميركية. ويبلغ حجم اقتصاد الولاياتالمتحدة 3,22 من الناتج الإجمالي العالمي، على الرغم من أن لديها 4,4 فقط من جملة سكان العالم. ومنذ ذلك الحين توالت النتائج الكارثية ولا تزال تتوالى على اقتصاديات العالم، حيث شهدنا التراجع المخيف لأسعار النفط بنسبة تجاوزت 70 بالمئة عما كانت عليه الأسعار في عامي 2006 و2007، حين بلغت الرفاهية مدىً قياسياً حول العالم. ولم نكن في السودان استثناءً من تلك الرفاهية في السنوات التي أعقبت التوقيع على اتفاق السلام الشامل. الأزمة العالمية ومن نتائج تلك الأزمة العالمية، هي انهيار أسعار الأسهم أو انخفاض معظمها في الأسواق العالمية، الأمر الذي أثر على عدد من البنوك والمؤسسات المالية العالمية حتى أعلنت عدد من البنوك في أميركا وأوروبا عن إفلاسها." صعوبات كبيرة كانت تنتظر الاقتصاد السوداني الذي فقد حوالى 85 بالمئة من مصادر نقده الأجنبي بعد انفصال الجنوب، حتى صرحت بعض الدوائر بأن الدولة ستنهار خلال ستة أشهر " وشهدنا خلال هذه الفترة زيادة مخيفة في نسبة البطالة حول العالم وتراجعاً مدمراً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في معظم دول العالم. وتحت ظلال التأثر بهذه الأزمة المالية العامة وأجوائها التي سيطرت على العالم وأدت إلى تباطؤ كبير في نمو الاقتصاديات العالمية، أقبل السودان بتوكل على الله كبير، في إنجاز الاستفتاء على وحدته في العام 2011 وفاءً لعهد قطعه مع نفسه أن يشتري السلام مهما غلا ثمنه. فجاءت نتيجة الاستفتاء انفصالاً أنشأ دولة جديدة، ولم يكن غائباً عن المسؤولين حجم الصعوبات التي كانت تنتظر الاقتصاد السوداني الذي فقد حوالى 85 بالمئة من مصادر نقده الأجنبي، حتى صرحت بعض الدوائر بأن الدولة ستنهار خلال ستة أشهر بعد الانفصال. إشعال الحرب ولما لم يتحقق لأولئك ما أرادوا أوعزوا لمن يوالونهم بإشعال الحرب في أطراف السودان استنزافاً للموارد المتبقية بعد الانفصال، بل وتم شن حرب مباشرة استهدفت منشآت النفط في هجليج لإيقاف الإنتاج والتأثير على التماسك النفسي لأهل السودان. ولكن بعون الله رب العالمين ووقوف الأصدقاء علانية وسراً مع السودان وبفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة والشجاعة التي تم تبنيها، تجاوزنا تلك المرحلة الحرجة بنجاحات عظيمة، شهدت بها المؤسسات المالية الدولية. واليوم، ونحن بين يدي إجراءات اقتصادية جديدة هدفت إلى معالجة الاختلال في الميزان الخارجي الذي انعكس سلباً على سعر صرف العملة الوطنية، لا بد أن نستذكر تلك النجاحات لتعيننا على قراءة ما حدث والتأمل في نتائجه التي ستكون خيراً وفيراً على السودان وأهله. خطة ثلاثية بعد انفصال جنوب السودان مباشرة، تبنى السودان خطة اقتصادية ثلاثية هدفت إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي والمحافظة على كيان الدولة." المرجفون كانوا ينتظرون ندرة في السلع والبضائع يستغلونها لثورتهم المزعومة، واصل الاقتصاد أداءه المبهر بتوافر السلع الرئيسة المستوردة كافة وفي مقدمتها القمح والبترول والأدوية " فسجل الاقتصاد تقدماً ملحوظاً نحو النمو والاستقرار الاقتصادي الموجب، مخيباً توقعات الدوائر المعادية التي كانت تتمنى الأماني بانهيار الدولة وتفكك عراها. وبلغ متوسط النمو الاقتصادي خلال سنوات البرنامج الثلاثي 2012- 2014 حوالى 1,3، بينما قارب النمو 5 بالمئة في العام 2015، وهذه أرقام مثبتة بالقياسات العلمية وموثقة بشهادة المؤسسات الدولية لا مجال للمزايدة فيها أو نكرانها، وإن أنكرت بعض الأعين ضوء الشمس من رمد الفجور السياسي. ولعلنا جميعاً نتذكر كيف تصاعد التضخم بعيد الانفصال حتى بلغ 46 بالمئة في ديسمبر من العام 2012. وبفضل تلك الخطة الاقتصادية، تراجع إلى 12,8 في أبريل من العام 2016، ولعل الفضل من بعد لطف الله وعنايته على السودان يرجع لحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تم تبنيها في تلك الفترة. وكان التوقع أن يستقر التضخم عند نسبة 55 بالمئة، كما تم احتواء العجز في الموازنة العامة للدولة بعد خروج أكثر من 40 بالمئة من إيرادات الدولة وانخفضت نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي من 5 بالمئة إلى واحد بالمئة في العام 2015. مرجفون ينتظرون وحيث كان المرجفون ينتظرون ندرة في السلع والبضائع يستغلونها لثورتهم المزعومة، واصل الاقتصاد أداءه المبهر بتوافر السلع الرئيسة المستوردة كافة وفي مقدمتها القمح والبترول والأدوية. ولم تعجز الدولة رغم الاختلال الكبير في الميزان الداخلي والخارجي للاقتصاد من الوفاء بتنفيذ مشاريع التنمية الكبرى فاستوى سد الرصيرص بتعليته المشهودة، واستمر تنفيذ سدي أعالي عطبرة وسيتيت الذي من المتوقع أن يدخل الخدمة قبل نهاية هذا العام. وامتد طريق زالنجي- الجنينة شاهداً على عظمة الإنجاز، وطريق النهود- أم كدادة- الفاشر كذلك إضافة أخرى لمشاريع التنمية الكبرى، على أن أكبر الإنجازات في مجال الطاقة كان في تنفيذ وتشغيل محطة أم دباكر بسعة 500 ميغاواط. وقياماً من الدولة بمسؤلياتها تجاه الفئات الضعيفة، تم تنفيذ هذه الحزمة من الإصلاحات تحت رعاية مشاريع اجتماعية ضخمة لامتصاص الآثار السالبة المتوقعة. واستحدثت الحكومة نظام الدعم المباشر للأسر المتعففة والتي ستبلغ حوالى 700 ألف أسرة بنهاية هذا العام، كما تم توسيع مظلة التأمين الصحي ليشمل فئات جديدة من أولئك الذين لم تستوعبهم الخدمات المجانية التي تقدمها الحكومة في الحوادث وغسيل الكلى والسرطان والأطفال دون الخامسة. نجاحات كبيرة ومع كل هذه النجاحات الكبيرة، ظل العجز في الميزان التجاري قائماً بل أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لتحقيق أهداف البرنامج الخماسي الساعية لدعم الإنتاج من أجل الصادر وتحسين مستوى المعيشة." الدولة توكلت على الله واثقة من شعبها وتفهمه لجرعة الدواء من أجل علاج ناجع ونهائي، فجاءت حزمة الإصلاحات الاقتصادية لسد الفجوة في الميزان التجاري الخارجي بأسرع ما يمكن " ولعل الانخفاض الحاد في أسعار البترول والذهب عالمياً كان من بين الأسباب الرئيسة التي حالت دون تحقيق الهدف بتقليص الفجوة في الميزان التجاري. فقد انخفض طن الذهب إلى 41 مليون دولار عوضاً عن 50 مليون دولار في العام 2012، هذا بالإضافة إلى تفجر الأوضاع في دولة الجنوب. الأمر الذي كان له بالغ الأثر في عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، بجانب استمرار وتشديد العقوبات المصرفية والاقتصادية من الولاياتالمتحدة الأميركية ودول أخرى. واستدراكاً من الدولة لكل هذه التحديات وسعياً منها لمعالجة هذا الخلل، توكلت على الله واثقة من شعبها وتفهمه لجرعة الدواء من أجل علاج ناجع ونهائي، جاءت حزمة الإصلاحات الاقتصادية لسد الفجوة في الميزان التجاري الخارجي بأسرع ما يمكن. إجراءات الإصلاح وتمت إجراءات لإصلاح نظام سعر الصرف بهدف استقطاب موارد النقد الأجنبي من المغتربين السودانيين وعائد الصادر والذهب. ولضمان نجاعة وفعالية هذه الإجراءات وتلافي سلبياتها على المالية العامة وعلى أسعار السلع، كان لزاماً على الحكومة اتخاذ إجراءات مالية لزيادة الإيرادات وخفض المصروفات (خاصة الصرف على الدعم)، وذلك بما يؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي في المدى المتوسط. إن حزمة الإصلاح الاقتصادي التي تم الإعلان عنها ستؤدي بلا شك إلى سد الفجوة في الميزان التجاري، وبالتالي حدوث وفرة في العملات الأجنبية واستقرار ملحوظ في أسعارها، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة في البرنامج الخماسي في ظل الاستقرار الاقتصادي. وحتماً ستواصل الدولة سياستها المعلنة في دعم الشرائح الضعيفة حتى لا تتأثر بهذه الإصلاحات الاقتصادية التي هدفت إلى إزالة التشوه من جسد الاقتصاد ووضع السودان في منصة الانطلاق نحو دولة الرفاه والنهضة الشاملة.