تعم جزيرة توتي الواقعة عند مقرن النيلين الأزرق والأبيض في الخرطوم، حالة أقرب إلى الطوارئ و"النفير" عندما يكشر نهر النيل الجامح عن أنيابه في كل خريف، وللجزيرة الجميلة قصص وحكايات مع فيضان النيل ومقاومة التغيير. وتجري في الجزيرة هذه الأيام تجهيزات لدرء فيضان النيل عقب مؤشرات الإرصاد الجوية، التي أكدت هطول أمطار فوق المعدل ومناسيب فيضان قياسية. وتقع جزيرة توتي عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض وسط مدينة الخرطوم وتتوسط المدن الثلاث المكونة للعاصمة السودانية. وتبلغ مساحة الجزيرة التي درج البعض على تسميتها ب"درة النيل" 990 فداناً ويقطنها حوالي 20.000 نسمة. لكن درة النيل لطالما اعتبرها النهر المتمرد حائطه القصير الذي يتسلقه كلما حان موعد الفيضان، رغم أن أهالي "توتي" ظلوا في حراستها لأكثر من 500 عام، حالهم كحال الطرواديين في مدينتهم طروادة. ضد التغيير ودارت صراعات قديمة بين أهالي توتي والسلطات الحكومية، وبدأت تلك الصراعات منذ عام 1924م مع المستعمر الإنجليزي الذي حاول ترحيل سكان الجزيرة إلى منطقة أخرى بحجة أن المنطقة معرضة للفيضانات، غير أن أهالي توتى وقفوا ضد تلك القرارات ببسالة شهدتها "حوادث 1944م" المعروفة والتي أبلى فيها أهالي توتي دفاعاً عن وطنهم. وتعرضت الجزيرة إلى العديد من المحاولات المختلفة لترحيل أهاليها بغرض الاستفادة من موقعها في الاستثمار السياحي والزراعي لما تتميز به من شواطئ خلابة تطل على مدن العاصمة الثلاث إلا أن جميعها باءت بالفشل بسبب تمسك الأهالي. وكانت حكومة السودان قد طلبت (50%) من أراضي الجزيرة مقابل تخطيطها وفق دراسات عمرانية متطورة، باعتبار أن الجزيرة معلماً سياحياً متفرداً ولأنها أرض زراعية يمكن زراعة مساحتها، غير أن الأهالي رفضوا ذلك أيضاً. ورغم قرب الجزيرة من العاصمة إلا أنها ما زالت تنعم بالطبيعة والهدوء، كما أن أهلها من قبيلة المحس التي ترجع أصولها الى شمال السودان ما زالوا على الفطرة ويعملون في الفلاحة. قصة أغنية ومثل جسر "توتي" المعلق والذي يربطها بالخرطوم أول خطوات اختراق الجزيرة المغلقة. وافتتح الجسر الذي يعد الأول من نوعه أفريقياً العام الماضي. وكان مشروع الجسر قد وجد في بادئ الأمر مقاومة شرسة من الأهالي الحريصين على انزوائهم وابتعادهم عن صخب العاصمة. ومع اقتراب فيضان النيل ودخول فصل الخريف الممطر أكدت القيادات الإدارية والشعبية بجزيرة توتي جاهزيتها لدرء أي سيول أو فيضانات محتملة للنيل. وقالت لجنة الشئون الهندسية والزراعية بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم التي تفقدت جزيرة توتي صباح يوم الخميس للوقوف على الاستعدادات للفيضان، إن الجهود المبذولة مطمئنة واللجان الهندسية جاهزة لكل الاحتمالات. وناشد رئيس اللجنة ناجي إسكندر المسئولين كافة أخذ الحيطة والحذر، خاصة وأن تقارير الإرصاد الجوية أفادت بمؤشرات أمطار فوق المعدل. ولأهل توتي ملحمة مع فيضان (1946م) الشهير عندما غضب النيل، ففاض ودمّر وحاول ابتلاع توتي، لكنه وجد أهالي الجزيرة مشمرين عن سواعدهم، فغرقت أحلام النيل ولم تغرق توتي حتى اللحظة، فخرجت أغنية تراثية تمجد ذلك المشهد: عجبوني الليلة جو ترسوا البحر صددوه عجبوني ولاد الأهالي عجبوني وسروا بالي ترسوا البحر بالطواري ما شالونا باللواري عجبوني أولاد الفرسان ملصوا البدل والقمصان ترسوا البحر خيرسان من واوستي لي أم درمان أنحنا فوق عزنا قبايل ما بتهزنا