10 يونيو 2022م ليس هناك ما يشتهى الأفكار والرؤى مواعينها الحروف والكلمات وقد قيل قديماً (إن اللغة وعاء الفكر).. فتخيّروا لأفكاركم وأطروحاتكم المواعين النظيفة والأطباق الأنيقة، من قال لنا أو لكم إن كل ما يشتهى يؤكل؟ فهناك مما يشتهى يسمع.. ومما يشتهى يقرأ.. ومما يشتهى ينسرب كما الضياء ومما يشتهى يفوح كما العطر.. أو ربما يكون مما يشتهى ما لا يرى بالعين المجردة أو حتى لا تدركه الحواس الخمس ويكفي فقط أن نتذكّر أن لذيذ الطعام لا يشتهى في الأواني المُتّسخة والأيدي القذرة والموائد الملوثة. نحن الآن نعاني الاشمئزاز ونقاوم التقيؤ لرداءة الآنية وسوء العرض وتلوث الأجواء .. فحياتنا أصبحت بفعل الذين تمرسوا على تشويه أفكارنا وأذواقنا وأرزاقنا محاصرة بشذوذ الأفكار وساقط القول والفعل، نتنفّس أبخرة المصانع وعوادم السّيّارات نُمارس أسراع الخُطى نحو الهلاك باستخدام الأسمدة الفاسدة وحوافظ الطعام القاتلة فنتناول الأغذية بلاستيكية الحفظ والطعم والنكهة.. حتى لكأنك لا تدري بأيُّهما انتفخت بطنك بالغلاف أم بالمغلف؟ لتكون أنت نعم أنت لا تدري شيئاً أغافل أنت أم مغفل؟ في كل بيئاتنا المختلفة أنواعٌ من جحافل البعوض والكائنات المُهلكة، في بيئاتنا الفقيرة والبدائية نموت بلسعات البعوض والحشرات والهوام، وغيرها، مثلما نموت في بيئاتنا المُتحضِّرة بالسُّموم والإدمان والإشعاع والأخطاء الطبية، أو الفيروسات المُسرّبة من معامل الحرب البيولوجية وفي كل الأحوال يتسلل الموت إلى صفوف الناس ليس خلسةً، وإنما مع سبق الإصرار والتنصل .. إصرار الناس على الإهمال وتنصلهم عن المسؤولية.. لقد تمكّن الجشع والهلع من حياتنا تماماً، نحن الآن نحب المال ونمارس الإهمال الذي انتزع (نغمة الرنين) من ضمائرنا مُنتهية الصلاحية أو بتعبير أدق ضمائرنا التي أصبحت (خارج الشبكة ولا يُمكن الوصول إليها حالياً أو خارج نطاق التغطية). ▪️لقد استوردنا كل شيء الحواسيب والسّيّارات وكل مباهج الحياة الكذوب ولم يبق لنا إلا وميض تملك حواسي كلها عندما قال لي شيخ كبير السن سعدت برفقة السفر معه: لقد أرسل لكم الخواجات كل ما صنعوه فاطلبوا منهم أن يرسلوا لكم ضمائر مصنعة تعمل بالريمول كنترول (يقصد الريموت كنترول) ثم قهقه ضاحكاً ليقول: (الخواجات ديل أصدق منكم لقد صنعوا لكم البلاط اللامع وقالوا لكم اسمه (سيرميك) يقصد السراميك فاندفعتم تشترونه حتى رمى منكم من رمى فأحال كثيراً منكم للعنابر بالمشافي وأرسل بعضكم للمقابر. لقد تعوّدنا وبالتجربة إدراك أنّ قليلاً من الروائح الكريهة تطرد كل عطورنا الحلوة الجميلة، وإنّنا لا نَأبه بالكنوز التي بين أيدينا إلا بعد أن يهتف الآخرون بأنّها كنوزٌ حقيقيةٌ، وثرواتٌ ضخمةٌ لقد تعوّدنا أن نقرأ الأحداث بعد فوات الأوان…… ليس هناك ما يشتهى الآن إلا بعد أن تعود إلى بيوتنا قوامتها التي تعيد لنا الإحساس بأعمارنا وأزماننا ومن ثم الانتباه للحقيقة الحاضرة أمام عيوننا وأمام قلوبنا الغائبة (بأن الحياة ضل ضحى) أي سريعة المرور والعبور .. أو كما قال بهلول المجنون لأحد حكام بغداد القديمة عندما طلب منه موعظة: (بماذا أعظك هذه قصورهم، وتلك قبورهم) وكان بهلول يشير إلى قصر والد الحاكم الذي آل إليه وإلى قبر والده الذي ينسى الحاكم دائماً النظر إليه. قال الشاعر العربي قديماً: لكل شيء إذا ما تمّ نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الحياة إذا أدركتها دول من سره زمن ساءته أزمان….. ولهذا فقط ليس هناك ما يشتهى وكأنما كل شيء قد انتهى.