أفاد مواطنون من ولاية الخرطوم بأن الظروف الإنسانية والأمنية في العاصمة لا تزال بعيدة عن الاستقرار، رغم الحملات الإعلامية التي تروّج لعودة الحياة إلى طبيعتها. وأكدوا أن الواقع على الأرض يناقض هذه الصورة، في ظل استمرار التدهور الأمني والخدمي والإنساني، ما يجعل الحديث عن عودة المواطنين إلى منازلهم أمراً غير واقعي في الوقت الراهن. وأوضحت الناشطة حنان أحمد الجعلي محمد من الخرطوم في حديثها ل (راديو دبنقا) أن انعدام الأمن الغذائي أجبر العديد من الأسر على اتخاذ تدابير صعبة للبقاء، من بينها عمالة الأطفال، الزواج المبكر، التسول، والأعمال اليومية غير المستقرة، إضافة إلى بيع الممتلكات المنزلية والاعتماد على التحويلات الخارجية. وأشارت إلى أن غالبية الأسر تعيلها نساء، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة تزويج القاصرات لتخفيف الأعباء الاقتصادية، وهو ما يعكس حجم الضغوط التي تواجه المجتمع في ظل الأزمة المستمرة. وذكرت حنان أن الوضع في محلية شرق النيل يُعد الأسوأ مقارنة بغيرها، حيث يعتمد السكان على مياه الآبار في ظل غياب الخدمات الأساسية. وأكدت أن قرار العودة إلى العاصمة مكلف مادياً ومعنوياً، خاصة مع استمرار الدمار وغياب الخدمات الحيوية. وأوضحت أن عودة المؤسسات الحكومية لم تؤد إلى تحسن ملموس، إذ إن العديد من الموظفين إما خارج السودان أو موزعون على ولايات أخرى، ما يجعل إعادة تشغيل المرافق أمراً بالغ الصعوبة. وأضافت حنان أن استمرار وجود الحكومة الإدارية في بورتسودان يعكس عدم جاهزية الخرطوم بعد، مشيرة إلى أن معظم المراكز الصحية الحكومية خارج الخدمة، فيما تعمل المرافق المتبقية بكفاءة ضعيفة نتيجة هجرة الكوادر الطبية. كما تعاني العاصمة من ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات، وهو ما يزيد من صعوبة المعيشة اليومية للسكان، ويضاعف من حجم الأزمة الإنسانية التي تعيشها الولاية. وأشارت حنان إلى استمرار انتشار السلاح وارتفاع حالات النهب المسلح بواسطة مجموعات متفلتة ترتدي زياً عسكرياً، مبينة أن الأمن يتركز نسبياً في محلية كرري أكثر من غيرها، بينما تواجه بقية المحليات فراغاً أمنياً كبيراً. وكشفت أن عدداً من الأسر التي حاولت العودة إلى الخرطوم اضطرت للنزوح مجدداً بعد مواجهتها تحديات معيشية وأمنية، ما يؤكد أن الظروف الحالية لا تزال غير مناسبة للعودة. وأوضحت حنان الجعلي أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ المسوحات والزيارات الميدانية بسبب غياب السكان عن أحيائهم، مما يعقّد تقديم أي مساعدات فعّالة في الوقت الحالي. وجددت تأكيدها على أن العاصمة تحتاج إلى وقت أطول وجهود كبيرة لإعادة الخدمات الأساسية وتعزيز الأمن قبل الحديث عن عودة آمنة وكاملة للسكان، في ظل استمرار التدهور الذي يطغى على مختلف جوانب الحياة في الخرطوم.