الحادي عشر من أبريل .. يوم ليس للنسيان ليذكر.. وإنما يستحق أن يعاش ليحكى…! في مثل هذا اليوم قبل عام استيقظ الشعب السوداني بجميع أطيافه والوانه السياسية، صغاره وكباره … شيبه وشبابه ..على موعد مع فرح الوطن.. كان صوت المارشات العسكريى ينطلق من كل بيت، من الأحياء والأزقة والطرقات.. والناس ترقص في جنون أن سقطت .. سقطت، خرجت الجموع تتقاطر من كل فج عميق إلى الشوارع .. قاصدين القيادة العامة التي شهدت مراسم العرس الكبير .. تقاطر الناس إليها راجلين أو راكبين، كان الكل يصرخ في فرح طفولي أن هيا إلى الحرية .. هيا إلى الوطن، يتقالدون في الطرقات الشمالي مع الشرقي .. مع الغربي، والغريب مع القريب .. بلا استثناء، اختلطت هناك الدموع بالزغاريد.. والمزامير كان الكل يغني لعازة فقط. سقف التوقعات وسط هذه الإرهاصات كان سقف التوقعات يعلو ويهبط .. من سيذيع البيان ويستحق أن يكون رجل السودان القادم؟ والساعات تمضي ببطء والكل يترقب البيان الذي سيقطع قول كل خطيب… والمارشات تتوقف بين الفينة والأخرى ليعلن: ترقبوا البيان بعد قليل.. سيذاع البيان بعد قليل .. وبينما يمضي الوقت ازدادت تساؤلات جموع الثائرين وانشغلت الأذهان بالأسباب لماذا؟.. وربما؟ وهل ؟.. والحقيقة الوحيدة والمجيب هو صوت المارشات. تأخر البيان كانت الإجابة على هذا السؤال كمن يبحث عن أبرة في كومة قش، مضت ست ساعات كاملة بين الترقب وانتظار البيان، والارض تغطت بالفرح …وهناك انطلق المحللون يتبارون في الوصول إلى الأسباب ليكونوا سباقين إلى حل اللغز .. رجل الثورة القادم على حصان طروادة، في الأثناء ذكرت بعض وسائل الإعلام أن هناك خلافات تدور بين الجيش حول الشخصية التي يمكن أن تتولى المرحلة الانتقالية خلفاً للبشير، في حين ذهبت وسائل إعلامية أخرى للقول إن انقلاباً على الانقلاب الذي حصل على البشير هو ما يؤخر البيان، واللافت أن هذه المعلومات تزامنت مع سماع دوي إطلاق نار من داخل مقر القيادة العامة، دون أن تتضح أسبابه. مخاوف وفسر عضو المجلس السيادي الفريق ركن ياسر العطا في إفادات سابقة تأخر إذاعة البيان بأن الفريق ابن عوف لديه انتماؤه الذي لا يخفيه للرئيس المعزول، وكان يظن أن إذاعته للبيان بمثابة تمرد على القائد الأعلى، وهذا بدوره سيوحي لبعض الضباط من الرتب الأقل بالتمرد عليه، وأردف: لا تعرفون طبيعة المؤسسة العسكرية … هي ذات قوانين ونظم … لذلك فإن تردد ابن عوف جعله لا يتعاطى مع الحدث بالصورة المطلوبة.. وهذا ما جعل إذاعة البيان تتأخر، وأشار العطا: توقعنا رفض الشارع لابن عوف .. لكن اتبعنا بعض الإجراءات والقرارات السريعة في اتخاذ القرارات في البيان الأول والثاني. اضطراب اللجنة وذهب عضو تجمع المهنيين إبراهيم حسب الله في ذات الاتجاه وفسر تأخير إذاعة البيان إلى اضطراب حدث داخل اللجنة الأمنية التي لم تستطع حسم موقفها من الشخص المناسب لإذاعة البيان، وقال (للصيحة) إن اللجنة الأمنية ربما كانوا مجبرين على استلام القيادة .. لأنهم جزء من القيادة التي أسقطت، وكانوا يبحثون عن مخرج من المطب والانقلاب، وراء أن تأخير إذاعة البيان، يعود إلى جس نبض الشارع وردة فعله قبول عوض بن عوف، ولا سيما أن مئات الآلاف خرجوا إلى الشارع في ذلك التوقيت ويعتبر إطلاق اسم بن عوف كمرشح بديل للبشير هو بمثابة انقلاب قصر، لأنه أحد المقربين من البشير . وحسب المراقبين فإن تولي عوض بن عوف سيواجَه برفض كبير من المعارضة التي حددت موقفها المطالب بتسليم السلطة لمجلس انتقالي ليس فيه رموز النظام السابق. خلافات وأكد مصدر ل(الصيحة) أن تأخر البيان سببه اختلافات حدثت داخل هيئة قيادة الجيش بشأن رئاسة المجلس العسكري وأعضائه . وأشار المصدر إلى أن رئيس أركان القيادة البرية السابق الفريق عبد الفتاح البرهان رفض أن يضم المجلس بن عوف أو رئيس هيئة الأركان المشتركة بالقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن كمال عبد المعروف .وأشار المصدر الى محاولة انقلاب قادها ضباط من القيادات الوسيطة في الجيش، للإطاحة برأس المؤسسة العسكرية والرئيس البشير، لكن القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية رصدت هذه المحاولة وأوقفتها، وحاولت الوصول إلى حل لإنهاء هذه الأزمة . وقال إن قيادات المؤسسة العسكرية بقيادة ابن عوف تحركت من أجل حسم القصة، ووضع حد للأزمة، دون أن تقلب الطاولة على الجميع، ولذلك تم تأخير البيان العسكري الذي أعلن متاخرًا. فالخطوة التي كانت تخطط لها بعض القيادات الوسيطة في المؤسسة العسكرية فشلت في اللحظات الأخيرة، قبل إعلان البيان قبل أن تتدخل القيادة العامة وتحسم الأمر لصالحها في غضون ساعات قليلة، والذي تحولت فيه من موقف الدفاع إلى الهجوم، والحسم ضد محاولة التململ الصغيرة . الوجود الإقليمي وأكد ابراهيم حسب الله وقوف قوى إقليمية وراء محاولة الانقلاب الأولى، وفي بيان منسوب لقائد عسكري سوداني يدعى علاء الدين عبد الله محمد أطلق على نفسه الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي عزل فيه الرئيس السوداني وأعلن عن تشكيل المجلس الانتقالي . هذا الاحتمال قد يكون الأقرب إلى الصحة، في ظل حالة الضبابية التي بقي عليها المشهد خلال الفترة التي تلت إعلان سقوط النظام ، وأن الأمر حسم بالشكل الذي يضمن بقاء البلاد في حالة استقرار، وفي نفس الوقت إرضاء الشارع بهذه الطريقة، وأن هدفهم قد تحقق في الإطاحة بالبشير .ولعل الصيغة التي كُتب بها البيان العسكري تشير إلى ذلك.