* عبارة (كلام جرايد) التي كانت تعني عدم المصداقية حلت محلها عبارة (كلام أسافير)، وأصبح الباحثون عن الحقيقة ينتظرون صباح الغد ليقرأوا الجرائد حتى يتحققوا من صحة ما تعج به الأسافير وتضج به (الفواخير) فتقذفه عبر (السوشيال ميديا) بلا رقيب ولا حسيب ولا وازع من ضمير. * أسوق التحية مثنى للصحافة السودانية دون سواها من الأجهزة الإعلامية الأخرى ليس لأن أكثر صحفييها كانوا يقرأون الأحداث قراءة صحيحة في ذروة الضعف والوهن الذي أصاب الرسالة الإعلامية بفعل (الإرهاب القحاتي) الطاغي، خاصة في الفترة من 11 أبريل الماضي (تاريخ رحيل النظام السابق)، حتى 3 يونيو الجاري تاريخ (فض الاعتصام). ليس هذا وحسب، ولكن لأن أكثر قادة وصناع الصحافة وأكبر كتاب الرأي فيها اتخذوا مواقف سجلها لهم التاريخ إذ لم يجبنوا أمام التهديد الفصيح والوعيد الصريح الذي مارسه (القحاتة). * نعذر بعض الصحف التي تنطلق من فكرة مبدئية معارضة بل معادية لكلِّ عُرفٍ استقر عليه المجتمع السوداني، وظلت تمالئ اليسار وتتماهى مع مشروعه المسمى (السودان الجديد) الذي رأينا نموذجاً له في دولة مجاورة حديثة التكوين لا يتمناه مواطن مخلص لوطنه. ونموذج مصغر منه في كولمبيا والبنايات المحيطة بميدان الاعتصام؛ حيث رُفِعَ الدين والحياء وسائر الأخلاق. كما نعذر صحفاً أخرى ظلت طوال مسيرتها تميل حيث رأت مصلحتها الذاتية، لا حيث تقتضي المهنية والوطنية. * غير أن حاجب الدهشة ينعقد لموقف تلفزيون السودان وإذاعة هنا أمدرمان اللذين أجادا الخضوع (للقحاتة) في الفترة المشار إليها عاليه. * ودون تحميلِ أحدٍ من الأفراد مسؤولية ذلك إلا أن المجلس العسكري نفسه كان متسبباً في حالة التوهان هذه بانسحابه (للقحاتة) من أجهزة الإعلام القومية من ناحية، ومن ناحية أخرى بتدخله حتى في تعيين مديري الإدارات من مؤيدي (قحت) مثل ذلك الشيوعي الذي يشغل الدرجة السابعة، وتم تعيينه مديراً لإدارة عامة بالتلفزيون رغم عَطَلِه عن المواهب والقدرات والخبرات ورغم أنف الدرجات الأعلى. وهو أمر مع غرابته هو كذلك ليس من اختصاص المجلس العسكري! * تجمع المهنيين ابن قحت من (الرضاعة)، لم يعترف بتجمع الإعلاميين بصفة عامة، ومنسوبي الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بصفة خاصة بسبب ما رآه تقاعساً منهم عن مواكبة الحراك الثوري. إلا أن المراقبين يرون أن ما قدمته الأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة ل(قحت) يفوق طموح سلطة لم تتمكن بعد. * أوردْتُ حالة الإذاعة والتلفزيون لتأكيد تحيتي للصحافة السودانية التي أفْصَحَتْ عن رساليتها في وقت المحنة وذروة (الإرهاب القحاتي). وأردت أن أقول إنه يجدر في التوثيق للثورة أن نطلب إلى الباحثين ومراكز البحث وطلاب الدراسات العليا في المجالين الإعلامي والسياسي أن يقفوا عند هذه الحالة النادرة للأجهزة الإعلامية للدولة التي انصرفت بصورة شبه كلية عن شأن السلطة القائمة (المجلس العسكري) وشأن السلام الاجتماعي ووظفت جل برامجها لسلطة كانت متوقعة هي (قحت) يَنْصَبُّ خطابها في مجرى الإقصاء والانتقام. كما يجدر بأهل الاختصاص التوثيق للحالة النابهة التي التزمها قطاع واسع من الصحافة انحيازاً لأمن الوطن وسلامه بدلاً عن الانسياق خلف الصوت العالي (لقحت) والهتافية المتحررة عن كل قيد حتى قيد حرية الآخر رغم أن الصحف مؤسسات خاصة. فهل الأمر يعود إلى الحرية النسبية التي تتمتع بها سياسة التحرير في الصحف في مقابل قيود الوظيفة ومحاولة استرضاء (قحت) صاحبة السلطة التي كانت مرتقبة؟! وهل في الأمر مؤشر أن المُجْبَر يمكن أن ينجز ولكن الحر ينجز ويبدع؟!