كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    وزير العدل يلتقي بلجنة التحقيق في جرائم المليشيا باتحاد المحامين العرب    تدشين نظام السداد والتحصيل الإلكتروني (إيصالي) بالنيل الأزرق    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    الهلال يسعى لمصالحة الجماهير أمام مارينز    ماما افريكا تعود اليوم    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    تحرّك خطير..إعدام سوداني في السعودية    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    اشتباكات عسكرية بين قوات دولة جنوب السودان والميليشيا في هجليج وسقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين    هلال كوستي يجري مرانًا ساخنًا استعدادًا لمواجهة الشبيبة    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: مقاربة ديسمبريون (رباطة) جنجويد (قحاطة)    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    شاهد بالفيديو.. الشاعرة والصحفية داليا الياس: (أنا زولة مختلفة وكتابة وسابقة زماني وما بشبه الناس)    بالفيديو.. القائد الميداني للمليشيا "يأجوج ومأجوج" يهاجم إعلام وقيادات الدعم السريع: (تريدوا تمجيد إبراهيم إدريس بعد وفاته وعندما كان حي شتمتوه ووصفتوه بالحكامة وانتو سجمانين ونظامكم قريبي وقريبك)    كامل إدريس يلتقي بمطار إسطنبول نائب وزير الخارجية التركي    شاهد بالفيديو.. بعد نهاية حفله الجماهيري بالقاهرة.. الفنان أحمد فتح الله يجري هرباً من الجمهور    شاهد بالصورة.. عروس سودانية تحكي قصة عن طيبة السودانيين: (كنت مضطرة أسافر يوم زواجي وكنت مكتئبة وبطني طامة..قابلت سيدة في الطائرة أخرجت "كيس" الحنة ورسمت لي حنة العرس ونحنا في الجو)    رئيس الوزراء السوداني يغادر البلاد    رئيس مجلس السيادة يتسلم رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي    لتحسين الهضم والتحكم في الشهية.. ما أفضل وقت لتناول التمر؟    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    مدير عام الصناعة ولاية الخرطوم يزور جمعية معاشيي القوات المسلحة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: .....(الشوط الجديد)    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    "فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا لكل مباراة في "مونديال 2026"    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    توجيه بصرف اجور العاملين قبل 29 ديسمبر الجاري    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    البرهان يصل الرياض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الحراك الشعبي والفعل السياسي في السودان
نشر في باج نيوز يوم 04 - 07 - 2022

*إنه ذات الحقد والغل والتعطش للإنتقام، ومن ذات كتائب الموت المجرمة المتخفية في زي القوات النظامية، والتي تنفذ مخطط إقتناص وقتل شباب الثورة، منذ إنتصار الثورة في مرحلتها الأولى، وبدءا بمجزرة فض الإعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني في العام 2019، وليس إنتهاء بحصد أرواح الشباب والصبية والأطفال، بالرصاص أو طعنا أو تهشيما للجماجم، بالأمس إبان حراك الثلاثين من يونيو/حزيران المنصرم، ولأنها متكررة، وخاصة بعد إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، فهي جرائم قتل مكتملة الأركان، عمدا وبتخطيط مسبق وليس تفلتا أو عدم انضباط أو لخطأ غير مقصود.
*هي جرائم مباشرة، دافعها الأول الانتقام من شباب السودان الذي فجّر الثورة، وأزل وهزم «الكجر» و«كتائب الظل» متسلحا بالسلمية وهتافات الحناجر. ودافعها الثاني، والرئيسي، السعي المحموم لوأد الثورة وقتل الأمل في التغيير عبر سفك دماء الشباب المنهمك بهمة وجدية وحيوية في استكمال مهام الثورة، وفي التحضير لبناء سودان الغد الواعد. وبالنظر إلى موقع هذه الجرائم وميقاتها والمتهمين بإرتكابها وضحاياها من شباب الثورة السودانية، فإنها بالفعل جرائم صادمة. لكنها أيضا جرائم جبانة، تناقض كل قصص الشجاعة وأغاني الفخر والحماسة عن بطولة وشهامة السوداني، ما دام الرصاص القاتل يُطلق غدرا وعلى ظهر الشهيد، وما دام القاتل وهو في زي القوات النظامية يركل جثامين الشهداء الطاهرة بالحذاء العسكري في شارع الستين في الخرطوم.
*أما إذا كنا، والسياسيون منا بالأخص، نندهش ونتعجب لحدوث هذه الجرائم وكأنها غير متوقعة، فنحن فعلا غافلون ساهون ليس إلا! هي جرائم متوقعة تماما، مادام إنتصار ثورة السودان لايزال حتى اللحظة جزئيا وغير مكتمل لأنه توقف عند الإطاحة بالغطاء السياسي لنظام الإنقاذ، بينما جسد النظام باق ينخر في عظام الثورة يتحين الفرصة لينقض ويشن هجوما مضادا ليحكم من جديد بقوة الدم المسفوح، وها قد أتته الفرصة إثر تداعيات إنقلاب الخامس والعشرين من إكتوبر/تشرين الأول 2021، مسنودا ومستقويا بحقيقة الإفلات من العقاب، وحقيقة أن الحديث عن لجان التحقيق حول هذه الانتهاكات والجرائم هو مجرد لغو القول وباطله.
*لقد أشرنا من قبل، وفي الأسابيع الأولى من عمر الثورة، إلى أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه ثورة السودان، هو أن إنتصارها ظل جزئيا وغير مكتمل ما دام توقف عند الإطاحة برأس سلطة تحالف الإستبداد والفساد، أو غطائها السياسي، بينما جسد هذا التحالف باق ينخر في عظام الثورة وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد. وقلنا إن هذا الغطاء السياسي البديل لن يهمه أن تدخل البلاد في نزاع دموي شرس، يكتسب الديمومة بفعل عدد من العوامل، منها أن تحالف الفساد والاستبداد من الصعب أن يبتلع ضياع ما راكمه من ثروات ضخمة خلال الثلاثة عقود الماضية. وهي ثروات لم تُجن بكدح عرق الجبين أو بتدوير رأسمال متوارث، وإنما باستغلال يد السلطة في نهب موارد البلاد وأحلام مستقبل شبابها.
*وبعد الثورة، لم تُمس هذه الثروات، وظل يجري استخدامها في التحضير الجدي للانقضاض، ولهذا السبب كان الفتك بلجنة إزالة التمكين. وفي ظل هذه الحقيقة، وحقيقة أن جرائم الإنقاذ البشعة، والجرائم إبان حراك الثورة وبعد الإطاحة بالحكومة الإنتقالية، ظلت دون مساءلة أو عقاب، بينما مرتكبوها ظلوا قابعين في مواقع متنفذة، وفي ظل حقيقة وجود مجموعات مسلحة ضمن أجهزة السلطة الإنتقالية، تدين بالولاء لتحالف الفساد والاستبداد، وعقيدتها القتالية الإنتقام من الشعب ومن ثورته، كان منطقيا أن نتوقع إنقضاض هذا التحالف على الثورة، وهو ما نشهده الآن بالفعل، وإبتدأ بمذبحة فض الإعتصام وليس إنتهاء بمذابح الأمس.
*إن إنتهاك القانون والإفلات من المحاسبة والعقاب، خاصة من قبل قوات حماية وإنفاذ القانون، هما من أولى ظواهر إنهيار الدولة، ومن أولى العوامل المسببة له، وسنكون مشاركين في الجريمة أذا أغمضنا أعيننا عن هذه الانتهاكات القانون.
*بغروب شمس الثلاثين من يونيو/حزيران المنصرم، تبدت أو تأكدت، مجموعة من الحقائق، أولها أن ثورتنا المجيدة لم تكن مجرد إنتفاضة جياع، ولا ترتبط بأهداف سياسية بحتة وآنية، بقدر ما هي ثورة جيل إندفع ليحطم الجدار الذي سدت به الإنقاذ أفق بناء دولة السودان المدنية الديمقراطية، جيل لن توقفه كتائب الموت المتخفية في زي القوات النظامية، ولن يصمد أمامه أي أفق مسدود آخر، ولن يهدأ له بال حتى ينتصر، وسينتصر، فهو الجيل «الراكب رأس»..! وثاني الحقائق، أن الأولوية القصوى، إضافة إلى الحفاظ على جذوة حراك الشارع السلمي متقدة، هي العمل على وحدة قوى الثورة وتماسكها ودفع أي تناقضات بينها إلى الوراء، ونبذ ما تشهده من تراشق وخلافات وصلت حد التشكيك والتخوين، لم يكبحها الوضع المعقد لمسار الثورة والذي يتطلب تكاتف وتوحد الجميع أكثر من أي وقت آخر، ولم تعدها إلى رشدها نداءات أرواح الشهداء أن نحافظ على ما نصرته وروته بدمائها وأرواحها، وأن الخائن الحقيقي، هو من يصم أذنيه عن هذه النداءات وهو لا يدري، أو يدري ولا يهتم، أنه بهذا المسلك يفتح أوسع الأبواب لأعداء الثورة. وثالث الحقائق أن الحراك الشعبي وحده لن يحقق المراد ما لم يتبعه فعل سياسي ينطلق من مركز موحد، الحراك هو رافعه ومصدر قوته، ويكون جوهره هو إبتعاد العسكر عن السلطة السياسية التي تتولاها كفاءات مدنية غير حزبية.
*صحيح أن السودان اليوم يمر بمنعطف خطير، مما يتطلب إعلاء صوت الحكمة مثلما يتطلب الانخراط في عملية سياسية تسع كل قوى الثورة. ولكن هذه العملية السياسية لا تعني التحلل من ثورة ديسمبر/كانون الأول والتعامل معها وكأنها كانت خطأ، مثلما لا يمكنها أن تمر مرور الكرام فوق جثث الشهداء وما ارتكب من جرائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.