لا أروع من حضور روضة الحاج على المنبر.. هذه السمراء، هبة النيل والنخيل التي تبسط اللفظ على طاولة المعاني بمهارة فائقة وتترك في الحضور دهشة لا أقل من دهشة ابن الرومي أمام ذلك الخباز الذي (يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر وبمقدار ما تنداح دائرة في صفحة الماء ترمي فيه بالحجر).. وكذا روضة التي أشهد بأنها حين همست بلحن صوتها الدافئ في قاعة (بيت الشعر) في المنامة ليلة الاثنين الماضي، انداحت دائرة حجرها الذي ألقت به في صفحة مياهنا الراكدة.. أمواجاً من العتب واللوم لعروبة تصر على أن تنافس نفسها في الرقم القياسي للتناقض والمفارقات.. العروبة التي لا تزال ترقص بوجه بلاستيكي تواري خلفه ذلك الوجه البائس المتقرح.. وكانت القاعة في حضرة روضة الحاج تعيش برغم أنفها لحظات صدق استثنائي مع النفس ومع قوافٍ تعتذر دائماً عن زيارة غرف (الميك آب) قبل العرض.. وروضة ومع ذلك، أيضاً هي خبازة ماهرة لفطائر الفرح والحب والجمال، بارعة هذه الشاعرة السودانية الجميلة في ترويض تلك المعاني المتمنعة العنيدة وحجز أجنحة فسيحة لها في قلب الواقع الحزين. مشاركة الشاعرة السودانية روضة الحاج بتلك الأمسية الشعرية الرائعة والحاشدة التي جعلت عنوانها (نيلان من حبر القصيدة)، بحضور الشيخة مي آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، كانت حدثاً وحديثاً ثقافياً لافتاً في عاصمة خليجية ذات مكانة ثقافية وسياحية متميزة ولا يلفت انتباهها إلا الإبداع الحقيقي.. البحرين بلد عالية الإحساس ناضرة القلب، داخل فضائها الحر المنفتح على جميع الثقافات والأفكار والموروثات الإنسانية.. ومساء روضة الحاج في البحرين لم يكن مجرد منتدى شعري عابر، بل فعالية كاملة مخصصة رسمياً لهذه الشاعرة السودانية المبدعة، في إطار الموسم الثقافي البحريني تحت شعار (قل هو الفن) وتزامنا مع فعاليات ربيع الثقافة الثالث عشر في البحرين، قدمت فيها روضة مجموعة مختارة من أشعارها الممتعة. من السهل جداً سادتي أن يقدم السودان الواجهات الأجمل والصورة الأفضل له والتي تعبر عن عمقه الثقافي وقدره ومقداره الحقيقي.. فقط لو تركنا عادة تشويه صورتنا وصورة بلادنا وتخريب سمعتها و(كشف حالنا للي يسوى والما يسوى). نحن الأجمل لو أردنا لأنفسنا ذلك.. نحن الأروع والأفضل والأكثر تميزاً لو عرفنا كيف نقدم أنفسنا للعالم. شوكة كرامة
