أي خبر سيء، يفتقر إلى الإنسانية والذوق السليم والإلمام بمعرفة أبسط الحقوق والواجبات، ذلك الذي نقلته لنا وكالة السودان للأنباء وبعض المواقع الأخرى.. إنها كارثة حقيقية بما تحمل الكلمة من معنى.. حكومة ولاية كاملة، تحتشد مع بعضها البعض، وتدعو الإعلام ليأتي ويوثق ويشهد على فضيحتها. يقول الخبر المؤسف إن والي ولاية جنوب دارفور آدم الفكي، تسلم بحضور وزراء التربية والتعليم والثقافة والإعلام والتخطيط العمراني بالولاية، مبادرة أصحاب الدرداقات دعماً وسنداً للدورة المدرسية القومية رقم (28) التي تستضيفها الولاية في نوفمبر المقبل. ويضيف الخبر أن أصحاب الدرداقات بسوق نيالا الكبير، سلموا مساهمتم للوالي مبدين استعدادهم التام للعمل في نظافة المدينة وفي نزل ضيوف الدورة المدرسية وسلموا الوالي مبلغ (1000) جنيه كضربة بداية لمبادرتهم.. الوالي وحكومته أبدوا سعادتهم بهذه المبادرة "القاسية" وأعلن الفكي إعفاءهم من الرسوم الدراسية.. كيف يسمح والي وحكومته أن يتحصلوا على أموال من "أطفال الدردقات" الفقراء، الذين اتخذوا العمل من الصغر وسيلة لكسب العيش، وكيف أتتهم الجرأة أن يقروا بهذا التسيب ويعترفوا بوجود أطفال يعملون في البيع "بالدرداقات"؟! من الذين يريد الوالي خداعهم، بإيهامه أن أطفال الدرداقات ينتسبون للمدارس؟ لم أسمع في حياتي أن فقيراً يتبرع من ماله القليل، لإنجاح "دورة مدرسية" أو لإسعاد أطفال يداومون في مدارسهم ويريدون اللعب في دورات مدرسية.. الفقير يتبرع للأفقر منه، وليس للأغنى منه. ألا تعلم حكومة جنوب دارفور والحكومات المجاورة، أن المنظمات الأممية، تُجرم عمالة الأطفال بحسبانها تضر النمو البدني والعقلي للأطفال واليافعين، وتؤثر على تعليمهم، وتعزز دورات الفقر بين الأجيال، وتقوض الاقتصادات الوطنية وتعرقل التقدم باتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية..؟! أن يُقر والي وحكومته بوجود أطفال يعملون في الدرداقات فتلك مصيبة، وأن يتحصل منهم على تبرعات فالمصيبة أعظم.. مصدر من دارفور، أكد لي أن عدداً من أولئك الأطفال لا يدرسون في مدارس، فعملهم يستهلك جل وقتهم صباحاً ونهاراً وعصراً، وأن ما قاله الوالي عن إعفاء رسومهم المدرسية به نوع من "البروباغندا" الإعلامية.. في نهاية مايو الماضي، فاز المواطن السوداني مدير (منظمة مجددون السودان) فارس النور إبراهيم، بالمرتبة الثانية في مسابقة جائزة "صناع الأمل" التي رعاها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن مبادرته "الغذاء مقابل التعليم".. فارس وزع أربعين مليون وجبة طعام لمحاربة الجوع وسط تلاميذ المدارس في المناطق الفقيرة وتحفيزهم على الحضور. جائزة فارس كانت مليون درهم، وسلمت له وسط الوزراء والشخصيات العامة البارزة في أعمال الخير.. وحكومة جنوب دارفور تتحصل على التبرعات من التلاميذ الفقراء الذين لا يملكون سوى الدرداقات..