الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    الجيش السوداني يسترد "الدانكوج" واتهامات للدعم السريع بارتكاب جرائم عرقية    مطار الخرطوم يعود للعمل 5 يناير القادم    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    مصر تؤكد دعمها الكامل لوحدة وسيادة الصومال    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازل المحطة القادمة
نشر في قوون يوم 03 - 07 - 2013


الحزن لا يعرف عبدالوهاب زكي افندي

في قريتنا الصغيرة ..يأتي على رأس كل شهر ...واحيانا في كل خميس من كل اسبوع (علما ان الاسبوع زمان كان فيها (3) خميسات). واحيانا اخرى على رأس كل ساعة (مثل دقات big bin ) عامل الجبايات ليخلص جباية (حوض الجرجير) الذي يزرعه عوض الكريم (دراية) من الحكومة ، في حوشهم الكبير..ولينال حظه من (البيضة) التى تبيّضها (جدادة) كلتوم بمتوسط يومي - بيضة واحدة عند الواحدة من بعد ظهيرة كل يوم.

تلك البيضة التى ينتظرها عامل الجبابات ...وعبدالقيوم الولد البكر لكلتوم ، ينتظرها على ما هو احر من الجمر ? فهي في الغالب تكون (حافزا) له على مشوار يقطعه (عبدالقيوم) نهارا من البيت الي طاحونة ود البكري ...وفي جوفه (جوعا) يبتق فيه زي (صحْيَة جروف النيل مع الموجَهْ الصباحيَّه) ...وعلى رأسه (ملوة) عيش فتريتتها (دراش) - مازالت تحتفظ بسخونة (طحنها).

ويأتنا نحن (مع سبق الاصرار والترصد) ? مثل المسلسلات المصرية القديمة ...(ايام القانون لازم يأخذ مجراه ? وكلام اخوك الكبير لازم يصير يا حسنين..ليه يا ابوي؟...لأنو اخوك الكبير يا حسنين)...المشهد هذا للعلم كان يجسده عبدالبديع العربي (الاب) مع فاروق الفيشاوي (الابن)..اما الاخ الكبير فقد كان (نبيل الحلفاوي).

وقد جاء ذكر ذلك عرضا...(ما تشتغلوا بيهو).

عامل الجباية يأتي إلينا (خلسة) ليخلص حصته من (الحزن) الذي كان يمده (والدي) ..بيننا وبينه ..لا نعرف (سره) ...ولكن نشعر بعمقه ..وكباية الشاي تأتي (باردة) لتغلي وهي في يده مثل (المرجل).

والباب فاتح الساعة اتنين...يجابد في الناس للغدا..(اتعلم الباب هذا الادب وصار يتقنه حتى ساعة وجبة العشاء).

هذه بعض ...(احزاني)..اصرفها اليكم (موارة) في (كبسولات) مسايفة ? عسى ولعل ..نهزم (الحزن) فينا ...ونرد (كرامتنا) بعد ان جردنا منها في مباراة الذهاب وهو يهزمنا 66/ صفر.

وكلنا شركاء في ذلك ...(حاجة امنة) فينا ..مازالت تسعى بفردة نعال مقطوعة (نخرتها) بين البيت والمدرسة ملتوقة بي (دلق) ...وفي توبها تصر (ربع رطل سكر..ووقية شاي) ? ذلك زمنا كان عزيزا فيه (الشاي)..وقد عز على الناس في (المغيرب)...وهو يجمع الاسرة كلها حول صينيته.

ها نحن نحاول ...ان نكتب شيء ? ونلعب مباراة (الاياب) ...نكسر به جمود (الحوت) في سوق الملجة في موسكو ..ان كان لهم (حوتا) بتلك المواصفات ..وملجة بهذه (الفوضى).

يقال ان حوت موسكو فيه (9) عيون ...وبرندة وغرفتين...(بيوت الاجار اتلفت لغتنا ? وقعدتنا في الصقيعة).

عهدي بي (موسكو) حتى وقتا قريبا كان يغلب عليه (النظام)..وقد قيّل ان (الفة) الصف الرابع في مدرسة (توكر بتر جاك) الابتدائية (شليق) ..وتوكر بتر جاك هذا احد اعلامهم ? كان الفة ذلك الفصل يقرأ (جبرة) بين الطلاب اغنية محمد وردي (الحزن القديم) بلغة روسية مدنكلة? هذه الاغنية التى كتبها عمر الطيب الدوش وكانت اخر عهد غنائي يجمع بين الدوش ووردي - الذي كان قد سبق هذا العمل (الحزايني) تعاملا مع الدوش ب (الود) ذات التوزيع (الروسي) ومن ثم جاءت (بناديها) حتى كانت (الحزن القديم) في بدايات مطلع التمانينات ان لم يتلف الذاكرة فيروس (الطاغية الاميركان ليهم تسلحنا).

فقد كانت تأتينا ونحن في المرحلة الثانوية هذه (الانشايد) لننشدها (قصرا) في طوابير الصباح...ارجو ألا تكون قد اغسلت فينا (غوايش) صلاح احمد ابراهيم التى جاء بها فى (الطير المهاجر)...ومناديله الاثيرة والاسيلة ...وحبيبته الوطن.

لا اعرف (الفة) الصف الرابع في مدرسة (توكر بتر جاك) الابتدائية في موسكو - والتى تعادل عندنا هنا مدرسة (خور طقت الثانوية) حينما كان التعليم في السودان يقوّم على (قم للمعلم وفه التبجيلا) ? قبل ان يصبح الان (القيام) حكرا على اصحاب الهمر والعمارات السوامق التى عرفنا بها محمد الحسن سالم حميد (فزعا) ...قبيل الاصتطدام بها واقعا في شارع افريقيا المسمى مجازا ب (شارع المطار).

لا اعرف ذلك الالفة (الروسي) وما عاوز اعرف (خلقتو دي) بقميصه الرمادي ابواكمام طويلة...ولا اعرف (والله العظيم) مدرسته تلك التى اقطعها الان من رأسي ...ولكن اعرف مثل (جوع البطن)...الحزن القديم الذي يصدمنا الان في شارع المطار ? وشارع بيتنا ...وكل الشرايين التى تؤدي الي القلب (تقطعا)..وتقاطعا.

شرطي المرور في (شراييني) يقطع (الدم) بدلا عن (الايصال)..وادفع حيال ذلك جزء من (الحياة)...في شكل كتابات وبعض الكلمات.

لا اعرف..ربما يأتي يوما يصبح فيه ذلك الامر المجهول ضمن مقررات الشهادة السودانية.

نحن عندما امتحنا الشهادة السودانية كانت (جوبا) تحمّر خدودها من غزلنا فيها ? جوبا كانت تقع في حواشي الوطن ? ونغني لها مع محمد احمد عوض (جوبا مالك عليّ) اذا ضجر الحبيب ? ونضغط على ضروسنا تشديدا على المقطع في غير تشدد من الوله ...ونغني مع النور الجيلاني (يا مسافر جوبا) اذا الحبيب ساكت قفل تلفونو...وعمل فيها زعلان ...او تلفونو صامت ...(هذا الاعتذار الذي يقال في عدم الرد على المكالمات).

الان جوبا عاصمة لدولة اجنبية ? على الاقل هكذا تقول حسابات السياسة وقسمة السلطة والثروة.

أليس هذا (حزن) نحن شركاء فيه.

ربما ? لم اعد احلم باكثر من...(مقعد فاضي في بص الوالي)...في اواخر امسيات الخرطوم التى كان يغني لها عثمان حسين في الزمن الماضي (انا والنجم والمساء).

هسع لا في نجم ولا في مساء ولا في حتى (انا).

فصرنا الان نغني بعد حيلولة موقف (شروني)...انا والنجم وبص الوالي..وبعض الجراح (الممنوعة من النشر).

ونتنازع في (انا) بين الكلاكلة اللفة والحاج يوسف بالردمية.

احد الطلاب المشاغبين في مدرستنا الابتدائية سألوه ان كانت (طوكيو) هي عاصمة اليابان؟.

كان السؤال يغني عن الاجابة ..بعض الاسئلة تحمل اجوبتها معها...وبعضها نموت بيها بس.

نكتلها في مصارينا.

مثل ان تسأل عن الحمامة ? هل هي بتبيّض ام بتلّد؟.

مالك امالها ? ان شاءالله تجيبهم بالتبني.

فتقول اجابة (وهمية) - غايتو لو الحمامة كانت بتلّد ...كانت وزارة الصحة عملت رسوم ولادة الحمامة (750) جنيه ? هذا ان كانت كانت الولادة طبيعية.

اما الولادة (القيصرية) للحمامة فرسومها (3750) جنيه تدفع قبل سريان (المخدر) في الحمامة.

الطالب سألوه ان كانت طوكيو عاصمة اليابان - فقال بعد (توّثب) : اليابان دي لو ما بخاف الكضب (صابونة).

ونحن في البدء كنا فاكرنها (مكرونة).

قلنا له : خليها صابونة وإلا حلاوة لبان وإلا حتى مكرونة ? السؤال (طوكيو) دي ..القاعدة في الاطلس متل (النقطة) في اخر السطر ? متل البطيخة في اخر الصحن.. عاصمة اليابان يا ود الناس واللا؟....ما تنظّر لينا كتير ? السؤال واضح ما تقعد تتخندق لينا زي (الفاتح النقر).

اجاب الطالب ? انا طوكيو ما عارفها لكن (الدامر) عاصمة ولاية نهر النيل.

دي الحاجة البقدر عليها والله.

جدع والله.

وقد كنا نخلط فى البدايات بين الدامر وعطبرة ..واي فيهما عاصمة لولاية نهر النيل.

ويجيبوا لينا السؤال دا في الامتحان الف مرة نغلط فيه.

طوكيو اهدتنا الكثير من الاختراعات والاجهزة الالكترونية المفخرة ? لكن ام درمان هنا اعز منها واكرم فقد اعطتنا ام درمان صلاح احمد ابراهيم وعلي المك واحمد الجابري وابراهيم عوض والهلال.

ام درمان اعطتنا حتى (خليل فرح) الذي جاء من اقصى الشمال من جزيرة (صاي) ليمنحنا (ما هو عارف قدمو المفارق) تجوّلا وتحوّرا وتشكّلا في ام درمان وحواريها ابوروف والمعيلق ويمين النيل حيث سايق.

خليل فرح كتب هذه الاغنية ثم رحل من هذه الفانية لتكون (ما هو عارف قدمو المفارق) مرثية له ? حيث كان خليل فرح هو اول شاعر في الدنيا يرثي نفسو ..ويغني لرحيله ...ثم يمضي من الحياة وهو في مشارف الشباب ..وفى صحوه.

الان انا ارثى نفسي ..ليس اذانا للرحيل فليس لنا في ذلك خيار ولا ميقات بحوّل الله وقوّته ? ولا املك من شجاعة الخليل شفاعة ...ولكن ارثي نفسي في رحيل (الوالدة) التى غادرتنا مساء الثلاثاء 11 يونيو 2012م كما الطفل الغرير الذي يروح في نومة عميقة دون سابق (نعاس) او تبتبه.

غادرتنا هكذا (قريرة) العين ...كأنها تحط رحلها ..ليتوقف القلب الذي لم ينبض يوما بغير الحب والخير والجمال والطيبة.

انعيّك انا في هذا اليوم (هروبا) من وقعة الانكسار ..ومواجهة مع واقع محتوم ..نؤمن به ..ونحتسب فيه ...ولا نقول إلا ما يرضى الله.

كان لنا قبل ذلك ..صدامات ومواجهات شتى مع (الموت) ...عاركنا فيها (الموت) وفاجعنا (وغافلنا ورحل) ...وقطع كل منابع الحواس فينا ..لتنتج فقط الوجع والحزن والصبر الجميل تقرحا.

قفلنا البلف.

السيستم قفل.

رأسنا ضرب.

ادخلكم اليوم في تفاصيل وجعي هذا ...لانكم كنتم معي في هذا الخاص ..شاركتوني الحزن ..وتواصلتوا معى (وجعا) من مواقع شتى.

اليوم استسمحكم ..بان نقلب هذه الصفحات ? عسى ولعل تكون بيني وبينكم شراكة اخرى ? شراكة العيش والملح والملاح والحزن والاعتبار.

لا خير في (خوة) لم يداخلها الشجن.

في طفولتنا الكادحة ...كنت في بواكر المرحلة الابتدائية ....خطف الموت ...شقيقنا الاكبر (صلاح)..كان وقتها يكمل ال (21) عاما (في زهو الشباب) ...عندما بدأ يتوكأ بعصاه ويهش بها ...اخذه الموت.

وقتها لم نكن نعرف (الموت) ونعرف كينونته...كان عندنا بحس الطفولة الغايرة عالم مجهول ...وشيء غير مفهوم.

لكن فجاعة (الموت) وكربه ...وحزنه المر شاهدته في (عيون) والدي..اذ كان الوالد يحترق امامي (حزنا) ، او كان الحزن يمثلي امامي في شخص (ابوي) ..وهو يفقد ابنه الذي يعده لتولى القيادة وتحمل المسؤولية.

فضله بكل الرتب والفضائل وجمائل الاخلاق ..ليرحل من بعد ذلك من (الدنيا) ام بناية قش.

فقد والدي ابنه البكر وهو يضع يده عليه (ارتكازا)...ليخطف منه في غمضة عين ...وليدفنه بيده وهو يدفن نفسه قبله.

اما الوالدة ..فقد كانت حالة من الحزن الشامل والصبر الجميل ...وهي تفقد ابنها الكبير الذي كان يمشي امامها بروح ملائكية ..ونفس من الطهر والنقاء والانس...تعدها للعرس ...والفرح والجترق وتحمل بيوم حنته.

قبل هذه (الوفأة) كنا بحكم السن ..ونحن في الطفولة نعاف الموت ..ونتحاشي حتى البيوت التى يحدث فيها (موت) وهذا فينا من جهل..لم نكن نعلم وقتها ان (الموت) سوف يصبح لنا وليفا ورفيقا يخطف منا اعز الناس.

ظل الوالد يكب (كبده) امامه احتراقا وينزفها (تكبدا) ...اما الوالدة فقد اختارت (الثوب الابيض) لتكفن نفسها وهى بين الاحياء...في صمتها الحزين ..او حزنها الصامت.

لم يكن ذلك ...اعتراضا منهما او عدم رضى بالمكتوب ...فقد كان ايمانهما ويقينهما..يمنعهما حتى من اظهار الحزن الذي كنا نحسه بيننا يمشي على (الوالدين)...ونلحظه ارتجافا في الاطراف ...ودموعا توارى الاكمام.

مات (صلاح) بعد ان اكمل علامه ...واستلم وظيفته ..ثم رحل بعد ذلك في مستشفى (الشعب) بالخرطوم التى مازلت كلما مررت بشارعها الف وجهي عنها.

كبر الحزن عند الوالد والوالدة ? لم يكن يصغر يوما ...او يبرد ...حتى جاء رحيل (الوالد) وانا في بدايات الدراسة الجامعية في حادث حركة على شارع التحدي ...عندما كان البوكسي يحمل في بطنه (6) اشخاص ...اربعة رحلوا من هذه الدنيا في هذا الحادث ابي واعمامي ووالد زوجتي ابشر عثمان ...اثنين فقط خرجوا من الحادث بالكثير من الوجع والحزن.

الاثنين الذان خرجا من الحادث كنت واحد منهما ...اما الاخر فهو جمال حاج البيتي.

مرقنا من الحادث لنموت الف مرة في اللحظة.

هذا الحادث ...فتح في نفوسنا الكثير من الجراح...وقوم فينا الوجعة والالم وتاور الشقى.

فقدنا اعز الناس في هذا الحادث ..اذ رحل منا (اربعة) رجال ...جمعتهم الحياة قرابة وصحبة ..وجاء الموتى ليمضي بهم سويا.

في يناير الماضي وفي يوم الجمعة 25..رحلت عنا في (فاجعة) اخرى شقيقتنا الكبرى (سيدة) ام الاء واسراء وايثار وايناس ومحمد وعبدالماجد.

كأن الموت يتخير فينا افضلنا...فقد كانت (سيدة) قطعة اخرى من الطهر والنقاء والجمال ...والكفاح.

انسانة (راحلة) من يومها...زولة ما زولة دنيا.

رحلت لتترك اطفالها صغارا في مراحل تعليمية مختلفة ..قبل ان تكمل معهم كفاحها ...بعد ان اكملته مع اخوتها..فقد كانت (سيدة) ام ثانية لنا.

في اربعة شهور واسبوعين ..فقدنا (اميين)...امنا الاخت (سيدة) ..وامنا الوالدة (سعاد).

لنتيم من الجهات الاربعة ونحن في سن لا يقبل وجل اليتم ..وافتراضيات وجعه المر.

في العمر دا اتيتمنا ...وقفلنا ابوابنا الاربعة علينا..من كل الدواخل وكل الاتجاهات.

الان الوجع في كل شوارعنا ...لم يترك لنا حتى مسرب للضوء.

اظني اني مهما تكلمت وتحدثت عن الوالدة (سعاد) ..فلن اتي بمثاقل ذرة من (طيباتها).

ام تشمل بعطفها ان تكون ام لكل الناس...يسع (حنانها) الي ذلك ..وتلم في طرفها ذلك اللطف الاموي الاصيل.

هي فوق ما توصف الكلمات ..كفي انها (ام)..وهي فوق ذلك تذهب بسنوات ضوئية من الفضائل.

رحلت في مغافلة اخرى ...لم يستغرق معها (الموت) من الحوار غير ان تغمض عينها وتمضي الي الرفيق الاعلي.

في يسر كان ذلك ...كأنها بقعة من الضوء تمضي.

انتقلت عنا ...وفي كل تفاصيلنا (حاضرة) تشاركنا حتى الوضوء ..وتقدم (اللقمة) لمن تصلنا مهضومة بعطفها.

لا تستطيع ان تذكرها إلا في قرة من السكون والهدوء او في مصلاة للصلاة.

اشهدكم والله العظيم اني لا اتحدث من منطلق عاطفة الامومة ...وانما من مراقب تابع الكثير من الامهات ..وقرأ الكثير من وقائعهم العاطفية النبيلة.

منحتنا كل الممكن ..وكل المستحيل ولم تبخل علينا بالبعض منها ? فقد كان عطائها (غيث).

كنا نتلحفها دفئا ..وطعما وامانا وطمأنينة.

نسأل الله لها المغفرة ..وان يجمع بينها وبين اهلها في فسيح جناته ..ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ونرجو ان يحفظ لكل الناس امهاتهم ..وان يرحم من رحل منهن.

ملحوظة : كان هذا شيء لا بد منه ? حتى اوالف احرفي للعودة مرة اخرى.

هوامش

ليس هناك اجمل واروع من (الكتابة) التى خلقت بيننا هذا الود..فقد وجدت في الوسط الرياضي اكثر من اخ ..واكثر من اخت ..ووالد ووالدة.

وشملنا الوسط الاعلامي بفضائله تواصلا في مجالات شتى رياضية وفنية وسياسية.

كل الشكر والتقدير ...لكل الناس الذين كانوا معي في اصعب الاوقات ..ابقى حافظا للجميل لهم مدى الحياة واسأل الله اللا يريهم مكروه في عزيز لديهم.

اتلطف عن ذكر الاسماء من الاهل والاصحاب والمعارف ..ليس خشية النسيان ..فما فعلوه غير قابل للذلك..ولكن لأن المساحة لا تتسع لذلك ..والكلمات اقل من هذا الشرف.

اشكر كثيرا هلالاب السعودية ...الذين تواصلوا معي بالهاتف ..وحرضونا على العودة.

ولعل الزملاء عبداللطيف ضفاري ومحمد عثمان الجعلي (رحيق الختام) اكثر من شدوني للعودة ..ولأن ترجع تلك الحروف لترى النور من جديد.

لكل الناس الهلالاب منهم ...والمريخاب ..الشكر والعذر.

وذلك الي ان اعود بهم في الغد ان شاءالله الي مسارهم الطبيعي لنشاركهم في اشياءهم ...سيدي بيه ..وترواري الما جاء ..واللوردات.

عاوز اسأل محمد سيد احمد.

سؤال خفيف كدا.

انت يا محمد سيد احمد ...واحد في (اللوردات) ديل.

مالك شايلها كدا.

غدا ..اغلق اوجاعي على نفسي ..لاخرج لكم ..بما يجمعنا.

والعذر ...والدعوات.

والحمدلله على كل حال.

اخيرا الشكر اجزله لاسرة قوون واسرة الاهرام اليوم واسرة صحيفة فنون ..وهم يتقبلوا غيابي هذا بدون حتى (مكسول) من احمد الحاج.

ونعود غدا ...ان كان في العمر بقية.

عاجل : نسيت اجيب ليكم سيرة لي عبدالوهاب زكي افندي ...(والله طلع من رأسي).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.