(د. علي الخشيبان – ميدل ايست أونلاين) المدافعون عن الثورات العربية يحتجون بالثورات العالمية كمبرر لعدم ظهور مؤشرات النضج على ثورات العالم العربي، وأن ذلك يحتاج إلى وقت أطول، والحقيقة أن ذلك منطقي إذا كان الهدف هو إدخال المجتمعات العربية في أزمة انتظار جديدة كما دخلها العرب قبل خمسة عقود من الآن. لقد استمع العالم كله إلى فرضيات عديدة حول ما يجري كنتائج محتملة للثورات العربية التي تداخلت أهدافها مع أهداف تداولها العالم كله منذ عقد من الزمان مثل فرضية مشروع الشرق الأوسط الجديد ذي النكهة السياسية الجديدة وبطعم الإسلام السياسي. عندما بدأت الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سورية لم يكن هناك صورة واضحة إلى أين تتجه هذه الدول ولكننا اليوم أمام ظواهر سياسية حساسة فالشعوب في دول الثورات العربية تكتشف شيئا مخيفا حول مستقبلها السياسي الذي يجب أن لا يقاد من خلال نظام الجماعات فتراتبية التنظيم الإخواني وعنقودية الأعضاء لايمكن تطبيقهما من خلال هيكلية الدول. التاريخ الاجتماعي للجماعات الإسلامية وخاصة تاريخ الإخوان يجب إعادة فتحه من جديد لفهم كل علاقة شائكة تظهر أمامنا في النظرية والأسلوب المشترك الذي قد يظهر في دول الثورات العربية ولكي نفهم بعضاً من التفاصيل، ففي تونس مثلا جماعة النهضة الإسلامية هي فرع للإخوان المسلمين والغنوشي هو الذي أسس جماعة النهضة في العام 1972 وبشكل سري ولم يتم الاعتراف بها حتى أسقط بن علي، كما أن الغنوشي عضو في مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. النهضة لا يعترفون بتبعيتهم لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنهم يرون بان جماعة الإخوان في مصر تشكل مرجعية فكرية لهم، ولكن ماذا يعني انطلاق الثورة في تونس قبل مصر وهي ذات عدد قليل من السكان مقارنة بمصر ذات التاريخ الكبير في محاربة جماعة النهضة والحركات الإسلامية؟ بالعودة إلى التاريخ عند بداية الثورات العربية نجد أن البوعزيزي أحرق نفسه لان الشرطة كانت تلاحقه لعدم نظامية العمل الذي يقتات منه؛ وبذات الأسلوب ظهرت حالة مصرية أولى لرجل أحرق نفسه أمام مجلس الشعب لأنه لم يحصل على حصة تمويلية لمخبزه. بعد هذه الحادثة بدا أن الإخوان المسلمين في مصر قد أصبحوا جاهزين للدخول إلى ميدان التحرير بمخطط كامل يوفر الغذاء والدواء بل وحتى التعليم للشباب في ميدان التحرير ويبدو أن الوضع في هاتين الدولتين كان سريعا في قضية الحسم السياسي ففي تونس تم الحسم سريعا وكذلك في مصر ولكن المشهد المهم هو أن شجرتي الأحزاب الإسلامية في هاتين الدولتين تخرجان إلى النور سياسيا للمرة الأولى ما أدى إلى وصولهما جميعا إلى سدة الحكم فلماذا وصل الإخوان دون غيرهم؟ هذا سؤال يجب أن نقضي في تحليله مدة أطول من غيرها؟ في ليبيا الدولة التي شهدت أول ثورة يموت فيها الرئيس قتلا من الثوار ويبدو في الأفق أن سورية تسير بذات الاتجاه حيث بدا أن الثوار وهم حليف استراتيجي لجماعة الإخوان فتاريخ جماعة الإخوان في ليبيا يقول إنها موجودة منذ أربعينيات القرن الماضي في ليبيا ولكن القذافي أعلن حلها مع بداية ثورته في الفاتح من سبتمبر. وفي مقاربة غريبة تعود حركة الإخوان في ليبيا بعد الثورة بنفس الطريقة التي عادت بها جماعة النهضة في تونس. في سورية جماعة الإخوان تأسست في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وهي أشد قربا والتصاقا بجماعة الإخوان المصرية لكونها تعترف رسميا بذلك وقد تعرضت هذه الجماعة للاضطهاد على يد نظام البعث وقد عانت من ذات الظروف تقريبا التي عانت منها جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع اختلاف في المشهد. علاقة الجماعتين في مصر وسورية عميقة جدا وقوية بل إنها تجد دفاعا من قيادات الجماعة في مصر وهذا يعكس تلك الرابطة الأيديولوجية بين الجماعتين، ويوحي أن الدور الثوري للجماعة على الساحة السورية يعتبر محورا مهما في تعقيدات الأزمة السورية بعد سقوط النظام الذي بات وشيكا. في ثلاث دول رئيسة في المنطقة تظهر جماعة الإخوان المسلمين بشعارها السياسي لحكم هذه الدول. والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وهي تحاول الاستقرار على قمة السلطة ستعمل على تكرارالتجربة السياسية هذا إذا نجحت تجربة الإخوان سياسيا مع أن المؤشرات تثبت كل يوم أن إدارة جماعة أمر مختلف عن إدارة دولة في السياسة. الحقيقة أن الوقت مازال مبكرا للتحدث عن حجم الفشل الذي سوف تصل إليه الجماعات الإسلامية فهناك فروض سياسية دولية ومحلية تحتم على الجماعات الإسلامية تغيير الكثير من مواقفها السابقة ولكن الأزمة التي تواجهها تلك الجماعات تتمثل في قدرتها على إعادة ترتيب علاقاتها مع الشعوب التي انتخبتها وأوصلتها إلى سدة الحكم. الشعوب العربية التي اختارت تلك الجماعات للحكم صوتت لهذه الجماعات تحت صور من التاريخ الجميل للحكم الإسلامي حيث يعتقد الكثيرون بل يرددون أن هذه الجماعات سوف تنافس تاريخ عمر بن عبدالعزيز في تلك الصورة الذهنية المرسومة في عقولهم أو تلك الصور الجميلة لهارون الرشيد، أو خلفاء الأندلس.. هذه الصور التاريخية تشكل أزمة للإسلاميين، وقد يتحتم على تلك الجماعات الإسلامية أن تتخلص منها في عقول تلك الشعوب إذا أرادت أن تستمر في الحكم. اليوم الصورة السياسية والفرضية تتطلب أن ندرك أن تلك الجماعات الإسلامية لن تقدم أكثر مما قدمه سابقوها وخاصة في السياسة الدولية، وهذا سوف يكون النقض الأول للثقة والزواج الثوري الذي تم عقده في ميادين الثورات بين الجماعات الاسلامية والشعوب التي أوصلتها للحكم. المشكلة الأخرى أن الجماعات الإسلامية بعد أن حكمت في مصر وتونس تتجه نحو ترويض المجتمع وإعادة بنائه الاجتماعي كمتطلب من متطلبات إدارة هذه الشعوب، وقد ترضى الشعوب بذلك مبدئيا، ولكن الأزمة التي سوف تحدث عندما تكتشف هذه الشعوب أن عمر بن عبدالعزيز أو هارون الرشيد لن يأتي ولن تكون هناك سوى تعاليم قاسية يوازيها اقتصاد أشد وطأة وسياسة لم تختلف عن سابقتها وهناك ستكون النتائج أكبر وسيعود التاريخ من جديد.