تأتي سلسلة الندوات التي ينظمها المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية لتسائل موضوع الدولة المدنية والإسلام السياسي، مساءلة تجد أكثر من مبرر لها خاصة مع صعود تيار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم والتسيير في أكثر من دولة عربية. الدولة المدنية في فكر الإسلام السياسي المعاصر/ د. إدريس هاني أكد الأستاذ في البداية على كون قضية الدولة المدنية قضية عميقة ومعقدة، بحيث لا يمكن لخطاب واحد أن يهيمن عليها أو تتم مقاربتها من زاوية واحدة؛ فالمقاربة الأحادية لا تكفي سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو جيوستراتيجية، بل يجب تظافر كل هذه المقاربات. هذا وأشار إلى كون موضوع الدولة المدنية موضوع واسع وكبير، ما يفرض تحديد الموضوع مع تنويع المقاربات، وعليه اختار الأستاذ الحديث عن الحكومة الإسلامية، وخاصة ما سماه حكومات الإخوان المسلمين في ظل الربيع العربي. وتحديدا مسألة تحول الخطاب في هذه الحكومات من دولة المدينة إلى الدولة المدنية. إن الحديث عن ثلاثي الإخوان المسلمين والدولة المدنية والربيع العربي، يعود إلى كون العالم قد فوجئ بصعود الإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين؛ ما يطرح معه عدة تساؤلات حول الأصول المؤسسة للخطاب السياسي الحديث للجماعات الإسلامية ومستقبلها؟ وإلى أي حد هذا الخطاب هو استجابة لتحولات المرحلة؟ أم أنه خطاب قديم يعيد نفسه بلغة جديدة؟ هذا ويرى الباحث أن الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين لا ينحصر في الجماعة الموجودة في مصر فقط، بل يعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين هي المؤسسة لكل الخطاب الذي يروج الآن في العالم العربي على مستوى الحركات الإسلامية؛ كما يؤكد على أن استعمال عبارة الإخوان المسلمين يُقصد بها كل من ينحدر من هذه الأخيرة وكل من هو متأثر بها ايديولوجيا. في هذا الصدد يعطي مثال حزب العدالة والتنمية بالمغرب، الذي يعتبره تيارا للإخوان المسلمين، حيث يعتمد عليه ايديولوجيا من خلال كتابات مؤسسيها (حسن البنا، سعيد حوى وغيرهم)؛ ويؤكد أن تصريح رئيس الحكومة بأن الحزب لا ينتمي تنظيميا إلى الإخوان المسلمين كلام دقيق، حيث أن الحزب تنظيميا لا ينتمي لكنه ينتمي إيديولوجيا، كما أن هذا التصريح سياسي بالأساس حيث في الفترة الحالية المغرب في حاجة إلى السعودية وهي ضد فكر الإخوان المسلمين. بعدها فصل إدريس هاني في مسألة الشرعية والمشروعية، واعتبر أن الحديث عن تجربة الإخوان المسلمين تقتضي الحديث عن هذه الثنائية، لأنها في نظره أساس يفسر نزوع الإخوان إلى التمكين خارج السياق الطبيعي للمشروعية، وكيف أن الإخوان قد فشلوا في مسألة الشرعية والمشروعية ولجئوا إلى التمكين خارج المشروعية. وفي نهاية مداخلته يشير إلى أن تبني الحركات الإسلامية لقيم الديمقراطية والدولة المدنية حديث يحتاج إلى فصل القول فيه، حيث إن الدخول في التفاصيل (الموقف من المرأة، التعددية، حقوق الإنسان، دولة القانون…) سيتبين أن هذا التبني هو شكلي فقط لا غير حيث الحركات الإسلامية بعيدة كل البعد عن المضامين الحقيقية لهذه القيم الحداثية. الأسس الفكرية للدولة المدنية في الفكر الكوني/ د. محمد الأندلسي أكد أستاذ في الفلسفة الحديثة محمد الأندلسي أن مداخلته ذات هاجسين إثنين: أحدهما تاريخي والآخر أنطولوجي، مشيرا إلى أن الثورة الفكرية كانت الحلقة المفقودة في الثورات العربية. كما توقف الأستاذ كذلك عند مسار الدولة الدولة الحديثة التي ليست وليدة لحظة كرونولوجية، بل هي سيرورة معقدة مرت من خلالها عبر المسار السياسي والإقتصادي والفكري المتمثل في ثلاثي الإصلاح الديني والثورة العلمية ثم الثورة الفلسفية. أما عن المصادر الفكرية للدولة الحديثة فيحصرها الأندلسي في أربع مقومات أساسية: - سمة مصدر المشروعية الذي هو مصدر محايث للمجتمع وليس مفارقا له؛ - سمة الفصل بين المجتمع المدني والدولة (بين المجال الخاص والعام)؛ - سمة الفصل بين السياسة والأخلاق؛ - سمة الفصل بين السياسة والدين. وعليه يطرح الأستاذ سؤال حول المصادر الفكرية التي أدت إلى ظهور هذه المقومات التي عرفتها الدولة الحديثة؟ جوابا على هذا السؤال يؤكد الأستاذ أن ثمة مصدرين أساسيين للدولة الحديثة: - نظرية السيادة souveraineté (ميكيافل، هوبز وجون جاك روسو؛) - نظرية الحق الطبيعي droit naturel (مونتسكيو وجون لوك) بعد هذا التفصيل في كل نظرية على حدة أشار الأستاذ إلى الطابع الإشكالي للدولة الحديثة مشيرا إلى أنه في نظرية السيادة، ماهية الدولة متضمنة في مفهوم السيادة نفسها أي أن لها سلطة مطلقة، ومن هنا نفي حق المقاومة. بينما نظرية الحق الطبيعي، تنفر من استعمال مفهوم السيادة وتدعو إلى الفصل بين السلطات، وتعتبر أن الإنسان له حقوق طبيعية سابقة على الدولة والقانون. وفي نهاية مداخلته توقف الأستاذ عند ثنائية الشرعية légalité والمشروعية légitimité، معتبرا أن الحاكم في نظرية السيادة فوق الجميع وأن كل تمرد عليه هو ارتداد إلى حالة الطبيعة. بينما في نظرية الحق الطبيعي، إذا صدر عن الحاكم أمر مناف للمبادئ المتعارف عليها يجب أن تنتزع منه مشروعيته. وهذين التوجهين يرصدهما الأستاذ من خلال الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية: حيث الأولى اعتبرت الحقوق لا معنى لها إلا في إطار السلطة السياسة، بينما في الثورة الأمريكية كانت الحقوق أولية غير قابلة للاستلاب والتجزئة. إشكالية الدين والدولة بعد الربيع العربي والمجتمع الدولي/ د.عبد الوهاب المعلمي قدم الأستاذ المعلمي مقارنة بين اللحظة التي يعيشها العالم العربي الآن ولحظة الإستقلالات رغم اختلاف السياقات، حيث سياق الإستقلالات كان هو الحرب الباردة والقومية العربية والإشتراكية، بينما سياق الثورات العربية كان هو العولمة واقتصاد السوق والإسلام السياسي. هذا ويعتبر أن ما يشهده العالم العربي عبارة عن ثورات شعبية أراد منها الشعب العربي التعبير عن رغبته في الحرية والكرامة والديمقراطية. إننا نشهد في مرحلة الربيع العربي رؤية جديدة – يقول المعلمي – تتمثل في رفع شعارات الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وهي أيضا لحظة بناء الدولة الجديدة ولحظة الحقيقة بخصوص وحدة الأمة ووحدة البلاد. إلا أن هذه الرؤية في نظره قد ترجمت بصعود الإسلاميين للحكم رغم كونهم لم يشاركوا في الحراك الذي تم، وتعددت نسخ هذه الترجمة بتعدد الدول العربية: ففي المغرب مثلا حسمت القضية بدستور يوليو 2011، بينما في مصر مثلا ما زال هناك خلاف دائر حول بنود في الدستور والمتعلقة بسلطات الرئيس والبنود المتعلقة بالشريعة الإسلامية. أما في تونس فثمة تساكن وتعاون بين التيارات الإسلامية والليبرالية إلى حد ما إلا أن الخلاف في تونس هو في شكل النظام المرغوب فيه هل هو برلماني أو رئاسي، بالإضافة إلى موقع الدين في الدولة. أما في ليبيا فالأمر مختلف لأن الفرق هو أن الإسلاميين لم يفوزا في الانتخابات بل فاز الليبراليون ومسألة الدستور لم يحسب الأمر فيها بعد. ويستخلص الأستاذ من كل هذه الأمثلة أن المشكل الأساس بين الليبراليين والإسلاميين قائم حول دور الدين في الدولة. وعن المجتمع الدولي يقول وكيف بأن إشكاليتنا أصبحت ذات طابع دولي، وتمتد في المجتمع الدولي بل قد أصبح هذا المجتمع الدولي طرفا فيها، ويتدخل إذا اقتضى الحال. فمنذ الثورة الإيرانية صار العامل الديني عنصر إزعاج للمجتمع الدولي وصارت له حساسية من الدين في الدولة. ويشير الأستاذ إلى أن ثورات الربيع العربي تصطدم بعلمانية المجتمع الدولي، وتصطدم كذلك باللحظة العالمية لحقوق الإنسان والديمقراطية.