المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعي…ثم ميلاد (جديد) للسودان الجديد في أن واحد!
نشر في حريات يوم 12 - 01 - 2011

تفكير بصوت مسموع بين سطور أزمة اتفاقية السلام الشامل ……
يُروى عن المفكر والقائد السياسي/العسكري دكتور جون قرنق دي مبيور في ردوده لمقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان عند قول بعضهم انهم غير معنيين بخوض الحرب حتي شمال السودان واكتفائهم بتحرير جنوب السودان، يروى عنه، فيما معناه، قولته ذات البصيرة السياسية ويقينه الفكري: من يرى منكم ان معركته تنتهي بمنطقته أو حدود الجنوب يمكنه وضع السلاح وان يقنع بما حصل عليه، فانا على يقين من مواصلة النضال وحرب التحرير مع من لا يقتصر نضاله حتى حدود منطقته او حدود الجنوب.
يتجاوز مغزى وعمق هذه المقولة، وبشهادة الوقائع والتاريخ، المعني الحرفي لمفهوميّ الحرب والتحرير. حيث تنفذ تلك المقولة الى رؤية الراحل دي مبيور الجوهرية حول مسيرة واستمرارية ذلك النضال الواضحة والمحددة نحو الخيار الطوعي للوحدة بين شمال وجنوب السودان على أسس جديدة، محددة ايضاَ، وليس على أسس استعلائية استغلالية أو أسس تاريخانية أو رومانسية. .
توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير 2005 بنيروبي، وما حملته نصوص الاتفاق من تسوية عبرت في الاساس عن علاقات وتوازنات للقوى يجب ادراكها. جاء الاتفاق محدثاَ لتغيير تكتيكي في مسيرة أو سيرورة مقولة الراحل لجنوده تلك، الا انه نسبياً فتح الباب امام انجازات ممكنة بوتيرة أسرع وقد تكون أكبر في بلوغ جوهر التحرير، التحرر والوحدة على الأسس الجديدة. واذا ما اعتبرنا ان هذا يمثل جزء من جوهر وروح ما تبتغيه اتفاقية السلام، فان ما جاء مباشرة في نصوص الاتفاق اوقف القتل ونزيف الدم والاجتثاث من الجذور المستمر لمايزيد من نصف القرن تجاه مواطنيّ جنوب السودان وأعاد بعض الاعتبار لهم بحق تقرير المصير- وكثيراً ما لا يوضع الاعتبار الكافي لهذه المعاني، مثلما دشن الاتفاق ايضاَ لانقضاء عصر الاصولية والتحجر الديني و الايدولوجي وفتح فضاءات ممكنه، ببعض من الدعم، من الحرية والتحول الديمقراطي المغيب منذ انقلاب يونيو 89.
اذاَ، اتفاق السلام الشامل غير المسبوق في يناير 2005 جاء، حينها، مغيراً تكتيكياً في مسيرة واستمرارية الحركة الشعبية لتحرير السودان وفقاً لرؤية الراحل جون قرنق ومقولته لجنوده اعلاه حول استمرار النضال التحرري، فقد فتح الاتفاق ايضاً نافذة وأمل لتحول ونهوض ونهضة السودان في مجمله. علّ ذلك التغيير التكتيكي الذي ابتغاه الراحل في مسيرة الحركة الشعبية من ناحية، وأفق امل النهوض والنهضة نحو ديمقراطية متجذرة من ناحية اخرى، يمثلان جوهراً اضافياً لتوقيع اتفاق السلام قبل نحو ثلاث سنوات، وعلّه يكون الاخير من الفرص نحو النهوض والعمل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة للسودان الواحد على أسس جديدة. .
بيد أن الصورة والتحول ليس على ذاك النقاء والمرتجي من الاتفاق، كما ان تردد واستفسار بعض مقاتليّ الجيش الشعبي لقائدهم العسكري انذاك عن لا جدوى نضالهم وقتالهم نحو التحرير حتي حلفا يجد مشروعيته اخلاقياً، ثقافياً وسياسياً بعد مضي نصف الزمن من عمر الاتفاقية. فاتفاقية السلام الشامل:
وقعت – تسويةً- مع النظام الذي ظل منذ انقلابه قبل سبعة عشر عاماً مستخدماً أصوليته الايدولوجية وفاشيته في القتل والقمع والتشريد والتزوير واشعال الحرائق والحروب والافساد والفساد، وهو النظام الذي بطبيعة بنيته وتطلعه للبقاء لن يرضى بان يكون الا هو، مغيراً جلده مرات عديدة. فالتسوية التي جاءت بها الاتفاقية ازاحت بعض جبروته الذي فشل فيه الجميع، إلا أن المطلوب من الجهد، كان، بعد وبناءاً على الاتفاقية هو الاكثر اهمية لازالة الجبروت جله.
لم تجد الاتفاقية الدعم السياسي المطلوب، كما لم يُستفد الاستفادة القصوى من البارقة ونافذة التحول نحو النهوض والنهضة، والتفاوض الايجابي حول الأسس الجديدة للديمقراطية وللوحدة، من قبل القوى الديمقراطية السياسية، بما كان يُمكن ان يُمكّنها ذاتياً من أحداث تحولاتها اولاً وتحولات المجتمع السوداني نحو الافضل. فرغبة وتوقعات التغيير الوليدة تم التعبير عنها شعبياً بما فاق التصور بعد توقيع الاتفاق مباشرةً، ولكن تلك الرغبات والتطلعات تُرِكَت ملقية في العراء، فاتحة الطريق لمساعي التخذيل والتكسير للاتفاقية، حتى باتت تنهشها كلاب العنصرية في وضح النهار، بينما دسائس المؤامرات القاتلة تُنسج حولها بلا كلل.
اتفاقية السلام الشامل أولى محاولات قتلها كانت في المؤامرة الدنيئة التي نجحت في تغييب مجترحها، والناطق بها جهيرة انه مع وحدة السودان على الأسس الجديدة. تغييب الدكتور جون قرنق دي مبيور بشخصيته وكارزميته المذهلة للجميع بدون فرز، في نشأته وحياته الخاصة، وفكره، وأكاديميته، وسياسته، وعسكريته، بل في لبسه وفكاهته، تغييب مثل هذه الشخصية غير المسبوقة في تأريخ القيادة السودانية فيه محاولة للقضاء على و تفريغ روح ولنصوص اتفاق السلام. مثلما ان تغييبه غدر إنسان رخيص لنواياه الطيبة في تغيير المسار التحرري، تكتيكياَ، بخوض تجربة التسوية عبر التفاوض والاتفاق، لا باستمرار حرب التحرير حتي حلفا أو بالاستكانة لرغبة بعض جنده راغبيّ توقف النضال بتحرير اراضيهم واهلهم، حيث لا شأن لهم بالشمال. نجحت دسيسة مؤامرة تغييبه من الحياة العامة، وقتل اتفاق السلام الشامل، كما مثلت ثمناً لخوضه مغامرة الوحدة على أسس جديدة ولوفائه لمن تفتح بصره وبصيرته من جموع واتباع رؤيته، كثروا أم قلوا.
تردد وأستفسار مقاتليّ الجيش الشعبي- نافذة تحليل هذا المقال- لقائدهم حول جدوى النضال والتحرير شمالاً سبقت مفاوضات وتوقيع تسوية السلام سنين عددا مما يتضح في تعليق وردود قائدهم جون قرنق دي مبيور قبل تغييره لمسار التحرر تكتيكياَ. ويتضح الان أن تردد واستفسار بعض مقاتليّ الجيش الشعبي أنذاك قد فشلت اتفاقية السلام، أو بيئة وتوازنات قوى تسوية السلام، فشلت في ايجاد ما يطمئن مرارات واحتقانات ذاكرة ومخيلة اولئك الجند والشعب في تلك الرقعة من الوطن من ماضيٍ تليد وتاريخ معاصر بل وحاضر من عبودية واسترقاق وعنصرية تفصح عن نفسها قليلا وتتخفى كثيرا في البنية، والذهنية المهيمنة، والعلاقات، والمعاملات اليومية بين البشر وبين الثقافات السودانية. فشلت تسوية الاتفاقية في التصدي وتصدير هذا الاحتقان التاريخي المستمر الى السطح ومن ثم معالجتة بعد 2005، مثلما فشلت قوى الاستنارة والفكر والقوى السياسية ” الديمقراطية” منذ ما يربو عن نصف قرن بعد الاستقلال في الجهر ومواجهة هذا التاريخ المعاصر من العنصرية ومعالجته (يستعجب المرء من وطن له باع “مشرق” في الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية وحقوق المرأة ولا توجد به لافتة واحدة جهيرة في الطرقات او في دور الاحزاب تُسمى مناهضة العنصرية! ).
كان ذلك في ذهن بعض مقاتليَ الجيش الشعبي وهم يستفسرون عن جدوى ذهابهم شمالاً، مثلما كان ايضاً موجوداً في قلب و ذهن الراحل المتبدي في رده لجنده من ان المسار التكتيكي الجديد- التسوية بديل الحرب- هو عملية ابتكار الوحدة على الأسس الجديدة، بما فيها قدر من رد الاعتبار عبر تقرير المصير، والتحرر الآتي ضمن مختلف الجهود من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتحول الديمقراطي، برأس رمح مركزه في الشمال أو المركز السياسي/ الثقافي. الا أن الرمح فيما يبدو قد طاش من مركز انطلاقه الشمالى هذا!!!
يبدو الان بعد مضي نصف الزمن الرئيسي لاحداث التراكم في التغيير وفقاً للحد الادني الذي أحدثته اتفاقية السلام الشامل، والعطب شبه الكامل لاتفاقية نيفاشا الماثل الان- والذي لا يمكن علاجه دون تروس ضخٍٍ قوية وأضافية- يبدو انه لا مناص من بداية التفكير والعمل على بلورة رؤي التحرر الكامل فكرياً وسياسياً وثقافياً وجغرافياً، بالتأكيد والتشديد على ما تضمنته روح وجوهر اتفاقية السلام الشامل، ووفقاً لرؤية وتعليق الراحل دكتور جون قرنق دي مبيور لجنده أنذاك، واستناداً على الرؤى التي خلّقتها الحركة الشعبية في تجربة نضالها وهيأت بها الظروف الى توليد ذات البصيرة والرغبة في التحرر عند مختلف الجماعات والأفراد غربأً وشرقاً وشمالاً وفي الخرطوم، وليكن برأس رمح مختلف هذه المرة والاخيرة.
يُروى عن المفكر والقائد السياسي/العسكري دكتور جون قرنق دي مبيور في ردوده لمقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان عند قول بعضهم انهم غير معنيين بخوض الحرب حتي شمال السودان واكتفائهم بتحرير جنوب السودان، يروى عنه، فيما معناه، قولته ذات البصيرة السياسية ويقينه الفكري: من يرى منكم ان معركته تنتهي بمنطقته أو حدود الجنوب يمكنه وضع السلاح وان يقنع بما حصل عليه، فانا على يقين من مواصلة النضال وحرب التحرير مع من لا يقتصر نضاله حتى حدود منطقته او حدود الجنوب.
يتجاوز مغزى وعمق هذه المقولة، وبشهادة الوقائع والتاريخ، المعني الحرفي لمفهوميّ الحرب والتحرير. حيث تنفذ تلك المقولة الى رؤية الراحل دي مبيور الجوهرية حول مسيرة واستمرارية ذلك النضال الواضحة والمحددة نحو الخيار الطوعي للوحدة بين شمال وجنوب السودان على أسس جديدة، محددة ايضاَ، وليس على أسس استعلائية استغلالية أو أسس تاريخانية أو رومانسية. .
توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير 2005 بنيروبي، وما حملته نصوص الاتفاق من تسوية عبرت في الاساس عن علاقات وتوازنات للقوى يجب ادراكها. جاء الاتفاق محدثاَ لتغيير تكتيكي في مسيرة أو سيرورة مقولة الراحل لجنوده تلك، الا انه نسبياً فتح الباب امام انجازات ممكنة بوتيرة أسرع وقد تكون أكبر في بلوغ جوهر التحرير، التحرر والوحدة على الأسس الجديدة. واذا ما اعتبرنا ان هذا يمثل جزء من جوهر وروح ما تبتغيه اتفاقية السلام، فان ما جاء مباشرة في نصوص الاتفاق اوقف القتل ونزيف الدم والاجتثاث من الجذور المستمر لمايزيد من نصف القرن تجاه مواطنيّ جنوب السودان وأعاد بعض الاعتبار لهم بحق تقرير المصير- وكثيراً ما لا يوضع الاعتبار الكافي لهذه المعاني، مثلما دشن الاتفاق ايضاَ لانقضاء عصر الاصولية والتحجر الديني و الايدولوجي وفتح فضاءات ممكنه، ببعض من الدعم، من الحرية والتحول الديمقراطي المغيب منذ انقلاب يونيو 89.
اذاَ، اتفاق السلام الشامل غير المسبوق في يناير 2005 جاء، حينها، مغيراً تكتيكياً في مسيرة واستمرارية الحركة الشعبية لتحرير السودان وفقاً لرؤية الراحل جون قرنق ومقولته لجنوده اعلاه حول استمرار النضال التحرري، فقد فتح الاتفاق ايضاً نافذة وأمل لتحول ونهوض ونهضة السودان في مجمله. علّ ذلك التغيير التكتيكي الذي ابتغاه الراحل في مسيرة الحركة الشعبية من ناحية، وأفق امل النهوض والنهضة نحو ديمقراطية متجذرة من ناحية اخرى، يمثلان جوهراً اضافياً لتوقيع اتفاق السلام قبل نحو ثلاث سنوات، وعلّه يكون الاخير من الفرص نحو النهوض والعمل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة للسودان الواحد على أسس جديدة. .
بيد أن الصورة والتحول ليس على ذاك النقاء والمرتجي من الاتفاق، كما ان تردد واستفسار بعض مقاتليّ الجيش الشعبي لقائدهم العسكري انذاك عن لا جدوى نضالهم وقتالهم نحو التحرير حتي حلفا يجد مشروعيته اخلاقياً، ثقافياً وسياسياً بعد مضي نصف الزمن من عمر الاتفاقية. فاتفاقية السلام الشامل:
وقعت – تسويةً- مع النظام الذي ظل منذ انقلابه قبل سبعة عشر عاماً مستخدماً أصوليته الايدولوجية وفاشيته في القتل والقمع والتشريد والتزوير واشعال الحرائق والحروب والافساد والفساد، وهو النظام الذي بطبيعة بنيته وتطلعه للبقاء لن يرضى بان يكون الا هو، مغيراً جلده مرات عديدة. فالتسوية التي جاءت بها الاتفاقية ازاحت بعض جبروته الذي فشل فيه الجميع، إلا أن المطلوب من الجهد، كان، بعد وبناءاً على الاتفاقية هو الاكثر اهمية لازالة الجبروت جله.
لم تجد الاتفاقية الدعم السياسي المطلوب، كما لم يُستفد الاستفادة القصوى من البارقة ونافذة التحول نحو النهوض والنهضة، والتفاوض الايجابي حول الأسس الجديدة للديمقراطية وللوحدة، من قبل القوى الديمقراطية السياسية، بما كان يُمكن ان يُمكّنها ذاتياً من أحداث تحولاتها اولاً وتحولات المجتمع السوداني نحو الافضل. فرغبة وتوقعات التغيير الوليدة تم التعبير عنها شعبياً بما فاق التصور بعد توقيع الاتفاق مباشرةً، ولكن تلك الرغبات والتطلعات تُرِكَت ملقية في العراء، فاتحة الطريق لمساعي التخذيل والتكسير للاتفاقية، حتى باتت تنهشها كلاب العنصرية في وضح النهار، بينما دسائس المؤامرات القاتلة تُنسج حولها بلا كلل.
اتفاقية السلام الشامل أولى محاولات قتلها كانت في المؤامرة الدنيئة التي نجحت في تغييب مجترحها، والناطق بها جهيرة انه مع وحدة السودان على الأسس الجديدة. تغييب الدكتور جون قرنق دي مبيور بشخصيته وكارزميته المذهلة للجميع بدون فرز، في نشأته وحياته الخاصة، وفكره، وأكاديميته، وسياسته، وعسكريته، بل في لبسه وفكاهته، تغييب مثل هذه الشخصية غير المسبوقة في تأريخ القيادة السودانية فيه محاولة للقضاء على و تفريغ روح ولنصوص اتفاق السلام. مثلما ان تغييبه غدر إنسان رخيص لنواياه الطيبة في تغيير المسار التحرري، تكتيكياَ، بخوض تجربة التسوية عبر التفاوض والاتفاق، لا باستمرار حرب التحرير حتي حلفا أو بالاستكانة لرغبة بعض جنده راغبيّ توقف النضال بتحرير اراضيهم واهلهم، حيث لا شأن لهم بالشمال. نجحت دسيسة مؤامرة تغييبه من الحياة العامة، وقتل اتفاق السلام الشامل، كما مثلت ثمناً لخوضه مغامرة الوحدة على أسس جديدة ولوفائه لمن تفتح بصره وبصيرته من جموع واتباع رؤيته، كثروا أم قلوا.
تردد وأستفسار مقاتليّ الجيش الشعبي- نافذة تحليل هذا المقال- لقائدهم حول جدوى النضال والتحرير شمالاً سبقت مفاوضات وتوقيع تسوية السلام سنين عددا مما يتضح في تعليق وردود قائدهم جون قرنق دي مبيور قبل تغييره لمسار التحرر تكتيكياَ. ويتضح الان أن تردد واستفسار بعض مقاتليّ الجيش الشعبي أنذاك قد فشلت اتفاقية السلام، أو بيئة وتوازنات قوى تسوية السلام، فشلت في ايجاد ما يطمئن مرارات واحتقانات ذاكرة ومخيلة اولئك الجند والشعب في تلك الرقعة من الوطن من ماضيٍ تليد وتاريخ معاصر بل وحاضر من عبودية واسترقاق وعنصرية تفصح عن نفسها قليلا وتتخفى كثيرا في البنية، والذهنية المهيمنة، والعلاقات، والمعاملات اليومية بين البشر وبين الثقافات السودانية. فشلت تسوية الاتفاقية في التصدي وتصدير هذا الاحتقان التاريخي المستمر الى السطح ومن ثم معالجتة بعد 2005، مثلما فشلت قوى الاستنارة والفكر والقوى السياسية ” الديمقراطية” منذ ما يربو عن نصف قرن بعد الاستقلال في الجهر ومواجهة هذا التاريخ المعاصر من العنصرية ومعالجته (يستعجب المرء من وطن له باع “مشرق” في الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية وحقوق المرأة ولا توجد به لافتة واحدة جهيرة في الطرقات او في دور الاحزاب تُسمى مناهضة العنصرية! ).
كان ذلك في ذهن بعض مقاتليَ الجيش الشعبي وهم يستفسرون عن جدوى ذهابهم شمالاً، مثلما كان ايضاً موجوداً في قلب و ذهن الراحل المتبدي في رده لجنده من ان المسار التكتيكي الجديد- التسوية بديل الحرب- هو عملية ابتكار الوحدة على الأسس الجديدة، بما فيها قدر من رد الاعتبار عبر تقرير المصير، والتحرر الآتي ضمن مختلف الجهود من أجل الحرية والمساواة والعدالة والتحول الديمقراطي، برأس رمح مركزه في الشمال أو المركز السياسي/ الثقافي. الا أن الرمح فيما يبدو قد طاش من مركز انطلاقه الشمالى هذا!!!
يبدو الان بعد مضي نصف الزمن الرئيسي لاحداث التراكم في التغيير وفقاً للحد الادني الذي أحدثته اتفاقية السلام الشامل، والعطب شبه الكامل لاتفاقية نيفاشا الماثل الان- والذي لا يمكن علاجه دون تروس ضخٍٍ قوية وأضافية- يبدو انه لا مناص من بداية التفكير والعمل على بلورة رؤي التحرر الكامل فكرياً وسياسياً وثقافياً وجغرافياً، بالتأكيد والتشديد على ما تضمنته روح وجوهر اتفاقية السلام الشامل، ووفقاً لرؤية وتعليق الراحل دكتور جون قرنق دي مبيور لجنده أنذاك، واستناداً على الرؤى التي خلّقتها الحركة الشعبية في تجربة نضالها وهيأت بها الظروف الى توليد ذات البصيرة والرغبة في التحرر عند مختلف الجماعات والأفراد غربأً وشرقاً وشمالاً وفي الخرطوم، وليكن برأس رمح مختلف هذه المرة والاخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.