إذا كان بعض معارضي حكم «الإخوان» في مصر ومناوئي الرئيس محمد مرسي يعولون على الجيش ليخلصهم من «الورطة» التي هم فيها، وإنقاذ البلاد من المأزق الذي يعتقدون أن لا مخرج منه بواسطة السياسيين والنخب أو حتى حركة الشارع، وإنما من طريق قوة تفوق «الإخوان» عدداً وتأثيراً وسطوة، فإن لدى آخرين قناعة تامة بأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه أو قد تسوء بشكل أكبر من دون أن يؤثر ذلك على حكم «الإخوان» للبلاد حتى يغير الأميركيون موقفهم، وأن الجيش لا يمكن أن يتدخل أصلاً إلا إذا تأكد قادته أن تحركه سيلقى قبولاً أميركياً يقود إلى رضى دولي. ويرصد هؤلاء موقف الإدارة الأميركية من نظام حسني مبارك ثم تفاصيل تعاملها مع المجلس العسكري في الفترة التي أعقبت التنحي وحتى انتخاب الرئيس مرسي، وكذلك ردود الفعل الأميركية على سياسات «الإخوان» وتصرفاتهم ويعتقدون أن «التغيير» يمكن أن يحدث شعبياً أو عسكرياً أو بأي وسيلة إذا ما توصل الأميركيون إلى قناعة كاملة بأن مصالحهم باتت مهددة في ظل حكم «الإخوان»! ليس سراً أن نظام مبارك فقد الكثير من قدرته على البقاء بعد انطلاق الثورة بمجرد أن أعلن الأميركيون جهاراً نهاراً وعلناً أن وقت التغيير حان في مصر وهبطت أسهم مبارك ونظامه في الحكم، وبدأ المقعد يهتز بقوة تحته عندما رفع الأميركيون أيديهم عنه ليرتبك مبارك ورجاله ويشعر النظام كله أنه بات بلا ظهر يستند إليه وهو يواجه إرادة شعبية وجماهير حاشدة في الميادين وإصراراً ثورياً على رحيله… فرحل. قضية تعامل الإدارة الأميركية منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن مع الجماعات الإسلامية غير الجهادية في العالم العربي موثوقة وقتلت بحثاً وباتت معروفة ونشرت عنها تفاصيل كثيرة وصدرت في شأنها شهادات من بعض الذين مهدوا للاتصالات بين الطرفين أو رتبوا لقاءات جمعت بين رموز من «الإخوان» وخبراء أو مسؤولين أميركيين، وخلص الجميع إلى أن الأميركيين رأوا بعد انتهاء الحرب على الإرهاب أن التعامل مع الإسلاميين «شر» لا بد منه خصوصاً في ظل تردي الأوضاع في بلدان عربية عدة مع صعود شعبية الإسلاميين عموماً و «الإخوان» خصوصاً، مع التسليم بقدرتهم العالية على تحريك الجماهير وحشدهم في كل انتخابات. ولا يعني ذلك أن حسابات الأميركيين دائماً تكون صحيحة لكن الثوابت لدى الإدارات الأميركية تتعلق بالمصالح وليس بأنظمة الحكم نفسها، وعلى ذلك فإن الأميركيين كما غيروا من موقفهم تجاه حليفهم مبارك عندما أيقنوا أن الإبقاء عليه في الحكم يضر بمصالحهم، سيغيرون بكل تأكيد موقفهم الداعم أو المتناغم أو الراضي أو القابل بوجود «الإخوان» في سدة الحكم في مصر إذا أيقنوا أن مصالحهم معرضة للخطر وأن الثوابت الأميركية معرضة للاهتزاز أو التهديد. ورغم بعض الاشارات الأميركية الناقدة لطريقة إدارة الرئيس مرسي للبلاد أو أسلوب «الإخوان» في التعاطي مع قضايا الحريات أو مواقفهم من المعارضة إلا أنها في الحقيقة لا تمثل تغييراً في المواقف الأميركية تجاه الحكم الجديد في مصر بل قد تكون أقل حدة من إشارات كانت توجه دوماً وعلى فترات إلى نظام مبارك كلما اتخذ قراراً لا يعجب الأميركيين أو امتنع عن آخر طالبوه به. ثوابت واشنطن تجاه حكم «الإخوان» أو غيرهم تتعلق بكل وضوح بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية واستمرار العمل باتفاقية السلام، وتفادي خلق النظام المصري بؤر توتر في التعامل مع تل أبيب ثم هناك وضع الجيش المصري وتسليحه والحفاظ عليه موحداً كقوة معادلة في صراعات إقليمية في مواجهة إيران. ويأتي التعاون الاستخباراتي بين مصر وأميركا وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب كأحد الثوابت المهمة التي لا يمكن التغاضي عنها بالنسبة الى الأميركيين. وأخيراً هناك محاور أخرى أقل أهمية كالقبول الشعبي الداخلي والموقف من الحريات أو الأقليات، وهي أمور لا تحبذ أي إدارة أميركية نظام الحكم في مصر على انتهاكها أو تجاوزها، لكنها لا تدفع وحدها فقط إلى تغيير جذري في الموقف الأميركي تجاه الحكم في مصر بل ربما تكون أحياناً أسباباً جيدة لممارسة ضغوط للحصول على مزايا تصب في النهاية في مصلحة أميركا، وبالتالي .. إسرائيل.