صلاح الدين عووضة.. [email protected] بالمنطق.. * هل يمكنك تخيُّل أن يظهر وزير الاسكان الأمريكي أو الألماني أو البريطاني- إن كان في الدول هذه وزير للإسكان- على شاشة التلفزيون ليقول (مسحنا كذا، ووزعنا كذا، والباقي كذا)؟!.. أو يظهر وزير الصحة ليقول إن وزارته وضعت خطة لمواجهة أوبئة الفصل الفلاني من فصول السنة؟!.. أو يظهر وزير الزراعة ليبشّر الناس بتحسُّب وزارته لغزوٍ جراديّ قادم؟!.. أو يظهر وزير الداخلية ليطمئن المواطنين بأن (الأجهزة) تقوم بواجبها (التأميني) على النحو الأكمل؟!.. لا أظنك تتخيل حدوث أمر مثل هذا إلا من باب (النكتة).. ففي الدول هذه- والتي تشابهها تطوراً- الوزراء (يفعلون) ولا (يقولون).. وكذلك المسؤولون في مختلف مواقعهم التنفيذية.. فالشخص يُختار وزيراً- في الدول هذه- من أجل أن يعمل (أصلاً) دون أن ينتظر من (يصفق) له وهو يقول: (والله كتر ألف خيرك).. والغريبة أن الذين (يتكلّمون)- عندنا- من الوزراء والمسؤولين في أجهزة الإعلام يستشهدون دوماً بالآية الكريمة القائلة: (قل اعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسولُه والمؤمنون).. طيب؛ ربّ العزة قال (اعملوا) لتُرى أعمالكم هذه ولم يقل (تكلموا).. يعني- وهذه من عندنا- أعملوا كما يعمل نظراء لكم في البلدان المتطورة دون أن يقولوا: (عملنا وفعلنا وسوّينا).. وبسبب (افتتح) و (زار) و (دشّن) و (تفقّد) هذه أضحى تلفزيوننا القومي (أبيخ) تلفزيون من بين أشباهه في العالم كافة.. صحيح أن حكاية فعل وعمل وسوى هذه ألفها تلفزيوننا منذ لحظة افتتاحه- سيما خلال العهود الشمولية- ولكن المسألة زادت عن الحد في عهد الإنقاذ هذا.. فحكومة الإنقاذ الآن فيها أكثر من (ثمانين) وزيراً ووزير دولة (ثلاثة) منهم داخل وزارة الموارد البشرية (وحدها).. فلو كل واحد من هؤلاء- بخلاف من هم دونهم من مسؤولين- حرص على أن يأخذ (فرصته الكلامية) في التلفزيون فكم من زمن البث (يتبقَّى) للبرامج الجاذبة للمشاهدين إذن؟!.. أما إن كانت هنالك فتوى من (هيئة علماء الإنقاذ) تقول ب(وجوب) اقتران الفعل بالكلام- حتى يثبت الأجر- فإننا نطالب بالمساواة في الجانب هذا إحقاقاً للعدالة.. يعني مثلاً من حقّ سائق الوزير- أي وزير- أن يحظى بثوانٍ تلفزيونية يبين فيها كيف أنه (داخ) بالسيارة (السبع دوخات) ما بين البيت والوزارة والمدارس والكوفير وبقالة (الأنفال).. ومن حق طبّاخ الوزير أن يعدّد صنوف الأكلات التي (تفنن) في صناعتها وهو يواجه (حرّ) الأفران والشويات والسخّانات.. ومن حق طبيب الوزير أن يباهي بانجازاته في احتواء ضغط (البيه) وسكريه وقاوته وآلام مفاصله في (آن واحد).. أفلا يتعاطى هؤلاء (أجوراً) نظير (أعمالهم)؟!.. وكذلك الوزراء ووزراء الدولة والمسؤولون.. وما تبقى من زمن في خارطة التلفزيون البرامجية يُخصَّص للسيسي المسكين كيما يوضّح أن (عمله) في مجال السلطة الإقليمية لدارفور متوقف على (الفلوس).. فهو لا يجد (فَرَقَة) ولو بمقدار (سيسي).