بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي.. شكراً للإعلامي المتميِز، والطبيب الجراح “باسم يوسف”؛ إذ جعلني بعد مشاهدة برنامج “البرنامج”، يوم الخامس من نيسان 2013؛ أستعيد وأردِّد كلمات وألحان أوبريت الوحدة العربية “وطني حبيبي”، التي كتبها “أحمد شفيق كامل”، ولحَّنها “محمد عبد الوهاب”، وغناها عمالقة الطرب العربي، عام 1960، بناء على طلب الرئيس المصري “جمال عبد الناصر”. تلك الأوبريت، التي نسيها، وسخر من مضمونها الكثيرون/ات، في خضم الإحساس بالانتكاسات المتلاحقة، وتردي الوضع السياسي العربي، منذ هزيمة عام 1967، ثم بعد الانتكاسات التي ألمَّت بالثورات العربية، بعد نجاحها في الإطاحة بالديكتاتوريات، التي جثمت على أنفاس شعوبها عشرات السنين. هل أراد “باسم يوسف” للشعب المصري وللشعوب العربية، أن تستعيد روح الأوبريت، التي جسَّدت الفكر القومي العربي، من خلال التغني بشعارات، استجابت في تلك المرحلة، لأمنيات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج؟! الخلاص من الاستعمار الأجنبي “الاستعمار على إيدنا نهايته”، بأيد عربية “الصوت صوتك حر وعربي/ مش صدا شرقي ولا صدا غربي”؟! وتحقيق الوحدة العربية “حلوة يا وحدة يا جامعة شعوبنا/ حلوة يأحلى نغم بحياتنا/ يا نغم ساري بين المحيطين/ بين مراكش والبحرين/ في اليمن ودمشق وجدة/ نفس الغنوة لأجمل وحدة/ وحدة كل الشعب العربي”. أم أراد أن يحدث المفارقة؛ بأسلوبه الساخر، حين قدَّم أوبريت “قطري حبيبي”، متكِّئة على لحن وطريقة أداء أوبريت “وطني حبيبي”، من خلال رؤية نقدية، تفكِّك الماضي، وتستلهم اللحظات المضيئة (الحرية، والكبرياء، والكرامة، والوحدة، والاستقلالية، والتحدي، والمقاومة)، دون أن تستنسخها؟! أعتقد أن الرؤية النقدية ضرورية، رغم مرارتها وقسوتها أحياناً؛ ليس لتفكيك الماضي فحسب؛ بل لتفكيك الحاضر أيضاً، كي تستطيع الشعوب العربية فهم الواقع بتعقيداته، وملابساته، وتناقضاته، ولتتمكن من التغيير، والتجديد، والانتصار “عاش وانتصر الشعب العربي”. ليس صدفة أن الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل Face book و Twitter قد وضعت على مواقعها الأوبريت “وطني حبيبي الوطن الأكبر/ يوم ورا يوم أمجاده بتكبر”؛ في مواكبة لانطلاق الحرب الإليكترونية، التي أعلنت عنها مجموعة تطلق على نفسها اسم: مجموعة “أنونيمس/ Anonymous” الدولية (مجموعة من مستخدمين مجهولين، ومترابطين، ويعملون من أجل هدف واحد)، ضد دولة الاحتلال العنصرية، يوم السابع من نيسان 2013 “الاستعمار على إيدنا نهايته/ راح م الدنيا زمانه ووقته”. أدرك الشباب المتضامنون مع الشعب الفلسطيني، من جميع أنحاء العالم، أن الانتصار يتحقق بالتراكم “يوم ورا يوم أمجاده بتكبر”، وأن أول الغيث قطرة، يغلقون الأبواب ويوصدون النوافذ على الشعب الفلسطيني؛ فيفتح المتضامنون/ات، عرباً وأجانب، كوة داخل الزنازين، ليكبر الوطن ويتحرر “وطني بيكبر وبيتحرر”. يقيدون أسير الحرية “سامر العيساوي”، داخل زنازينهم، بين الحياة والموت، “ويستجوبونه: لماذا تغني؟ يردّ عليهم: لأني أغني”، “لا مطلب سوى الحرية” و”لا عودة سوى للقدس”، ويرفضون الإفراج عنه، رغم إضرابه الأسطوري عن الطعام، منذ تسعة شهور، احتجاجاً على انتهاك إسرائيل لاتفاقية تبادل الأسرى، وإعادة اعتقاله، بعد أن أمضى في الأسر الأول عشر سنوات “وقد فتشوا صدره/ فلم يجدوا غير قلبه/ وقد فتشوا قلبه/ فلم يجدوا غير شعبه/ وقد فتشوا صوته/ فلم يجدوا غير حزنه/ وقد فتشوا حزنه/ فلم يجدوا غير سجنه/ وقد فتشوا سجنه/ فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود”. يتحرَّر “سامر العيساوي” رمزياً، بعد أن انتشرت صورته، على مواقع إليكترونية إسرائيلية متعددة، واستقرت صورته، وصور أسرى الحرية، في قلوب أحرار العالم، رمزاً للصمود والكبرياء والمقاومة. لم يكن استشهاد الأسير “ميسرة أبو حمدية”، يوم الثلاثاء 2 نيسان 2013، (بعد أن رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه، أو علاجه من مرض السرطان، في تقصير متعمَّد)، هو الأول في تاريخ الحركة الأسيرة، لقد كان الإهمال الطبي سياسة مقصودة، ودليل ذلك قوافل الأسرى الشهداء بسبب منع العلاج عنهم. نذكر ولا ننسى: “إسحق موسى مراغة”، في 16 شباط عام 1983، في سجن بئر السبع، و”عمر القاسم”، في 4 حزيران عام 1989، بعد أن أمضى 21 عاماً في الأسر، بالإضافة إلى قوافل الأسرى الذين يعانون أمراضاً مزمنة، ويواجهون خطر الموت، في سجون الاحتلال. كذلك الأمر بشأن التعذيب، الذي شكّل منهجاً تميز بممارسته المحققون في السجون الإسرائيلية، حيث فضَّل أسرى الحرية الموت على الاعتراف، أو الخضوع “لو نستشهد كلنا فيك/ صخر جبالنا رح يحاربهم”. كما يذكِّرنا استشهاد “عرفات جرادات”، يوم السبت 23 شباط 2013، أثناء التحقيق معه، بعد اعتقاله بأسبوع؛ بمن استشهدوا جراء أقسى أنواع التعذيب، نذكر: “قاسم أبو عكر”، في 23 آذار عام 1969، و”إبراهيم محمود الراعي”، في 11 نيسان 1988، وغيرهم، ممن صمدوا صمود الأبطال، في وجه أساليب التعذيب الجهنمية، وفضلوا الموت على الاعتراف والركوع. وباستشهاد “ميسرة أبو حمدية”، و”عرفات جرادات”؛ ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 207 شهداء؛ الأمر الذي دفع إلى دق ناقوس الخطر، وتفعيل قضية الأسرى، في أرجاء الوطن كافة، والاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات، من أجل استنشاق الحرية، والإعلان عن حملة محلية ودولية للإفراج عن أسرى الحرية، والمناداة بضرورة ملاحقة دولة الاحتلال، قانونياً وقضائياً، ووجوب معاقبة منتهكي الاتفاقيات الدولية، التي تقضي بمعاملة الأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، وكمقاتلين، دفاعاً عن حرية وطنهم، حتى لا تضيع تضحياتهم، وحتى يعودوا إلى عائلاتهم وشعبهم ووطنهم.