عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع العفيف الأخضر: العلمانية ليست ضد الدين وهي مفتاح الحداثة المعاصرة
نشر في حريات يوم 02 - 04 - 2013


أجري الحديث سامح سامي من "الأهرام"
في تعريفك للعلمانية في مقالك المنشور بجريدة وطني عدد أغسطس 2003، أوضحت أن هناك ثلاثة مبادئ أساسية تقوم عليها العلمانية: حياد الدولة في الشأن الديني، حياد المدرسة إزاء الدين ، واحترام حرية الضمير والاعتقاد، فهل تعتقد أن هذه المبادئ يمكن لها أن تطبق في دولة كمصر أم لا ؟
بالتأكيد .العلمانية خير ومصر أهل لكل خير. استثناء أي دولة عربية من العلمانية عنصرية ضد الذات. لا تنسي أن العلمانية هي مفتاح الحداثة السياسية. لا ديمقراطية بدون الاعتراف لجميع المواطنين، رجالاً ونساء مسلمين وغير مسلمين عرباً وغير عرب، بحقوق المواطنة كاملة مثلاً حقهم في أن يكونوا ناخبين ومنتَخَبين، لجميع مناصب السلطتين التشريعية والتنفيذية بما فيها رئاسة الجمهورية. فكيف تترشح لها امرأة أو غير مسلم إذا لم يقع الفصل بين الديني والسياسي كما تتطلب العلمانية. أفتى شيخ الأزهر الإمام الأكبر د. سيد محمد طنطاوي بأهلية المرأة للترشيح للرئاسة وكلي أمل في أن يخطو الخطوة الثانية والحاسمة على طريق الحداثة السياسية: إقرار حق غير المسلم في تقلدها أيضاً. وله قدوة حسنة في سلفه الفقيه المصري الكبير شهاب الدين القرافي الذي أفتي منذ سبعة قرون بجواز أن يعيش المسلمون في دولة يحكمها حاكم غير مسلم. لم يعد بإمكان الدولة المعاصرة أن تستحق اسم الدولة إذا لم تكن دولة لكل مواطنيها على اختلاف جنسهم وأديانهم. إذن الدولة الحديثة هي الدولة العلمانية. لا يمكن أيضاً تطبيق حقوق الإنسان التي تنص على السلامة البدنية وحرية الاعتقاد أي إمكانية الإنسان تغيير دينه أو عدم الأخذ بدين من الأديان إذا لم تكن الدولة علمانية. تطبيق الحدود الشرعية من جلد وقطع لليد والرجم مرفوضة من حقوق الإنسان وتعتبر فضيحة في نظر الدبلوماسية الدولية والإعلام العالمي والمجتمع المدني العالمي ولا تستطيع أية دولة في العالم أن تتحدي هذه القوي الهائلة من دون عقاب. فضلاً عن أن العلوم الإنسانية برهنت علي عقم هذه العقوبات التي تعود إلى العهود القديمة. ما تسميه التوراة شريعة موسى هي تاريخياً شريعة بابل في القرن 18 قبل الميلاد التي ترجمها أحبار اليهود من مدونة حامورابي خلال السبي البابلي ونسبوها إلى موسى وأخذناها عنهم دون تمحيص!
العلمانية ليست مفتاح الحداثة السياسية وحدها بل مفتاح الحداثة المعاصرة كلها. إذ كيف ندرس أبناءنا الفلسفة والعلوم الإنسانية والبايلوجية والمدارس الأدبية والفنية الحديثة، التي تكفرها الحركات الدينية الظلامية فالشيخ القرضاوي مثلاً يكفر النحت، إذا لم نفصل بين الدين والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني؟ حتى لا تمنع أو تصادر بعد اليوم كتب نجيب محفوظ والمستشار العشماوي أو سيد القمني وغيرهم وحتى لا تحكم محكمة مصرية على مشارف القرن الحادي والعشرين على باحث جامعي بالردة التي استوردها الفقهاء من التوراة كما أوضح ذلك أستاذ الدراسات القرآنية الليبي، الصادق النيهوم في كتابه "إسلام ضد إسلام". أما القرآن فلا وجود فيه لحد الردة بل يعطي المسلم الحق في الإيمان أو الكفر "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (29 الكهف) التي فسرها محمد عبده في "المنار": "من شاء أن يدخل فيه [الإسلام] فليدخل ومن شاء أن يخروج منه فليخرج" وهذا متفق مع حرية الاعتقاد التي تضمنها العلمانية ومواثيق حقوق الإنسان.
* وهل تري أن ثقافتنا العربية الآن تحمل في طياتها بذور خصبة للفكر العلماني؟ وماذا تحتاج إليه هذه الثقافة لكي تنمي هذه البذور إن وجدت؟ وإذا لم تكن هناك أي بذور للفكر العلماني فكيف يتم إدخال الفكر العلماني _ المتهم من قبل البعض _ إلى ثقافتنا العربية؟
بذور العلمانية موجودة في تراثنا منذ البدء. تذكر أن أحد الخبراء العسكريين من الأنصار سأل نبي الإسلام في غزوة بدر عما إذا كان اختياره لموقع نزول الجيش وحياً من الله أم تدبيراً عسكرياً "الحرب والخديعة" فأجابه بل هي الحرب والخديعة . عندئذ أشار عليه الخبير بتغيير الموقع العسكري فقبل. أليس هذا إعترافاً بالفصل بين الدين والعلم العسكري؟ وعندما أشار النبي على الأنصار بعدم تأبير [تلقيح] نخيلهم فأخذوا بمشورته ففسدت نخيلهم فجاؤوه يلومونه فرد عليهم لومهم: "ويحكم إنما أنا نبيكم في أمور دينكم أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء" أليس هذا إقراراً صريحاً بالفصل بين الدين والدنيا؟ ألا تقول الآية 105 من سورة التوبة:" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وهكذا جعلت الإيمان اختياراً فردياً داخلياً أي بين الإنسان وربه لا علاقة له بالتبشير وقيادة الناس إلى الجنة بالسلاسل كما يفعل فقهاء الإرهاب المعاصرون؟ ألم يتوقف معاوية عن إمامة الصلاة طوال خلافته؟ أليس هذا فصلاً بين إمامة الدين وإمامة السياسة ؟ ألم يتوقف الخلفاء من بعد موته عن إمامة الصلاة ويحتجبوا عن الناس كعلامة على قيام الدولة التي يحتجب فيها رئيسها عن الناس فلا يتعامل معهم إلا بمراتب أدني من مرتبته. الدولة الإسلامية لم تكن في عهد النبي والخلفاء الراشدين إلا اتحاد قبائل ورئيسة شيخ مشايخ القبائل لا رئيس دولة. الدولة بدأت بالتكون في العهد الأموي واكتملت في العهد العباسي.
أما ثقافتنا الحديثة فزاخرة بالأفكار العلمانية لدي شبلي شميل وفرح أنطون ولطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وأحمد أمين ومنصور فهمي وعشرات من بعدهم. لا ضرورة لوجود العلمانية في تراث أمة لكي تأخذ بها لأن العلمانية ليست ترفاً بل هي حاجة لا غني لأمة عنها. لذلك تعايشت معها ديانات العالم كله إلا الإسلام العربي الذي مازال حائراً أمامها.
* وما رأيك فيمن يقول إن العلمانية فكر غربي إلحادي يستهدف الأديان ومنها الدين الإسلامي. لأن العلمانية من وجهة نظرهم تستبعد الدين من الحياة معللين رفضهم للعلمانية أن الدين الإسلامي دين ودنيا يستطيع تنظيم شئون الناس؟
العلمانية غربية المنشأ لكنها اليوم عالمية فقد تبنتها الهند والصين وروسيا وأمريكا اللاتينية وآسيا غير الإسلامية. ولا علاقة للعلمانية بالإلحاد فهي لا تحارب الدين بل تمنع الأديان من أن يحارب بعضها بعضاً. وهي لا تستبعد الدين من الحياة بل فقط من الحياة السياسية إنقاذاً له من السياسة وإنقاذاً للسياسة منه. ليس الإسلام وحده ديناً ودنيا بل أيضاً الكاثوليكية واليهودية والبروتستانتية والهندوسية والبوذية والشانتونية كلها كانت دنيا ودينا ثم حكم عليها التاريخ بأن تفصل بين الدين والدنيا كما سيحكم على الإسلام في مستقبل لا أراه بعيداً. وقائع الحياة والأرقام أصدق من أكاذيب فقهاء الإرهاب. في فرنسا نصف المسلمين يصلون وفي إيران يعترف حجة الإسلام على زم، نائب رئيس بلدية طهران بأن 75 بالمئة من الشعب و86 في المئة من الطلبة توقفوا عن الصلاة بعد قيام الدولة الدينية في إيران، المساجد والجوامع التي كانت مكتظة بآلاف المصليين لم تعد تستقبل اليوم إلا عشرة مصلين في صلاة الصبح وعشرين في صلاة الظهر، بينما المساجد في تونس مثلاً تغص بالمصلين، رجال الدين باتوا مضطرين إلى التخفي في ملابس مدنية حتى يقف لهم تاكسي في طهران. حتى 1994 كان اسم علي والحسين هما السائدين بين المواليد الجدد. لكن منذ ذلك التاريخ غدا الاسمان الوثنيان داريوش وأراش هما السائدين. أصدرت الجمهورية الإسلامية قانوناً يحظر اتخاذ الأسماء غير الإسلامية لكن الظاهرة تواصلت فغدا اسم الطفل في سجل الولادات علي أو الحسين لكن اسمه في أسرته وبين أقرانه .. داريوش أو أراش. ما هو سبب هذا الرفض الجماعي للإسلام في الجمهورية الإسلامية؟ هو الدولة الدينية بالذات التي زجت بالدين في السياسة. رفض الإيرانيون سياستها ورفضوا الدين معها. وهذا ما وعاه كثير من آيات الله الذين باتوا الآن يطالبون بالعلمانية في ظل الجمهورية الإسلامية وعددهم 300 من آيات الله في مقدمتهم آية الله منتظري الذي كان الخميني إثر عودته إلى إيران رشحه لخلافته. قبيل وفاته صرح آية الله مهدي حائري:"هؤلاء المجانين الذين يحكمون باسم الإسلام هم بصدد تدمير الإسلام "كتب السوسيولوجي الإيراني فرهاد خسرو خاور: "ما فشل الشاه في تحقيقه سيؤدي فشل الثورة الإيرانية إلى تحقيقه:العلمانية". بالمثل كتبت الباحثة الإيرانية مريام ميربابان: "وجه الخمينيون لطمة إلي المعتقدات الدينية عندما خلطوا الدين بالسياسة. فالمشاعر المعادية للدين التي انبتتها سنوات حكم الخميني لم يكن يحلم بها حتى الشيوعيون الإيرانيون الذين حاولوا إضعاف الدين طوال خمسين سنة".
ألا تري معي أن الدولة الإسلامية هي أخصر الطرق إلي العلمانية؟ حسب العالم العربي والإسلامي أن تحكمه جمهوريات إسلامية ليتحول بعد عشر أو عشرين سنة إلي جمهوريات علمانية. لا أخفي عليك أن هذا غدا اليوم أمل بعض العلمانيين في العالمين العربي والإسلامي. فما هي الدولة التي تعادي الدين وتضطهد الدين؟ الدولة العلمانية كالدولة الفرنسية التي يمارس في ظلها المسلمون شعائرهم بكل حرية؟ أم الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي حرمت علي المسلمين السنة بناء مسجد في طهران؟ في عصر ثورة الاتصالات حبل الكذب قصير وقصير جداً. في 1905 كفر بابا روما جميع النواب الكاثوليك الفرنسيين الذين صوتوا لصالح"الميثاق العلماني" الذي فصل الدين نهائياً عن الدولة والكنيسة الكاثوليكية هي أول من روج لأكذوبة أن العلمانية ضد الدين التي تلقفها قادة الحركات الإسلامية الظلامية . لكن ها هو مطران باريس مونسنيور LUSTIGER يصرح الآن بأنه "علماني". ولا شك أن كثيراً من شيوخ الإسلام أنفسهم بعد أن يذوقوا طعم حكم الجمهوريات الإسلامية ويرون مدى تدميرها للعقيدة الإسلامية سيصرحون هم أيضاً بمثل ما صرح به مطران باريس أو آية الله منتظري و 300 من زملائه: "نحن علمانيون".
في فلسفة التاريخ عند هيجل "التحقيق شرط للتجاوز" أي لا يمكن تجاوز الإسلام الظلامي إلا بعد تحقيقه. وهكذا فالعلمانية هي مستقبل العالم الإسلامي.
* بالإضافة إلي ذلك ، يلتصق بك فكرة شائعة _ أنا ضدها بشدة _ وهي أنك ضد الدين الإسلامي.. خاصة بعد مؤتمر الثقافة العربية الذي أقيم بالقاهرة مؤخراً وهجم الأزهر الشريف علي هذا المؤتمر وأصدر بياناً ضد المؤتمر وضدكم شخصياً والدكتور حيدر إبراهيم.. تعليقك؟
فقهاء الإرهاب قديماً وحديثاً كفروا مئات بل آلاف المثقفين. كفروا الجاحظ والمتنبي وحتى الإمام الطبري صاحب التفسير المعروف باسمه. ابن تيميه كفر المسلمين بالجملة. كفر المعتزلة وخصومهم الاشاعرة بمن فيهم حجة الإسلام الغزالي وكفر الفلاسفة بمن فيهم قاضي القضاة ابن رشد وكفر المتصوفة بمن فيهم شيخ العارفين ابن عربي وكفر الشيعة بمن فيهم الإمام علي ابن أبي طالب. أما فقهاء الإرهاب المعاصرين فلم يكتفوا بالتكفير بل تجاوزوه إلي المطالبة بتنفيذ فتاويهم الدموية. راشد الغنوشي أفتى في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص 184) باغتيال الرئيس السادات واعتبر جريمة الإسلامبولي الذي اغتاله حكماً شرعياً يقاس عليه لاستنتاج الأحكام الفقهية. وأفظع من ذلك أفتى بقتل جميع الحكام المسلمين "الحكام المتحدث عنهم في النصوص [التي تحرم قتل الحاكم المسلم] هم أمراؤنا [..] ولا يمكن اعتبار الحكام الدكتاتوريين المفسدين المتمردين على شريعة الرحمن وإرادة الشعب أمراءنا وأولياءنا وإلا لزمت طاعتهم بل هم في الحقيقة أولياء الشيطان وأذناب أعداء الإسلام (الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص 183) فكيف لا يقول الغنوشي وأمثاله من فقهاء الإرهاب بأني "عدو الإسلام"؟ ولتعلم أن الغنوشي سمي مجموعة من أعضاء حزبه قيدوا ثلاثة من حرس الحزب الحاكم وصبوا عليهم البنزين ثم أحرقوهم أحياء سنة 1991 "أبطال الإسلام" ونشر هذا التصريح في "الوطن العربي"! فماذا ننتظر من أفضل من ذلك؟ أما بيان الأزهر ضد مؤتمر القاهرة وضدي شخصياً وضد زملائي جمال البنا وحيدر إبراهيم وحسن حنفي وعبد المعطي حجازي وأدونيس فأهلاً وسهلاً به إذا رد علينا بكتاب كما قال لا بفتوى تكفير وسنرد على الكتاب بكتاب. وهذا هو الرد المنطقي.
* وهل تري أن الدين والممارسات الدينية وراء تخلف الأمم؟ ولماذا تقف الممارسات الدينية والتفسيرات الدينية كعائق أمام تطبيق العلمانية والعدالة بين البشر. فالعيب _ من وجهة نظري _ ليس في الدين ذاته وإنما في رجال الدين أو في من يمارسون طقوساً دينية تحث على التعصب والاضطهاد والكراهية للأديان الأخرى بل للمختلفين داخل نفس الدين وفي سلطات دينية تؤيد ذلك وتقف وراءها سلطات تنفيذية وفي مناهج تربوية تربي النشء على ذلك تؤيدها سلطات حكومية. تعليقك؟
معك الحق.الدين، كما تعلمنا سسيولوجيا الأديان، هو مجموعة من المعتقدات والشعائر تجيب عن حاجة الإنسان الهش اجتماعياً ونفسياً إلى الحماية الأبوية وإلى العزاء والسلوى كما يستجيب لحاجة نرجسية عميقة في اللاشعور هي الرغبة في قهر الموت بالخلود، إن لم يكن في هذه الحياة ففي حياة ثانية .. هنا يتدخل رجال الدين للتلاعب بمشاعر ومخاوف المتدينين اللاعقلانية من التطور والتجديد للأحكام وللمارسات الدينية لتتماشي مع مصالح الناس مثل المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة والإرث وحقوق المواطنة ومساواة المسلم بغير المسلم في هذه الحقوق . وهكذا يحول رجال الدين، الدين إلى سبب لتخلف الشعوب كما فعل رجال الدين الكاثوليك بالأمس وفقهاء الإرهاب المسلمون اليوم، وقد أصبت كبد الحقيقة عندما قلت أن تربية النشء على التعصب والاضطهاد هي سبب أسباب التخلف. لذلك طالبت وما زلت منذ سنين طويلة بإصلاح التعليم والتعليم الديني واستبدال التعليم الظلامي السائد بتعليم تنويري كالتعليم الديني التونسي الذي يربي النشء على الاجتهاد أي التفكير الشخصي في النص الديني لقراءته قراءة تاريخية تكيف الإسلام مع الحداثة إذ اتضح منذ قرنين أن لا سبيل لتكييف الحداثة مع الإسلام.ومن الغباء الانتحاري إصرارنا على تكرار تجربة فاشلة.
هل تري أن هناك _ كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري _ علمانية جزئية وعلمانية شاملة ؟
لم أطلع على رأي عبد الوهاب المسيري إذن لا أستطيع التعليق عليه. لكن مبدئياً لا أتفق مع الدعوة التي لا يدعمها شاهد تاريخي واحد على أخذ جزء من الحداثة وترك الجزء الآخر. لأن كل نسق تاريخي كالحداثة بما فيها العلمانية كل متكامل وضرورة تاريخية لا يمكن التدخل فيها تعسفياً لتجزئتها. تجزئة الحداثة جربناها منذ رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده وفشلنا فيها فشلاً ذريعاً. لقد قرروا الأخذ بتقنيات الحداثة لأنها لا تتعارض مع الشريعة أي العقوبات البدنية أساساً روفضوا مؤسسات الحداثة وعلومها الإنسانية وفلسفتها وقيمها. فماذا كانت النتيجة؟ بقاء الإسلام من دون الديانات العالمية الكبرى واقفاً على الرصيف ينتظر "جودو" بعد أن فاته قطار الحداثة.
* قلت إن فرنسا _ وهي من اكبر الدول العلمانية _ لم تصبح علمانية باختيارها بل كانت مضطرة لذلك، فهل تري أن أي دولة تريد أن تكون علمانية لابد من الاضطرار لذلك؟
نعم. الحداثة ضرورة تاريخية وليس باستطاعة أمة أن تستثني نفسها من ضرورات التاريخ إلا إذا تغلبت فيها غريزة الموت على غرائز الحياة فقررت الانتحار الجماعي. كما تفعل بعض الأسماك. لا وجود في التاريخ لظاهرة انتحار طبقة أو أمة فهل سندشن نحن العرب المسلمين هذا التقليد المشؤوم؟
فرنسا اضطرت للحداثة لوضع نهاية للصراع بين الدينيين الكاثوليكي والبروتستانتي ولتصبح الدولة الفرنسية دولة لكل مواطنيها لا للأغلبية الكاثوليكية فقط. وجميع الدول العربية والإسلامية مضطرة اليوم إلى العلمانية إما لتفادى حروب دينية بين مواطنيها المسلمين وغير المسلمين أو حروب طائفية بين الشيعة والسنة في إيران والعراق ولبنان وبعض دول الخليج أو لتصبح دولة لكل مواطنيها، فالدولة الطائفية لم تعد مقبولة في العالم وبات لزاماً عليها أن تتحول إلى دولة لكل مواطنيها، حتى ولو لم يكن فيها إلا مواطن واحد غير مسلم. العلمانية أو الطوفان هذا هو شعار حقبتنا.
* وهل تري أن العلمانية حينما تطبق لابد من قانون يقننها أم تكون في قلب وضمير واعتقاد كل مواطن داخل الدولة العلمانية؟
العلمانية ليست ديناً لتكون مسألة ضمير لكل مواطن بل هي نظام سياسي يحتاج في السياق العربي الإسلامي إلى تقنين ؛ تقنين المساواة بين الجنسين وبين المسلم وغير المسلم والعربي وغير العربي لكن صيغ هذا التقنين عديدة ومرنة . العبرة بالهدف لا بالشكليات.
* أود معرفة عيوب ثقافتنا العربية الحالية من وجهة نظرك وهل لديك مشروع نستطيع أن نهتدي به لكي نخرج من حالة الركود الثقافي والحضاري والفكري التي نعاني منها ؟ وكيف نخرج من النرجسية الدينية؟ هل عن طريق تجديد الخطاب الديني والسير وراء "لاهوت التحرير" الذي أنشئ في أمريكا اللاتينية وانتقل إلي باقي دول العالم ما عدا الدول العربية؟ وهل الديمقراطية تبدأ بالعلمانية ؟ وهل الصراع العربي_ الإسرائيلي ينتهي حين تظهر العلمانية؟
"عيوب" ثقافتنا العربية هي عيوب مجتمعاتنا العربية التقليدية المتأخرة. ثقافتنا السائدة هي بدورها تقليدية ومتأخرة. نترجم 300 كتاب سنوياً فيما تترجم اليونان التي تقل عنا عدداً بحوالي خمس عشرة مرة إحدى وعشرين ألف كتاب ناهيك عن إسرائيل.. وهكذا فعيب ثقافتنا هو سياسة النعامة التي تتعامي عن الخطر إلى أن يدركها الخطر. أليس شاهداً على تخلف هذه الثقافة عندما نرى في مصر مثلاً الدولة المصرية هي التي تحاول نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني الذي يحكم بالإعدام على كل جهد تنموي وتحارب تشويه البنات بجريمة الختان بينما المثقفون التقليديون واقفين ضدها ومعظم المثقفين الحديثين واقفين موقف اللامبالاه باستثناء قلة قليلة مثل نوال السعداوي أو المستشار العشماوي أو سيد القمني أو جمال البنا أو عبد المعطي حجازي وغيرهم، أليس فضيحة للمثقفين الحديثين أن يكونوا أقل اهتماماً وجرأة من فضيلة شيخ الأزهر الذي أدان مشكوراً ختان البنات ومن قداسة البابا شنوده الثالث؟
كم هي مثلاً الروايات والقصص أو دواوين الشعر التي استلهمت مآسي المرأة أو مآسي غير المسلمين أو مآسي التعليم الديني أو مآسي الانفجار السكاني؟ إن وجدت فهي قليلة جداً بالنسبة لتلك التي استلهمت هزائم العرب في حروبهم الحمقاء ضد إسرائيل التي لم يجنوا منها إلا مزيداً من التخلف ومزيداً من الجروح النرجسية التي اعتقلت عقلهم فما عاد قادراً على التفكير العقلاني، لماذا؟ لأن النخب العربية مازالت تستلهم الدماغين الغريزي والانفعالي البدائيين ولم تنضج بعد لاستخدام الدماغ المعرفي COGNITIF الذي مازال لديها ضامراً باعتباره آخر طور من أطوار تطور الدماغ.
من مهام المثقف مساءلة مجتمعه وعصره والتوضيح النظري للمشاكل الفعلية _ لا الاديولوجية أي الوهمية_ التي تطرح نفسها على مجتمعه أو عصره بطرح أسئلة جديدة على الأجوبة القديمة وتقديم أجوبة جديدة للأسئلة القديمة. وذلك لا يتحقق إلا بالتخلص من البارانويا الجماعية التي استولت على قطاع مهم من المثقفين فجعلتهم يرون مشاكل المجتمعات العربية خارجية أي مجرد مؤامرات إمبريالية وصهيونية وماسونية وليست مشاكل نابعة من تخلف العقلية العربية والفكر العربي والاقتصاد والتعليم والمؤسسات العربية والقيم الاجتماعية والدينية السائدة التي شكلت جميعاً عائقاً مخيفاً ضد التقدم إلى معالجة المشاكل الحقيقية. كل من يشير بسبابة الاتهام إلى المشاكل الفعلية يوصم بالخيانة أو بالكفر لأنه لم يعو مع الذئاب ..
الإصلاح الديني عبر إصلاح التعليم والإصلاح الاجتماعي عبر نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني هما البداية الصحيحة إلى ثقافة معاصرة لعصرها وإلى دين تخلص من النرجسية الدينية فبات يعتبر نفسه ديناً بين جميع الأديان لا الدين الوحيد الحق وما عداه من الديانات "باطل ومهلك لأصحابه" كما يدعي محمد بن عبد الوهاب. تدريس تاريخ الأديان المقارن وسسيويولوجيا الأديان وعلم النفس والفلسفة والانثروبولوجيا والألسنية وعلم التأويل في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا كما تفعل تونس هو الطريق الوحيد ليصبح العالم العربي أخيراً غير غريب عن العالم.
الصراع العربي الإسرائيلي لن يحل لا قبل العلمانية ولا بعدها إلا إذا أرادت الولايات المتحدة فرض حل معقول على الطرفين كما قال الأستاذ محمد حسين هيكل . وسبق لي منذ ثلاث سنوات أن طالبت بفرض حل دولي على الطرفين غير الناضجين للسلام. جزء كبير من الليكود والمؤسسة الأمنية مازال يحلم بإسرائيل الكبرى كما أن حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات الرفض الانتحاري يحلمون بدورهم بتحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب. ما فتئ الحلم في كل مرة يتكشف عن كابوس. ولكن لا حياة لمن تنادي. لماذا؟ لأن الدماغين الغريزي والانفعالي يشتغلان أما الدماغ المعرفي فمعطل. ومادام معطلاً فلن تقوم للفلسطينيين والعرب والمسلمين قائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.