دنيا لا يملكها من يملكها ….. أغنى أهليها سادتها الفقراء ….. الخاسر من لم يأخذ منها ….. ما تعطيه على استيحاء …… والغافل من ظنّ الأشياء ….. هي الأشياء! …….. محمد مفتاح الفيتوري،،،، ليت د. نافع علي نافع يقرأ بتروي قصيدة الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري ” الدرويش المتجول، أو ” ياقوت العرش”، ويربط بين ما قاله شاعرنا الكبير، وما قاله شاعر تونس أبو القاسم الشابي” إذا الشعب يوماً أراد الحياة “، وما بين الشاعرين خيط من الضياء، والشفافية، وليس أعذب الشعر بأكذبه، بل ” الشعر من نفس الرحمن مقتبس “، وعلى ذكر هذا النوع من الأدب والشيء بالشيء يذكر نقول ربما أدرك بعض قادة المؤتمر الوطني أهمية الحوار، لكنني أجد نفسي محتاراً بين حديث الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام، والدكتور قطبي المهدي والأستاذ حاج ماجد سوار وحديث د. نافع، حيث يلاحظ المراقب وجود بون شاسع بين حديث الدكتور نافع وقادة المؤتمر الوطني الثلاثة الآخرين، وامتداد مساحة من المعقول واللامعقول، والاتزان والتطرف، أو فلنقل “رسائل متضاربة”، ربما تعكس تصارب المواقف، أو قل توزيع الأدوار إن ساءت الظنون. ومع أنّ القادة الثلاثة أكّدوا حرص المؤتمر الوطني على الحوار مع القوى السياسية ” برغم وجود مُنزلَق”، أو مواقف ” مبهمة تسودها الضبابية “، إلا أنّ الحديث في مجمله يجد منّا القبول والترحيب، لأنّه يتسق مع ضرورات المرحلة، ويمكن أن يسهم في فك ” حالة الاحتقان “الراهنة، التي تعتري كل الوطن، حكومةً ومعارضةً. أمّا د. نافع، وكالعهد به عند قادة المعارضة الذين يفضلونه دوماً لأنّه ” يرمي بالأشياء هكذا على بلاطة “، ويعطيك صورة الموقف واضحةً جلية “أبيض أو أسود” بعيداً عن تكنلوجيا التلوين وغشاوة الحالة الرمادية. فالدكتور نافع قال ” سنعمل على تقييد حركة المعارضة الذين يودون أن يقتاتوا على الفتن، والذين يحلمون أن يبلغوا مراميهم التي حرمهم أهل السودان من الوصول إليها عبر الانتخابات، وتابع: إنّها فئة لا تملك غير أن تصك الآذان بالعويل والصراخ حول الوضع المتأزم وضرورة ذهاب الحكومة وإجماع الأمر على ذهابها. وأضاف نافع: نقول لهم إنّكم تبنون أحلامكم على وهم أن يشتجر أهل السودان، وأن يتحاربوا، وأن تعم الفتنة التي لا تملكون الجرأة ولا تملكون العدد لإشعالها، وتابع قائلاً: نقول لهم إنّ السلام أفضل وأنّ الحوار أفضل، والعمل على سطح الأرض أفضل من تحتها، ونقول لهم إن أردتم غير ذلك فلن تحصدوا إلا الهشيم والحسرة ولن تحصدوا إلا أن تفقدوا ما أنتم مُتمتعون به الآن من الحرية والحركة والاحترام بين الناس. ونافع يُذكّر البعض منا ب(صحاف) العراق، والبعض يصفه بأنّ ” الذي في قلبه على لسانه”، ولسنا هنا في معرض توصيف الرجل، فهو سياسي معروف، وذو خبرات أمنية كبيرة اكتسبها منذ أزمنة بعيدة، لكننا نتمنى أن يدرك المؤتمر الوطني ” حساسية الموقف”، وأن الفعل سيقابله رد فعل إن لم يكن مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه في ذات اللحظة فربما يزيد في المستقبل. وهي مرحلة تقتضي الحوار، وفتح نوافذ التواصل، ومد أشرعة الأمل للخروج من ” نفق الأزمة المظلم”، وهو نفق عميق، وطويل إن لم يكن الدكتور نافع يعلمه، والخروج منه يتطلب النأي التام عن “راجمات الصواريخ” ” والعنف اللفظي”، و”الاستفزاز”، و”التهديد”، و” الوعيد” على طريقة نافع علي نافع. وليت نافع يعلم أنّ القمع ربما يُبقي كرسي السلطة لحظةً، أو سنوات، إلا أنّه لن يحميه أبد الدهر، ودونكم السقوط المدوي لكل أنظمة الاستبداد، وما تجربة تونس ببعيدة عن الأذهان، ولو أنّ زين العابدين بن علي رئيس تونس “المخلوع” قرأ كاتبات الشابي، لأدرك حقيقة الأشياء، وطبائع الشعوب، والتي تكره الاستبداد، وإن ركنت “للطغيان” سنينا عدداً فستنفجر ذات يوم، لأنّ حد المرونة سينقطع، وحد الاحتمال سيتم تجاوزه، وربّ انتفاضة تشعلها أشلاء شاب جامعي رفض الإهانة من فرد من أفراد الشرطة، أو سيدة من سيدات المحلية بعد مطاردات، وملاحقات، فيعبّر عن ذلك بإحراق نفسه، لكن الحريق هذا سيتحوّل إلى نور يضيء بصيرة الآخرين في سلوك دروب الحرية، ولو أدرك بن علي هذا لسعى إلى اشراك الآخرين؛ لأنّ الوطن ليس “حكراً على أحد، ولا تركة تتوارثها أسرة الزعيم، أو زوجته ليلى الطرابلسي، ولذهب فيما ينفع الناس، وما ينفعه هو، ولصار رجلاً تحترمه الأجيال، لأنّه يؤمن بحقيقة “وتلك الأيام نداولها بين الناس” ولو دامت لبورقيبة لما آلت إليه”. وهنا في السودان ندرك تماماً أنّ نافع يملك قرار مصادرة الحريات، وإغلاق الصحف، واعتقال الناشطين من السياسيين والصحفيين بجرة قلم، وقد جرّب هذا لسنوات، لكنّه لم يستطع تغيير حقائق الأشياء، ولا أسكت “الأصوات”، ولا حلّ مشكلة السودان ” إلا وفق مفهومه، ومفهوم حزبه، وربما يسحل الناس، ويقطعهم إرباً إرباً” لكن أيضا لن يتم حل المشكلة”، بل ستتأزم الأوضاع أكثر مما هي عليه، وستزداد الحلقات الضيقة ضيقاً على ضيقها، وستتقلص مساحة المناورة كل يوم، وكما قلت فإنّ الشعراء يكتبون ما يعتبره البعض ” خطرفة”، مثلما كتب الشابي قصيدته قبل حقب طويلة، ولذلك ليت نافع يقرأ ما كتبه الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري في قصيدته الشهيرة “الدوريش المتجول” التي يقول فيها تاج السلطان الغاشم تفاحة تتأرجح أعلى سارية الساحة تاج الصوفي يضيء على سجادة قش صدقني يا ياقوت العرش أنّ الموتى ليسوا هم هاتيك الموتى والراحة ليست هاتيك الراحة