مؤنس فاروق ظل السودان و لفترة ليست بالقصيرة اسير للفشل و الضياع طيلة فترات حمكه الوطنى او الفترات التى شهدت قيام الدولة الوطنية ( السلطنة الزرقاء . الدولة المهدية .سودان ما بعد الاستقلال) رغم ان التاريخ و الشواهد كانت تدلل على عظمة و قوة انسان السودان الاول فى كوش و نبتة و مروى و الذى ترك الارث الحضارى و التاريخى العظيم و الثر الذى كان يمكن ان يكون خير مرتكز و اساس لحاضر و مستقبل السودان اليوم . لقد كانت القبلية هى سرطان السودان المزمن الذى لم ينقطع عنه ووقف حائل على الدوام فى سبيل تحقيق الدولة القومية القوية و الموحدة ، فقد كانت هى السبب فى تفتت السطنة الزرقاء و وقوعها لقمة سائغة فى يد جيش محمد على باشا رغم انها فى بدايتها شهدت القوة فى اتحاد عمارة دنقس و عبدالله جماع و كانت القبلية هى السبب ايضا فى الانهيار السريع و المريع للدولة المهدية ( 13 عاما فقط ) . كما كانت السبب فى تقسم و تفتت سودان ما بعد الاستقلال. و القبلية المقصودة هنا تشمل اوجة و انماط عديدة فتارة هى الجهل و الرجعية و تارة هى العنصرية و الجهوية و اخيرا فى ثوب العصبية و الطائفية ، و كلها مكونات لا مخاض لها غير الفساد و الانتهازية و لا بذرة لها غير القبح والكراهية ، ولا طائل منها سوى الحروب و الفشل . ونجد ان السوادن و بخلاف ما ذكرنا من ابعاد تاريخية و حضارية عظيمة يمتلك ابعاد اخرى حيوية و يمتاز بمقومات يندر مثيلها من حيث التنوع المناخى و البيئى و الثقافى و العرقى وقد كان لكل هذه المقومات الاثر فى ثراء السودان بالموارد الطبيعية من انهار و غابات و ثورة حيوانية واراضى زراعية وثروات معدنية و ما اكثر من ذلك .. لكن على الدوام كان ابناء السوادن اقل قامة منه و من الفهم الصحيح و الشامل للسودان ومستقبله . و الامثلة على ذلك كثيرة لكن دعونا فقط نقف ونسلط الضوء على سودان ما بعد الاستقلال . من حيث وقف السير روبرت هاو (اخر حاكم بريطانى ) مخاطبا الحضور فى حفل وداعه و محاولا شرح ابعاد التنوع الذى يذخر به السودان .. و مدى امكانية الاستفادة من هذا التنوع فى خلق حيوية عظيمة و وطن قوى او فى خلق ماهو عكس ذلك تماما و .. وقد حدث ما حذر منه روبرت هاو الذى زار كل ارجاء السودان ماعدا الناصر و البيبور و درس و فهم السودان و السودانيين اكثر من ما فهمنا و درسنا و الذى حذر من ان تكون القبلية هى السمة و التعصب هو الحكم . ليعم اخر الامر الفساد و تستعر الحروب و يتمزق الوطن ( وكله بايدينا لا بيد عمرو ) ربما لم يجد السودان القائد الوطنى الحقيقى و المدرك و الملهم بعد استقلاله ليقوده فى الوجهة الصحيحة كما وجدت الهند غاندى او كما فعل اتاتورك فى تركيا و بقدرما مصر مع عبدالناصر الذين وضعوا اللبنة الصحيحة لنهضة شعوبهم و بلدانهم . فشهد و عاش السودان كل هذا التخبط و الفشل و الضياع نتيجة ان اولى ازماته كانت فى الشخص او النخبةالواعية التى تقوده وفق ما يتناسب مع هوية و تاريخ و تنوع السودان و تسخر كل تلك الامكانات فى بناء وطن قوى و متماسك (اكثر من خمسين عاما على السيادة الوطنية دون دستور دائم يحفظ البلاد، ولم تتوقف فيها القنابل عن السقوط و حصد ارواح السودانيين) لقد انجبت حواء السودان قد افذاذ و قادة عظام فى مجالات شتى و لا يسمح المجال لذكرهم لكن بالتاكيد لانسطيع ان نغفل ذكر اثنين كانا بقامة الوطن و ادراكه بل وهبوا انفسهم للدفاع عن الوطن و مستقبله ، الاول هو .. الاستاذ محمود محمد طه و رؤيتة السليمة وادراكه التام و انحيازه لعميق للوطن و هذا يبدو واضحا فى كل اطروحاته الفكرية تجاه قضايا و ازمات الوطن او فى جميع مواقفه السياسية و الوطنية الصادقة ، لكن كان جبروت الفساد و انحطاط الدولة السودانية وساستها فى كامل حلته لتتم فى ارض النيلين ابشع جريمة اغتيال ضد الفكر و الانسانية فى القرن العشرين .. و الثانى بالتاكيد هو الراحل د. جون قرنق دى مبيور اكثر من امن بالسودان و دافع عن وحدته و ادرك قوته و عظمة تاريخه و بريق مستقبله ، لكن لم يكن القدر رحيما بالسودان فى وفاة د.جون قرنق فى وقت كانت البلاد فى امس الحاجة الى فكره و لواءه . و هاهو الان مسلسل الفشل و التردى السودانى يصل حلقاته الصعبة حين تنقسم كل اطياف و مكونات السودان السياسية و الاجتماعية و تتزين بثوب التعصب وتتحلق حول بذرة الفناء (القبلية ) فى وطن تتأكله الحروب و المجاعات … اخاف ان نكون الان نشهد الحلقات الاخيرة من موت وطن كان اسمه ( السودان ). .. ان لم يكن قد مات بالفعل ……..